رِشا الشركات الأجنبية في مصر: إلى أين يتجه مؤشر الفساد؟

"كعب الشركات الدولية أعلى من الدولة الوطنية"، يستنتج تحقيق استقصائي أعدته مجلة buzzfeed الاقتصادية الأمريكية. ذلك أن الغرامات المفروضة على الشركات الامريكية ومتعددة الجنسيات داخل أوطانها الأم تشكل مدخلاً لاستمرار تلك الشركات في ممارسة أعمالها غير المشروعة خارج حدود دول المنشأ الكبرى، طالما يمكنها تعويض الغرامات عبر صفقات جديدة.
2020-10-03

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
مؤشر الفساد لسنة 2019، المصدر: منظمة الشفافية الدولية.

اتجاهات متعاكسة تعطي مؤشراً عن خلل أكيد بالصورة، قرائن جميعها تقول إنه ليس هناك ما ينفي احتمالية تورط مسؤولين مصريين كبار في الحصول على رشاً من شركات عالمية لتسهيل فوزها بعقود أو مناقصات كبرى. بل قد يكون هناك ما يثبت العكس.

ففي الوقت الذي يعلن فيه مكتب مكافحة الشكاوى التابع لوزارة العدل الأمريكية عن أحدث قضاياه لمكافحة الممارسات الأجنبية الفاسدة، بتغريم شركة طاقة كبرى 300 مليون دولار (1) بسبب دفعها رشاً على مدار 7 سنوات في 4 دول، تحصل هذه الشركة خلال أشهر على واحد من أكبر العقود في تاريخها داخل مصر بقيمة مليار دولار.

وفي الوقت الذي تكشف فيه جهات دولية عن تورط شركة اتصالات كبرى عبر فرعها في مصر في إدارة رشاً داخل أربع دول إفريقية وآسيوية للحصول على عقود حكومية، يصدر ممثلها بياناً يؤكد على استمرار أعمالهم داخل مصر، وأن القضية المنظورة دولياً لم تؤثر على مركزهم القانوني فيها.

وفي الوقت الذي تعلن فيه الدولة المصرية نجاحها في تطبيق المرحلة الأولى من استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد عبر تحرير 400 قضية، تكشف البيانات عن عدم اشتمالها طوال خمس سنوات على قضية واحدة تتعلق بفساد الشركات الأجنبية العابرة للقارات أو كبار المسؤولين.

وفي الوقت الذي توقّع مصر معاهدة جديدة لمكافحة الفساد وتعطي وعوداً دولية، تستمر في سجن رئيس أسبق لأكبر جهاز رقابي في مصر، بعد كشفه عن الكلفة الحقيقية لفاتورة الفساد في مصر، التي لا تقل سنوياً عن 600 مليون جنيه. وليس هذا فقط، بل يمرر برلمانها قانوناً يتيح لرئيس الدولة تعيين وإقالة رؤساء الجهات الرقابية، بما يفقدها استقلالها.

وفي الوقت الذي تتجه 44 دولة لفرض قوانين الرقابة على أعمال الشركات متعددة الجنسيات على أرضها، وإلزامها بما يسمى بـ "برامج الامتثال" التي تتيح للحكومات التي يتم تسجيل أصول تلك الشركات على أرضها، مراقبة ميزانياتها ومعاقبتها بالسجن والغرامة، تصدر في مصر قوانين معيبة تحظر الطعن في عقود أبرمتها الدولة، وتتيح إنشاء صناديق تتحكم في أصول الدولة بالبيع دون أن تخضع لرقابة برلمانها، وتسمح للحكومة بإدارة تعاقداتها بشكل هو أقرب للأمر المباشر لا المناقصات.

اعلنت الدولة المصرية نجاحها في تطبيق المرحلة الأولى من استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد عبر تحرير 400 قضية، لكن البيانات تكشف عن عدم اشتمالها طوال خمس سنوات على قضية واحدة تتعلق بفساد الشركات الأجنبية العابرة للقارات أو كبار المسؤولين.

تستمر السلطات في سجن رئيس أسبق لأكبر جهاز رقابي في مصر، بعد كشفه عن الكلفة الحقيقية لفاتورة الفساد في مصر، التي لا تقل سنوياً عن 600 مليون جنيه. وليس هذا فقط، بل يمرر برلمانها قانوناً يتيح لرئيس الدولة تعيين وإقالة رؤساء الجهات الرقابية، بما يفقدها استقلالها.

