متحررات من الأمية يشرّعن لأخريات "باب الإنسانية"

"أنا ممتنة لهم، ليس فقط على التعليم، ولكن على زرع الثقة بالنفس والقدرة على الحلم". تجربة نساء في جمعية بدأت لمحو الأمية، ثم صارت للتعليم واكتساب المهارات. ومن المؤكد أنه يوجد سواها كذلك، وأن تلك هي التجارب التي تجعل مجتمعاتنا تستمر واقفة على قدميها على الرغم من كل الاضطهاد والإهمال الذي تعاني منه. قصص تستحق أن تُروى.
2020-11-04

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
عبد الهادي الجزار - مصر

"نحن فقراء للغاية، ولكننا لسنا أغبياء". هذا هو لسان حال الملايين ممن جاؤوا إلى هذه الحياة محملين بفقر الموارد، ولم يكن أمامهم إلا أن يرثوا فقر القدرات، لولا أن حطت على الجسور آلاف الطيور، قررت أن تساعد، ووضعت في أياديهم "قلم وورقة".

إنها قصص سيدات تخطين العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من العمر، وقررن العودة والجلوس في الصف لتلقّي الدرس. ولم يكتفين بذلك، بل قررن أن يتحولن هن الأخريات مع دورة الزمان إلى "طيور" تحمل كل منهن الغصن الذي تلقفته قبل سنوات لتضعه بين يدي امرأة أخرى، ما زالت تتلمس طريقها نحو "باب الخروج".

أنقل إليكم عبر هذه السطور تجارب بعضهن كما رصدْتها عبر شهور من خلال تجربتي في توثيق عمل جمعية تنموية مصرية اختصت على مدار 25 عاماً في قضايا تعليم الكبار وتمكين المرأة وتعزيز دورها في المجتمع، والاسم كما الفعل: "جمعية المرأة والمجتمع".

كانت البداية مع تأسيس "فصل" دراسي بسيط، افترشت فيه سيدات الحي الفقير الحصير، ثم انطلقن جميعاً ــ مُعلمات ومتعلمات ــ نحو تحقيق المصير.

شجرة الوجع تطرح حلماً

"منى" امرأة مصرية أحالت حرمانها فيضاً جميلاً. بدأت القصة في أحد ايام العام 1999، حين حملت لقب "مطلقة"، ولديها أربعة أبناء أكبرهم بالمرحلة التعليمية الإعدادية. وضعت الورقة الرسمية في صندوقها الخاص، وفتشته فلم تجد به غير ورقة أخرى مصفرّة هي "الشهادة الابتدائية". أغلقته وبعد أيام من التفكير قررت: لا أريد أن أعمل فقط، ولكن أن أخلق حياة جديدة يفتخر بها أولادي من بعدي"، اهتدت داخلها للإجابة "التعليم". ولكن.. كيف؟

ذهبت إلى الإدارة التعليمية، سجلت نفسها بالمرحلة الإعدادية، عادت للبيت فشعرت بالورطة.. الكتب من حولها، تحاول أن تخبئها عن أعين الجميع، خاصة ابنها المسجل دراسياً بالمرحلة نفسها، تذاكر ليلاً، وتنهمك طوال اليوم بعشرات الهموم، وعلى رأسها البحث عن عمل ..أي عمل.

جاء ابن أخيها إلى بيت العائلة ذلك اليوم، وهي تضع الطعام من أجل الجميع على النار، طالبها أن تبارك له، حصل على وظيفة بسيطة في جمعية أهلية قريبة اسمها "المرأة والمجتمع"، سألته ما هي"، فقال: "فصول مذاكرة ومحو أمية". في اليوم الثاني كانت هناك، تعرفت عليهم، أخبرتهم قصتها وأنها تود لو تجد من يساعدها مجاناً في دروسها وخاصة اللغات الإنجليزية والفرنسية.

انتظمت "منى" في الحضور إلى الجمعية صباحاً، وفي الوقت نفسه قررت أن تبحث عن مدخل رزق يدرّ عليها عائداً معقولاً، وتستطيع إنجازه في البيت، فكان الشراء والبيع للمفروشات المنزلية، إعداد الوجبات المنزلية للموظفات. وساعدها على الابتكار أنها لم تتلق دروس اللغة وحدها في الجمعية، ولكن كان هناك عدد من الورش المحفزة للمهارات مثل السكرتارية، تنسيق الزهور، صناعات الألبان، التطريز والمشغولات الفنية.

