بسبب ارتفاع الأسعار وتدنّي الرّواتب، تواجه الأسرة المصرية أزمات وضغوط حياتية تجعل من تماسكها تحدّ كبير. وتمتلئ محاكم الأسرة بمصر بقضايا الطلاق، سواء للضرر أو كخلع وفقاً لقانون الأحوال الشخصية، وأما حالات الطلاق التي تمّت رسمياً ووثّقت فوصلت لأعلى معدلات الطلاق عالمياً.
مصر تفوق جميع الدول في "الطّلاق"
المعدل غير مسبوق منذ ربع قرن، فنسبة الطلاق وصلت إلى 40 في المئة من حالات الزواج التي تجاوزت مدتها 5 سنوات، بينما وصلت إلى 60 في المئة من حالات الزواج التي لم تتجاوز عاماً واحداً. وهذه إحصائيات صدرت عن "المركز القومي للإحصاء" في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، فيما أكّد رئيسه على أنّها تتجاوز نسب الطلاق العالمية.
الطلاق الشفهي كارثة مجتمعية
في الوقت الذي عزا فيه الرئيس عبد الفتّاح السيسي ارتفاع نسب الطلاق في مصر إلى انتشار الطلاق الشفهي، مطالباً بسنّ تشريعات تقنّن هذا النوع من الطّلاق وتشدد على ضرورة إتمامه بصورة رسمية، فإنّ الأزمة ليست في الآلية المتّبعة وإنّما في الأسباب. وعلى ذلك فلا شك أنّ "القضية ليست في توثيق الطّلاق بالمعنى الضيق لكن في طريقة توثيق الطلاق"! هكذا تحدّث الباحث السياسي والكاتب الصحافي تامر وجيه عن آلية الطّلاق، مشيراً إلى أنّه في الوقت الذي يستطيع الرجل فيه توثيق الطلاق وحده وبإرادته المنفردة، تُحرم المرأة من الحصول على الطّلاق إلّا إذا تنازلت عن حقوقها بـ"الخلع". وأضاف أنّ ما يعدّ في مصلحة النّساء هو أن يلجأ الطرفان للمحكمة إذا أراد أحدهما الطلاق، وأمامها يحدث الطّلاق على أساس اتفاق يحمي مصالح المرأة المالية والأبناء القُصّر.
في المحاكم، فـ"من بين كل 100 حالة زواج يتم تطليق 16 حالة أغلبهم لشباب صغير السن وحديث الزواج"، بحسب نقيب المأذونين بمصر
وفي المحاكم، فـ"من بين كل 100 حالة زواج يتم تطليق 16 حالة أغلبهم لشباب صغير السن وحديث الزواج"، بحسب نقيب المأذونين بمصر. وحمّل نقيب المأذونين الوضع الاقتصادي الصادم المسؤولية عن تزايد حالات الطلاق، مؤكداً على أن اصطدام الشباب بالحياة العملية وانخراطه في العمل بشكل كبير لتوفير احتياجات المنزل بمقابل إهمال أسرته، رفع من حالات الطلاق، وخصوصاً أنّ أقلّ مصروف ممكن للبيت المصري يتراوح بين 100 و150 جنيه للمعيشة اليومية. وأضاف النّقيب أنّ الوضع الاقتصادي المزري تسبب أيضاً في ارتفاع نسبة "العنوسة".
الوضع الاقتصادي ليس الأوحد في الشّأن، فهناك "التّفاهم"، بحسب وصف أستاذ علم النفس والاجتماع بالجامعة الأمريكية سعيد صادق، مؤكداً على أنّ مساعدة الأهل للفتيات والشباب قبل الزواج وتركهم بعده ليصطدما بالوضع الاقتصادي سبب رئيسي في الطّلاق، وخصوصاً وسط حديثي الزّواج. فالوضع الاقتصادي صعب على كل الفئات، لكنّ المتزوّجين منذ فترة طويلة نسبياً يُمكّنهم إكمال حياتهم بفضل التفاهم الذي تيّسر لهما بحكم التجربة والزمن.
نوّهت الباحثة عيداروس إلى أن السيدات في الطبقات المتوسطة والفقيرة أكثر إقبالاً على الطلاق من الطبقة الثرية لأن الأوُل يساهمن بشكل كبير في مصروفات المنزل، الأمر الذي يجعلهن لا يخشين طلب الطلاق إذا لزم الأمر
وعمل المرأة؟
كشف الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في آخر إحصائياته، أن نسبة مساهمة المرأة في قوة العمل بلغت 22.9 في المئة من إجمالي قوة العمل من سن 15 إلى 64 سنة، وهذا ما جعل البعض يسند تزايد حالات الطلاق إلى عمل المرأة واستطاعتها إعانة نفسها وأولادها. وهو ما ذكرته إلهام عيداروس الاستشارية لـ"مدرسة الكادر السياسي للنساء" والباحثة في حقوق الإنسان، الّتي أسندت ارتفاع معدل الطلاق إلى عاملين، الأول هو تجرّؤ قطاعات أكبر من السيدات وخاصة العاملات صاحبات الدخل على اتخاذ قرار الطلاق دون خشية العواقب المجتمعية من تقاليد وعرف، وهذا ما يجعلهن تلجأن للخُلع عند رفض الرجل (الطرف الثاني) إتمام عملية الطلاق، والأمر الثاني يتعلق بكسر تابو منظومة الزواج في مصر والتي تسند للزوج الإعالة المطلقة وللزوجة الطاعة المطلقة، وهي تشققت مع عمل المرأة واستطاعتها إعالة نفسها وأبنائها.. ونوّهت عيداروس إلى أن السيدات في الطبقات المتوسطة والفقيرة أكثر إقبالاً على الطلاق من الطبقة الثرية لأن النوع الأول من السيدات يساهم بشكل كبير في مصروفات المنزل الأمر الذي يجعل هؤلاء النساء لا تخشين طلب الطلاق إذا لزم الأمر.