وبين هذا وذاك، وعند التمعن في نتائج أوقات سابقة، تكتشف ترتيب 3 شركات متعددة الجنسيات للعمل في مصر، باعتبارها الأعلى حضوراً تحت مظلة زيادة الاستثمار الأجنبي، بينما هي ضمن قائمة تضم 10 شركات أخرى على الأقل كشفت جهات تحقيق دولية على مدار 20 عاماً عن تورطها في دفع رشاً لمسؤولين مصريين وعرب، دون أن يقترن ذاك بإدانات ومواقف واضحة لمراقبة عمل هذه الشركات داخل مصر.
فما أشبه اليوم بالبارحة ـ بل لعله أخطر.

"تِكْنيب" الأمريكية.. غرامة دولية وجائزة مصرية

فرضت وزارة العدل الأمريكية عبر مكتبها لمكافحة الشكاوى، في حزيران/ يونيو 2019، غرامات على شركة الطاقة Technip FMC Plc تقدر بأكثر من 300 مليون دولار، وذلك بعد مراجعة قوائمها المالية، واكتشاف دفع رشاً للحصول على عقود إدارة قطاعات للطاقة، واتفاقات تنقيب في كل من البرازيل والعراق وسنغافورة ونيجيريا على مدار السنوات السبع الماضية.

وعقب 7 أشهر، تحديداً في تموز/ يوليو 2020 أعلنت الشركة عن صفقة واحدة تضاهي 4 أضعاف ما دفعته، وهي توقيع عقد رئيسي مع شركة أسيوط الوطنية لتصنيع البترول (ANOPC) لإنشاء مجمع جديد للتكسير الهيدروجيني في مصر بقيمة مليار دولار (2)، ليكون هو المشروع الـ 30 لها على أرض مصر.

"أريكسون" السويدية.. فساد دولي على أرض مصرية

جاءت قضية شركة الاتصالات السويدية الأصل "أريكسون" لتعطي مثالاً حول إدارة فساد دولي عبر الأراضي المصرية. فقد أعلنت وزارة العدل الأمريكية في كانون الأول/ ديسمبر 2019 أن شركة إريكسون وافقت على دفع أكثر من مليار دولار كتسوية في قضية اتهام الشركة السويدية بدفع رشاً (3) عبر فرعها الخاص في مصر إلى دول في آسيا والشرق الأوسط، وهي السعودية وجيبوتي والصين وفيتنام وإندونيسيا والكويت، وذلك لتعزيز أعمالها بالحصول على عقود طويلة الأمد مع الحكومات.

في الوقت الذي يعلن فيه مكتب مكافحة الشكاوى التابع لوزارة العدل الأمريكية عن أحدث قضاياه لمكافحة الممارسات الأجنبية الفاسدة، بتغريم شركة طاقة كبرى 300 مليون دولار بسبب دفعها رشاً على مدار 7 سنوات في 4 دول، تحصل هذه الشركة خلال أشهر على واحد من أكبر العقود في تاريخها داخل مصر بقيمة مليار دولار.

وأقر المدير التنفيذي للشركة في مصر أمام محكمة اتحادية في نيويورك بتهمة التآمر لخرق "قانون الممارسات الأجنبية للفساد". وعلى الرغم من هذا، وحين عودته إلى مصر، واجه التساؤلات الإعلامية بالقول: من المستبعد أن يتم سحب رخص العمل للشركة في مصر على خلفية هذه الوقائع.
وتعمل شركة أريكسون فى مصر منذ عام 1920.

العالم ومكافحة الرِشا

تأتي هذه التحركات ضمن سياق مفتوح بدأ قبل عشرين عاماً في متابعة حركة الشركات العظمى العابرة للقارات. ففي عام 1998 تمّ تعديل قانون الممارسات الأجنبية للفساد الأمريكي لتوسيع الاختصاص القضائي ليشمل الشركات متعددة الجنسيات، الأمر الذي يعني إمكانية تحميل الشركات الأمريكية الأصل المسؤولية في ما يتعلق بالأفعال التي تنفذها الشركات الأجنبية التابعة لها في دول أخرى. وجاء قانون مكافحة الرشوة البريطاني لعام 2010 ليكون المحطة الثانية الأوسع في تحديد "معايير الامتثال"، بحيث تلتزم الشركات بتقديم قوائمها المالية سنوياً، وإحالة الانحرافات لـ"مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطرة". واتباعاً للنهج نفسه، شرّعت 44 دولة قوانين لمكافحة دفع الرِشا.