مطلّقة، مع أبناء أربعة، وشهادة ابتدائية قديمة. ذهبت إلى الإدارة التعليمية، سجلت نفسها بالمرحلة الإعدادية، عادت للبيت فشعرت بالورطة.. الكتب من حولها، تحاول أن تخبئها عن أعين الجميع، خاصة ابنها المسجل دراسياً بالمرحلة نفسها. تذاكر ليلاً، وتنهمك طوال اليوم بعشرات الهموم، وعلى رأسها البحث عن عمل ..أي عمل.

قالت: وجدت دائماً شيئاً جديداً أتعلمه، حصلت على الإعدادية، وأتيحت أمامي فرصة عمل داخل الجمعية كمدربة على المشغولات الفنية. هكذا بدأت جمع ثمار السعي، وتعاظم الطموح داخل الروح.

تقدمت بأوراقها هي و"إسلام" ابنها البكر، إلى المرحلة التعليمية الثانوية. على مدار ثلاثة أعوام اجتهدت بالدراسة والعمل وسط احتفاء شديد بها من داخل الجمعية، وقليل من الإعجاب والتأييد خارجها في محيط الأسرة والأهل.

وفي العام 2004، حصلت "منى" على بكالوريوس خدمة اجتماعية. كانت الفرحة الكبرى، لكنها فوجئت أيضاً بترشيحها لعضوية مجلس إدارة "المرأة والمجتمع"، وفي الوقت نفسه حصلت بشهادتها على فرصة عمل بإدارة النشاط بجمعية أخرى خيرية شهيرة.

تحكي منى عن معنى التغيير: اكتشفت نفسي وقدراتها التي لم أكن أتوقعها أبداً، شعرت وكأن هناك غطاءً فوق روحي تمت إزالته، كان يمكن أن أكسب مزيداً من الأموال بأي أعمال تعتمد على الجهد البدني، لكنني بالتعليم أعدت تعريف نفسي وأولادي بالحياة.

تكمل: كان أكبر تحدٍ هو علاقتي بهم وتفوقهم بالدراسة، عانيت كثيراً على المستويين، لكن اعتقدت أني حققت نجاحاً، أتذكر الآن كيف كنت أذاكر خلال تنقّلي بالمواصلات، وأتذكر أيضاً كيف أن تجربتي مع المجتمع المدني دعمتني، والأهم أثقلت معارفي وفتحت إدراكي. مع حضور الاجتماعات ومناقشة الخطط، تغير شكل علاقتي بكل من حولي.

تضحك بتسامح: أصبحت مرجعية لمن انتقدوني كثيراً، وشعرت أنه آن الأوان للانتقال إلى الحلم الأكبر، الانتقال من مساحة تغيير مسار حياتي، إلى المشاركة في مساعدة أخريات فى تحقيق المصير نفسه أو أفضل منه.

نجحت "منى" بالفعل في تحقيق هذه النقلة الجوهرية. أثمرت شجرة وجعها وأورفت ظلاً، فخلال حضورها اجتماع مجلس الإدارة في العام 2014، تابعت عرض رئيس الجمعية لمشروع جديد لفصول محو الأمية في ضواحي وقرى الجيزة، فتحمست وعرضت أن تتولى هي إدارته. وعلى الرغم من قلة خبرتها بالمجال، أتاحت لها الجمعية الفرصة، ودعمتها بالتدريب والتقويم والتقييم المشترك، فحققت بذلك أولى خطواتها في طريق آمنت به كناشطة متخصصة ببرامج التنمية.

تقول منى: أتذكر الآن كيف كنت أذاكر خلال تنقّلي بالمواصلات، وأتذكر أيضاً كيف أن تجربتي مع المجتمع المدني دعمتني، والأهم أثقلت معارفي، وفتحت إدراكي. مع حضور الاجتماعات ومناقشة الخطط، تغير شكل علاقتي بكل من حولي.

تحكي: سألتني رئيسة الجمعية يومها: "هاتقدري"؟، قلت: بوجودكم معي، فلا أحد ينجح دون الآخرين. اتخذت قراراً صعباً بالاستقالة من عملي السابق، والتفرغ لهذا المشروع الذي لم يكن سقفه الزمني يتخطى الخمسة عشر شهراً. استهدفنا في أول سنة فتح 60 فصلاً، ونجحنا في فتح 106 فصول، وسجلنا 1720 دارسة، وتخطينا الرقم المستهدف وتوسّعنا بالخدمات.