غير أن هذه التشريعات تبقى عاجزة، بل وموجَهة أيضاً في ظل اعتمادها سياسة "العقاب المالي" داخل الوطن الأم، فيفرض مكتب مكافحة الرشوة الأمريكي على سبيل المثال غرامات باهظة تساوي ضعف الأرباح التي حققتها الشركة نتيجة حصولها على العمل بفعل الرِشا في أي من دول العالم، فتدفع تلك الغرامات للخزانة الأمريكية، وتصدر البيانات الإعلامية حول تفاصيل الصفقة، وتنشر بالصحافة العالمية دون أن يترتب على هذا الأمر ـ إلا في حالات محدودة ـ تحركٌ ملزم داخل الدول محل الرشوة، أو التي تضرر اقتصادها الوطني إثر ذلك.

هناك 3 شركات متعددة الجنسيات تعمل في مصر، وهي الأعلى حضوراً تحت مظلة "زيادة الاستثمار الأجنبي"، بينما هي ضمن قائمة تضم 10 شركات أخرى على الأقل كشفت جهات تحقيق دولية على مدار 20 عاماً عن تورطها في دفع رشاً لمسؤولين مصريين وعرب.

وهو ما لفت النظر إليه تحقيق استقصائي أعدته مجلة buzzfeed الاقتصادية الأمريكية (4)، فرأت بتلك الغرامات مدخلاً لاستمرار تلك الشركات في ممارسة أعمالها غير المشروعة خارج حدود دول المنشأ الكبرى، طالما يمكنها تعويض الغرامات عبر صفقات جديدة. ووصفت ذلك بالقول: "كعب الشركات الدولية أعلى من الدولة الوطنية".

ووفق تقرير، قدرت وزارة الخارجية الأمريكية أن 294 شركة دفعت على الأقل 148 مليار دولار في رشاً للفوز بتعاقدات حكومية على مدار عشرين عاماً، وقد تم دفع غرامات باهظة دون صدور أحكام جنائية.

وفي 2014، قالت منظمة الشفافية الدولية: "132 شركة عالمية هي الأعلى فى دفع الرِشا، وأن 9 دول أفريقية وآسيوية هي الأكثر تضرراً". لم تحدد المنظمة أسماء هذه أو تلك، لكنها وصفت شعوب تلك الدول بأنها تعاني من "لعنة الموارد"، وربطت بين تلك الجرائم التي تشهدها أراضيها ومستوى الديمقراطية بها كمدخلٍ لتفشي الفساد.

العائدون دون إدانة

في مصر، تنعكس أصداء تلك التقييمات الدولية حتى لو لم ينكشف شيء على السطح. فبينما تعلن الدولة عن زيادة الاستثمار الأجنبي ليصل إلى 5 مليار دولار خلال العام المالي الماضي، تتجه الشكوك علناً أو صمتاً نحو طبيعة إتمام تلك الصفقات.

حددت قائمة بأكبر الشركات (5) التي زادت استثماراتها بالسنوات الأخيرة ومنها مرسيدس للمركبات، سيمنس للكهرباء، إيني للطاقة.

مقالات ذات صلة

غير أن قراءة متأنية في تاريخ الكشف عن قضايا الفساد الدولية في مصر، تبين تورط مسؤولين مصريين كبار في الحصول على رشاً من تلك الشركات تحديداً، التي لديها أعمال واسعة في مصر دون أن تشهد أغلبها تحقيقات جادة ترتقي إلى حد الإدانة.

حُددت قائمة بأكبر الشركات التي زادت استثماراتها في مصر بالسنوات الأخيرة، ومنها مرسيدس للمركبات، سيمنس للكهرباء، إيني للطاقة. لكي الوقائع بينت تورط مسؤولين مصريين كبار في السابق في الحصول على رشاً من تلك الشركات تحديداً. والقائمة تشمل آخرين، أدينوا سابقاً، ولم تحدث لهم أية مساءلة داخل مصر، ولا تزال أعمالهم مستمرة، وتتزايد داخل قطاعات الطاقة والبناء والدواء والزراعة والطائرات والتسليح.

فعلى سبيل المثال، في العام 2010 حكمت "العدل الأمريكية" بتغريم شركة صناعة السيارات الألمانية "مرسيدس" بما قيمته 185 مليون دولار، وكشفت التحقيقات أن الشركة قدمت رشاً لمسؤولين كبار في عدد من الدول، من بينها مصر، مقابل تسهيل توريد منتجات الشركة من سيارات ومحركات وشاسيهات وهياكل، فضلاً عن عربات مصفحة، إلى هيئات حكومية، وأن المسؤول المصري حصل على رشاً بالدولار والمارك الألماني، وتم إيداعها في حسابه بأحد البنوك الأوروبية.

قالت السلطات القضائية المصرية إنها طلبت نسخة كاملة من التحقيقات للاطلاع عليها (6)، لكن الإدارة الأمريكية لم تستجب لذلك (وهو الأمر المتبع في أغلب القضايا). وفي أعقاب "ثورة يناير" أعيد فتح القضية، والمطالبة بتحقيق غير مرتهن بالجانب الأمريكي، وهو ما تمّ، ولكنه انتهى بصدور حكم عسكري ضد المسؤول الهارب خارج البلاد حتى الآن، ولم تواجه الشركة أية مساءلة.

أما "إيني" فقد أعلن عن تورطها في صفقة فساد كبرى عام 2016 لمسؤولين في أذربيجان وكازاخستان (7)، وأدينت "سيمنس" الألمانية للكهرباء دولياً هي الأخرى، ولكن هذه المرة بالكويت(8).

قائمة لا تسقط بالتقادم

والقائمة تتسع لتشمل آخرين، أدينوا سابقاً، ولم تحدث لهم أية مساءلة داخل مصر، ولا تزال أعمالهم مستمرة، والعقود تتزايد داخل قطاعات الطاقة والبناء والدواء والزراعة والطائرات والتسليح.

● البداية مبكراً في العام 2001، مع شن مجلس نقابة الصيادلة هجوماً على قرار أكاديمية البحث العلمي في مصر بمنح شركة "لي لي" الدولية حق احتكار تسويق عقار خاص بمرضى الفصام والاكتئاب بالسوق المصري. وشككت اللجنة في مدى مصداقية تأثير الدواء، وأشارت إلى آثار جانبية خطرة، وهو ما ثبت صحة ادعائه بصدور حكم بتغريم شركة لي لي 458 مليون دولار (9). وقد كان هذا مدخلاً لصدور سلسلة من الإدانات لشركات الأدوية ضد سياسة الترويج المقترن بدفع رشاً مباشرة وغير مباشرة للأطباء لزيادة مبيعات بعض الأدوية، ففي 2012 تم تغريم جلاكسو العالمية بـ 3 مليار دولار غرامات عن ترويج لمجموعة من أدوية الأمراض المزمنة بشكل مغاير للحقيقة العلمية (10). جميع تلك الشركات بطبيعة الحال تعمل في مصر بل وكافة دول العالم، ولم تشهد إدانات موازية لتلك التي صدرت ضدها في دول المنشأ، إلا في دولة "الصين" التي اعتمدت على نتائج تلك التحقيقات لتفتح تحقيقاتها الخاصة، وتصدر أحكاماً مالية ضد الشركات التي اعتبرتها تضر عن قصد بـ "اقتصاد الدولة الوطنية" (11).

● في العام 2008 بعد وصول حكومة اليسار إلى الحكم فى سلوفانيا، تم الكشف عن صفقة فساد أتمتها الحكومة السابقة مع شركة "باتريا" للدفاع الوطني الفنلندي، وصفقات توريد طائرات مدنية، وقالت جهة الادعاء إن صفقة مماثلة تمت فى مصر بقيمة 27 مليون دولار. فتحت تحقيقات موازية فى فنلندا، وهناك قال رئيس الشركة "الأعمال لا تتم داخل تلك الدول إلا عبر دفع عمولة، وهذا لا يعني فساد الصفقة". وذكر تقرير نشرته قبل عام مؤسسة "السلام الدولي" (منظمة غير حكومية تناهض نشر السلاح) حول حصاد المكافحة الدولية بفساد الشركة: "أسفرت القضية المصرية عن إدانات لمديرين تنفيذيين في شركة باتريا بتهم محاسبية. أخفقت السلطات المصرية في مقاضاة مرتكبي الرشوة أو الوسطاء في مصر".(12)