____________
من دفاتر السفير العربي
من تراث ربّات القلم
____________

تضيف: كنت أذهب مرتين في الأسبوع إلى الضواحي لمتابعة الفصول، وأتعجب من نسبة الطلاق، أتابع مجهودات المشرفات والميسرات في التدخل مع مشكلات المتعلمات، وأقول لنفسي: لو كنت تعلمت في الصغر كان هناك احتمال ألا أصل في زيجتي للطلاق، وأفرح جداً إذا أكملت أي واحدة منهن تعليمها، أو نجحت في الحفاظ على بيتها، أشعر أن هذا انتصار شخصي لي والحمد لله، استطعنا بالمجهود المشترك أن نتخطى السقف الزمني المحدد، وما زلنا مستمرين حتى اليوم، وما زلت أبكي في مواقف تحكيها أمامي الساعيات للتحرر من الأمية، لعل أكثرها تأثيراً فيَّ هي مدى فرحتهن ونحن نوزع عليهن بعض الهدايا البسيطة تقديراً لتفوقهن. فقد كانت هذه المرة الوحيدة لأغلبهن أن يحصلن على هدية تقديراً وتشجيعاً على الاجتهاد.

حين واجهت منى الحياة بعد الطلاق، كانت في التاسعة والعشرين من عمرها، واليوم هي مديرة برنامج تنموي وجدّة، تقول ابنتها لزوجها: "سأكون سيدة مجتمع مثل أمي".

التوأمان.. فرّقهما التمييز وجمعهما الحب، قصة رائدة ريفية

عاشت "إيمان" مع أسرتها الكبيرة في منطقة ريفية منذ منتصف الستينات، تتذكر هيئتها وهي في العاشرة، تجلس مساءً إلى جوار أخيها التوأم، ترسم له خريطة مصر بعد أن أخبرها أنه نال تصفيقاً حاداً على رسمة سابقة قد خطتها هي له في كراسته، وتم تعليقها في غرفة الناظر.

كانت إيمان تكتفي بعلاقتها الجيدة بتوأمها، وترتضي بما يصلها من معرفة بمحاذاة مسيرته المدرسية التي حُرمت هي منها، كسائر الفتيات من جيرانها في ذلك الوقت.

تزوجت "إيمان"، وحين دخلت طفلتها الأولى" الروضة"، استطاعت أن تحفظها القليل حتى طلبوا منها تعليمها الأبجدية الإنجليزية، فتوقفت وقالت: "لا أعرف".

مقالات ذات صلة

تحكي إيمان: كنت تعرضت لمواقف محرجة قبل ذلك، مثل أن أخرج أنا وزوجي مع رفاقه وزوجاتهم فيسألونني عن شهادتي فأتلعثم وأصمت، لكني شعرت بسخونة في جسدي كله حين وقفت صامتة أمام ابنتي، وقلت سيمرّ عام أو اثنان، وتدرك حقيقة أن أمها غير متعلمة، فشعرت بالخجل الشديد وكذلك بالظلم لأني كنت متميزة بشهادة أخي منذ صغري، ولا أستحق هذا الإحساس بالفشل والعجز.

تقول: توجهت له بشكواي ووجعي، فكان أول من شجعني.

سألت إيمان الوافدة إلى منطقة "أرض اللواء" بمحافظة الجيزة عن وسيلة لخوض امتحان "محو الأمية" فأخبرها بعض الجيران أن هناك مقراً لجمعية "المرأة والمجتمع" قريبٌ من منزلها، ذهبت إلى هناك منتصف العام 1998، حصلت على شهادة "محو الأمية" ثم شجعتها الأجواء، فكانت من الدفعة الأولى التي التحقت بفصول المرحلة الإعدادية داخل الجمعية.

تقول إيمان: شعرت بسخونة في جسدي كله حين وقفت صامتة أمام ابنتي، وقلت، سيمر عام أو اثنان، وتدرك حقيقة أن أمها غير متعلمة، فشعرت بالخجل الشديد وكذلك بالظلم.

تحكي: كنت استيقظ مبكراً، أودع أولادي في الحضانة، ومنها للجمعية أتلقى دروسي، ثم أنزل للسوق أشتري حاجاتي وأعود للطبخ قبل عودة زوجي، أصبح يومي منظماً ولو مرهقاً. شعر زوجي بفرحتي وساعدني كثيراً، فكان يطلب إجازته السنوية في فترة امتحاناتي. ثم بعد ثلاث سنوات دراسية حصلت على الشهادة الإعدادية إلى جانب تعلم الكثير من المهارات الفنية والتقنية ودروس تثقيفية اجتماعية.

كنا 20 طالبة إعدادي، أصبحنا صديقات وما زلنا، أتذكر يوم نجاحنا، الفرحة التي ملأت المكان، ومحاولة المديرة فتح فصول ثانوية عامة لنا داخل الجمعية. استأجرت طابقاً جديداً بالمبنى، فرشوا الحصير على الطوب الأحمر وأدخلوا الكهرباء، وثبتوا السبورة، وجاء مسؤولون ليزورونا ووعدونا بالدعم.. ولكن للأسف لم تكتمل التجربة.