● وفي العام 2010 أعلن "مكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطرة" في بريطانيا إدانته لشركة "بلفور بيتي" بتهمة دفع رشاً لمسؤولين في مصر، للفوز بمناقصة تتعلق بالتصميم والإشراف الفني لبناء" مكتبة الإسكندرية" بقيمة 100 مليون إسترليني (13). وقد اضطرت الشركة لدفع 25 مليون إسترليني لتسوية وضعها المالي داخل المملكة المتحدة، بينما استمر عقدها داخل مصر.

● وفي السياق نفسه جاءت التحقيقات بعد ثماني سنوات أخرى (2016) لتدين (SFO) البريطانية شركة Rolls-Royce plc متعددة الجنسيات الرائدة في تصنيع المحركات والطائرات، وتغرمها 13 مليار جنيه إسترليني لاستئجارها شبكة من الوكلاء لمساعدتها في الحصول على عقود مربحة في ما لا يقل عن 12 دولة مختلفة، من بينها مصر، عبر دفع الرِشا لمسؤولين (14).

● وفي ملف الطاقة تتعدد الأسماء والوقائع، ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2008، أجرى مكتب مكافحة الرِشا الأمريكي تحقيقات حول أموال طائلة دفعتها شركة النفط العالمية "هاليبرتون" لكبار المسؤولين في عدد من دول العالم الثالث، وكشفت التحقيقات الأولية التي نشرتها جريدة PUBLIC- PRO الأمريكية أن مصر على رأس الدول المتوقع بدء التحقيق حول نشاط الشركة فيها، يليها اليمن وماليزيا على الترتيب. وقال مكتب التحقيقات إن 10 مليون دولار تم دفعها كرِشا على شكل هدايا للمسؤولين داخل هذه الدول في الفترة من 1991 ـ 2004. وفي 2009 جاءت القضية الشهيرة الخاصة بشركة "بكتل" الأمريكية التي استمرت التحقيقات فيها أمام القضاء الأمريكي حتى 2014، كشفت عن تلقي مسؤول مصري رشوة تبلغ قيمتها 5 مليون دولار، مقابل إرساء ثلاثة عقود إنشاء محطات كهرباء بقيمة 2 مليار دولار على الشركة على مدار 10 سنوات (15). وكان من المثير لحفيظة الكثيرين داخل مصر حينها أن السلطات لم تتحرك قضائياً ضد المسؤولين، في حين انتهت التحقيقات الأمريكية لإدانة مصري وحبسه بتهمة ترؤسه فرع الشركة فى مصر.

حول الفساد فى مصر

يطل السجل الحافل برأسه، بينما تعلن مصر نجاحها في تنفيذ المرحلة الأولى من استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، استغرقت 5 سنوات. وخلال إعلان بدء المرحلة الثانية، تم تقديم ما يشابه كشف حساب عن أعمال الأجهزة الرقابية، فأشار الرقم المعلن إلى ما يزيد عن 600 قضية فساد كبرى، ومراجعة 1294 مشروع قومي. ولكن كان من اللافت للنظر أن أياً من البيانات الإعلامية شبه اليومية حول مكافحة الفساد، لم تشمل الإعلان عن قضية واحدة تتعلق بشركة أجنبية تعمل في مصر.

ليس هذا فقط، بل لم تشمل التحقيقات إدانة مسؤول أكبر من نائب محافظ، وهو ما تناولته وزارة العدل الأمريكية في تقرير حديث لها حول "الفساد والديمقراطية في مصر"، قالت فيه إنه على الرغم من إعلان استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، إلا أن سقفها جاء متدنياً ومرتبطاً بتوجيهات مباشرة من جهات عليا، بعد أن قصرت أعمال الرقابة على جهة واحدة هي "الرقابة الإدارية" التي يرأسها ضباط بالجيش، بينما تم تهميش مؤسسات كبرى أخرى كالمركزي للمحاسبات الذي أقيل رئيسه بعد إدلائه بتصريحات حول الفساد.