مرّ21 عاماً، حصلت خلالها إيمان على الثانوية الفنية شعبة التجارة، سعت للحصول على عمل حتى نالت ما أرادت: "رائدة ريفية في إدارة الشؤون الاجتماعية بمحافظة الجيزة".

تقول: رآها مَن حولي فرصة عمل منتظمة جيدة براتب ثابت، ورأيتها فرصة لأطرق كل بيت أتوقع أن أجد وراء بابه سيدةً حُرمت من الكثير من حقوقها في التعليم والصحة والمعاملة الكريمة، وأساعدها قدر ما أستطيع بالدعم الحكومي على تخطي ذلك، وما زلت أحاول على الرغم من مرور السنين لتطبيق ما تعلمته بالسنوات الأولى من التعامل مع المسنين والإسعافات الأولية وغيرها.

أعوام مرت، حضرت خلالها إيمان زيجات أولاد رفيقات التعلم بالجمعية. وفي إحدى التجمعات السعيدة، وهن يستعدن الذكريات، قرأت إحداهن عليهن خبر إعلان الجمعية عن جائزة للمتحررات من الأمية.

ترددت إيمان، ثم اتخذت قرارها وعادت إلى المكان الذي أحبته، تقدمت بشهاداتها وأوراقها ورأت الفخر والفرحة في أعين كل من قابلها، ورغم هذا لم تصدق نفسها حين جاءها خبر الفوز والتكريم.

تقول: بكيت كثيراً من الفرحة، بينما يتصل زوجي بأولادي في بيوتهم ويخبرهم "ماما هاتتكرم"، واتصلت بتوأمي الذي فرح كثيراً من أجلي، ودعيت لوالدي وفكرت أني سعيدة بهذا الحرمان القديم، فقد كان سبباً لأن أحصل على شهادة غالية غير عادية تثبت أني قد تحديتُ ونجحتُ.

ترتدي الروب الأسود وتكتب بالطباشير

في عامها السادس والعشرين، تخْرج من باب المدرسة الابتدائية حزينة، وتتجه نحو بيت أسرتها، وأمام والدتها تجهش بالبكاء. فقد رسب ابنها في مادة الرياضيات في الصف الخامس الابتدائي، والسبب أنها ذاكرت معه ليلة الامتحان، ومنحته إجابات خاطئة لبعض المسائل فأثرت على إجاباته.

غضبت سحر من نفسها وأسرتها، قالت لوالدتها: "لا أريد أن أخبر ابني أني غير متعلمة".

كان هذا في صيف العام 1999، وصادف الموقف زيارة من أختها الصغرى والتي تعمل بمقر"المرأة والمجتمع"، حكت بها فتهللت أساريرها قليلاً. كانت تنتظر رأي زوجها وأسرتها التي تعيش معها في البناية نفسها، واجهت موجة من سخرية الجميع عدا الزوج، فكان ذلك هو كل الدعم الذي تحتاجه، وفي الصباح وجدت طريقها إلى "فصول محو الأمية".

من الدرس الأول، ظهر للمدرسين تميز حقيقي في أداء سحر. لم تحصل على شهادة محو الأمية وحدها، ولكن ساعدتها مدرّسات "المرأة والمجتمع" على استيعاب دروس العلوم والدراسات الاجتماعية حتى تشرح لأولادها، ثم جاءت الخطوة التالية، وهي الانضمام للمرحلة الإعدادية النظامية.

تحكي سحر: بالفعل كنت أحلم دوماً في منامي بالمدرسة التي تركتها وأنا في الصف الثاني الابتدائي، وحين انضممت لفصول "محو الأمية"، وجدت بيتاً ثانياً بالنسبة لي، سنداً كاملاً، يكفي أن يصحبني أحد أعضاء فريق العمل إلى مدرسة ابني لحل بعض مشكلاته الدراسية، أما زوجي فعلى عكس كل تحذيرات أسرتي، كان سعيدً جداً بتعليمي، كان يرى لأول مرة في بيتنا الطبلية بعد الغذاء وفوقها الكراسات، كان يعد العصائر لي وللأولاد ويشجعنا على المذاكرة.

حصلت سحر على شهادة الإعدادية بتفوق لفت الأنظار، وتعلمت كثيراً من المهارات، لكنها أشفقت على زوجها من مصروفات الثانوية العامة، فابنها يستعد لبدء المرحلة نفسها، التي أصبحت باهظة الكلفة مع الدروس الخصوصية، لكن وجدت الدعم من أكثر من جهة.

تحكي سحر: كنت أحلم دوماً في منامي بالمدرسة التي تركتها وأنا في الصف الثاني الابتدائي. وحين انضممت لفصول "محو الأمية"، وجدت سنداً كاملاً، فكان يصحبني أحد أعضاء فريق العمل إلى مدرسة ابني لحل بعض مشكلاته الدراسية. أما زوجي فعلى عكس تحذيرات أسرتي، كان سعيداً بتعليمي، كان يرى لأول مرة في بيتنا الطبلية بعد الغذاء وفوقها الكراسات..

ليس من زوجها وحده، ولا من الجمعية التي ساهم فريقها في تقديم الأوراق وتذليل الكثير من العقبات، ولكن من زملاء ومدرسي ابنها. أصبح منزلها مقراً للدروس والمذاكرة وتبادل الكتب.

تقول: كنت كلما نجحت، حملت الشهادة، وتوجهت مباشرة إلى مقر الجمعية والفصل الدراسي الأول، أنا ممتنة لهم، ليس فقط على التعليم، ولكن على زرع الثقة بالنفس والقدرة على الحلم، في أحد الامتحانات الإعدادية، كان هناك سؤالٌ صعبٌ جداً بالعلوم، معادلة كيميائية، تعجب المراقب من قدرتي على حلها، سألني من مدرسك؟ فقلت بفخر: "أنا من فصول محو الأمية".

عاشت "سحر" لحظة خاصة آسرة مع استلام أخيها لورقة الترشيح الجامعي الخاصة بها، فقد وزع "الشربات "على الجيران، وقام بتعليقها داخل إطار في محله التجاري، وأصبحت سحر طالبة بالصف الأول في كلية الحقوق، جامعة القاهرة.

تقول: لم يذهب بي إلى الحقوق مكتب التنسيق الجامعي وفقاً للمجموع، ولكنه حلمي المتجدد المشروع بأن أكون صوت ولسان من لا تستطيع التعبير عن نفسها، فحولي كثير من السيدات اللاتي يتعرضن لمشكلات صعبة في بيوتهن وحياتهن بسبب قلة الحيلة والقهر.

كانت الفرحة عارمة مع إرتدائها للمرة الأولى "الروب الأسود"، بكت وضحكت حتى لفت أداؤها قاضي الجلسة وشجعها حين عرف بقصتها، ذهبت إلى هناك مرات مكررة، ترافعت عن عشرات السيدات وما زالت تحاول، لكنها وإلى جانب ذلك قررت أن تستمر فيما اعتبرته رداً للدين بالمشاركة في إعطاء دروس محو الأمية للسيدات في منطقتها السكنية، تجمعهن كل مساء وتبدأ التعليم والحكي، هكذا استمر حلمها بالحياة.

وجدت سحر الدعم من أكثر من جهة. ليس من زوجها وحده، ولا من الجمعية التي ساهم فريقها في تقديم أوراقها للثانوية العامة، وتذليل الكثير من العقبات، ولكن من زملاء ومدرّسي ابنها. أصبح منزلها مقراً للدروس والمذاكرة وتبادل الكتب.

تقول: كنت أحلم بهذه التجربة، أن أساعد غيري، فقد كنت أرى سيدات يحملن المصحف الشريف بالمقلوب، ثم كانت الفرحة الكبرى حين اقترحت "المرأة والمجتمع" عليّ أن أعيد فتح مقرها الفرعي بأرض اللواء، كنت قد خضت أولى تجاربي في المحاكم، وقمت بالحصول على صحة توقيع لعقود تجارية، لكن شدني حلمي القديم، وكما كان فريق عمل الجمعية يساعدني في مذاكرة دروسي بالإعدادية والثانوية، منحوني كل التدريبات وحضور الورش والدورات من أجل الاستعداد لمرحلة "التدريس".

بأول دورة نجحت سحر في فتح 5 فصول ضمت 45 طالبة، اجتازت الامتحان بنجاح 30 سيدة، 10 منهن أكملن المرحلة الإعدادية، وما زالت سحر تكمل مسيرتها معهن ومع دفعات جديدة.

تفتخر بكل صورها، في فصول التدريس وداخل قاعة المحكمة، وتبقى أقرب الصور إلى قلبها، صورتها وهي على باب الإدارة التعليمية بيوم الامتحان الأول بالمرحلة الإعدادية... حيث تبقى لحظة العبور، هي الأهم.

***

إنها قصصٌ تستحق أن تُروى!

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...