مقالات ذات صلة

المؤشرات الدولية تعطي هي الأخرى احتمالات دالة. فوفق التقييم السنوي الدولي الذي نشرته منظمة الشفافية الدولية كانون الثاني/ يناير الماضي عن أعمال 2019، كانت مصر هي الدولة 106 الأكثر فساداً من بين 180 دولة (16)، حيث سجلت 35 نقطة من أصل 100 على مؤشر مدركات الفساد، وقد بلغ متوسط مؤشر الفساد في مصر 32.23 نقطة من عام 1996 حتى عام 2019، ووصل إلى أعلى مستوًى له على الإطلاق عند 37 نقطة في عام 2014، وأدنى مستوًى قياسي بلغ 28 نقطة في عام 2008.

هذا بينما استقر تقييم منتدى "أعمال ضد الفساد" حول مستوى الفساد في مصر، فصنفها في العام 2018 بـثاني أعلى "مستوى للرشوة" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (17)، وأجرى المنتدى استبياناً مع مديرين تنفيذيين لعدد من الشركات الكبرى العاملة في مصر، وجاءت النتائج كالتالي: خمس من كل عشر شركات تتوقع تقديم هدايا عند محاولة الحصول على رخصة تشغيل، سبع من كل عشر شركات تعتبر الفساد "عقبة رئيسية" لقدرتها على القيام بأعمال تجارية في مصر.

***

قراءات ومؤشرات تقلل جميعها من احتمالية وجود إرادة حقيقية للكشف عن قضايا رشاً كبرى، تتورط بها شركات يصنفها الاقتصاديون باعتبارها أقوى من الدول الوطنية، وتزيد من احتمالية تورط كثير منها في صفقات غير عادلة داخل مصر.

______________

1ــ مكتب مكافحة الشكاوى بوزارة العدل الأمريكية يفرض غرامات 300 مليون دولار على شركة الطاقة Technip FMC Plc ، يونية 2019
2 ـ عقد شركة أسمنت أسيوط مع تكنيب الأمريكية بقيمة مليار دولار لإنشاء مجمع تكسير هيدروجيني، يونية 2020
3ـ العدل الأمريكية تغرم أريكسون السويدية مليار دولار بسبب تورط مكتبها بالقاهرة في دفع رشاوي
4 ـ تحقيق استقصائي لمجلة buzzfeed حول سيطرة الشركات العابرة للقارات على الحكومات المحلية
5 ـ قائمة بالشركات الأعلى بالاستثمار الأجنبي في مصر 2019
6 ـ تفاصيل رشوة مرسيدس مصر ومطالب رسمية للجانب الأمريكي بتسليم مستندات القضية عام 2010
تورط شركة إيني الإيطالية بدفع رشاوى في كازخستان والجزائر للحصول على عقود تنقيب عن الغاز الطبيعي، وهي الشركة التي فازت باكبر عقد للتنقيب عنه فى مصر قبل أعوام
8 ـ تفاصيل رشوة شركة سيمنس للكهرباء لمسئولين بالكويت
9 ـ إدانة شركة لي لي أمام القضاء الأمريكي للترويج لأدوية خطرة لأمراض الفصام والاكتئاب
10 ـ إدانات شركة جلاكسو بسبب دفع رشاوى للأطباء حول العالم للترويج لأدوية بشكل مغاير للحقيقة العلمية عام 2012
11 ـ القضاء الصيني يصدر أحكام ضد شركات أدوية عالمية لإضرارها بسوق الدواء بالصين
12 ـ مؤسسات دولية للسلام تكشف عن تورط شركة باتريا للدفاع في تقديم رشاوى في مصر وسلوفانيا لتمرير صفقات
13 ـ مكتب مكافحة جرائم الاحتيال البريطاني يدين "بلفوربيتي" لدفع رشوة في مصر للحصول على مناقصة الإشراف على بناء مكتبة الاسكندرية 2010
14 ـ القضاء الأمريكي يكشف عن تورط شركة "رولس"في دفع رشاوى في عدد من الدول على مدار 10 سنوات من بينها مصر
15 ـ إدانة "بكتل" للطاقة لدفع رشاوى في مصر للحصول على مناقصات إنشاء محطات للكهرباء 2014
16 ـ مركز مصر في تقرير "مؤشر الفساد" الصادر عن منظمة الشفافية الدولية 2019 ـ 2020
17 ـ تقرير المنتدى الدولي "أعمال ضد الفساد" عن مصر 2020

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...