ليس زلزالاً ولا فيضان. ومن السخف الذي لا يطاق – فوق كل ما يحلّ بنا – أن نُجبر على مشاهدة تقاذف التهم بين من يُطلَق عليهم لقب "مسؤولين"، سواء أكانوا من فئة السياسيين أو الإداريين. 2700 طن من نيترات الأمونيوم مخزّنةٌ منذ 2014 في مستودعات متخلّعة، وسط حركة البشر والشاحنات والسيارات من حولها، بلا أي تحفظ ولا أي تحوّط. ويقال أنه في ركن من المستودع نفسه، أو بالقرب منه تُخزّن صناديق مفرقعات نارية لزوم الأعراس مثلاً في بلدٍ تكثر فيه الحفلات الصاخبة كما هو معروف. وإن هذه اشتعلت لسبب تافه بالتأكيد، وظلت لدقائق طويلة مشتعلة ومتفرقعة، إلى أن نجحت بتفجير النيترات تلك. ويقال في رواية أخرى، والله أعلم، أنه طُلب من عمالٍ إصلاحُ باب المستودع "لتجنب السرقات والتسيّب والعبث"، فقاموا بتشغيل آلة تلحيم أصابت شراراتها المخزون الذي نسف نصف بيروت ودمر مرفأها، فخر "البورجوازية" اللبنانية بكل طوائفها وفئاتها.
العبث بطرابلس.. من، ولماذا؟
08-05-2020
مرفأ بيروت يحوز على 93,7 في المئة من حركة الاستيراد والتصدير البحرية، بينما تذهب 3.5 في المئة إلى مرفأ طرابلس، الذي يتذكر أهله - وتقول الأبحاث - إنه كان حتى العام 1947 أهم من مرفأ العاصمة، ولا يقل عنه في المميزات لولا العناد بعدم تطويره. ويتوزع ما تبقى من الأنصبة على سائر المرافئ الصغيرة على امتداد شاطئ المتوسط. وقد بدأت المشاحنات المعيبة حيال فكرة استخدام مرفأ طرابلس لتعويض تعطّل مرفأ بيروت، وهي مشاحنات تنتمي إلى عقلية الحرب الأهلية، وأصحابها لا يغلّفون أقوالهم وتصريحاتهم برداء من اللباقة ولو الشكلية. فكل همّهم ليس التجارة ولا مصالح الناس حتى في زمن القحط الكبير الذي نعيشه، بل إيصال رسالة إلى "جمهورهم" بأنهم إنما يدافعون عن مصالحه الخاصة. وهكذا، فبعد تعطيل الكهرباء في البلد بأكمله، ضغطاً للحصول على تخصيص محطة توليد للطاقة في منطقة بعينها "عائدة" لهم، يجري كلام عن مرافئ صيد واستجمام في تلك المناطق، كبديل محتمل لمرفأ طرابلس! ويا لها من معركة قبيحة في ظل الظرف المأساوي القائم. هؤلاء "إقطاعيون سياسيون" حديثو نعمة، ورثّون إلى حد أنهم لم يتعلموا كيفية تمويه أقوالهم لتكون مهذبة، أو هم لا يأبهون. وهم نهّابون بطريقة بَجِحة حتى صاروا فضيحةً أينما حلّوا. مبتذلون.. ولكنهم لا يأبهون!
حسناً، ها قد دمرتم يا سادة المرفأ الكبير بعد تدمير النظام المصرفي. ماذا تبقى للبنان؟ التبّولة بالطبع، وهي لا تناسب زمن الكورونا.
تذهب الشائعات كل مذهب: صاروخ إسرائيلي أصاب مستودعاً تحت الأرض يحوي ذخائر لحزب الله، ولم يكن الإسرائيليون المساكين يعلمون بوجود النيترات. ولذا أُحرجوا من هول ما جرى، فأنكروه. وأُحرج حزب الله بسبب الكارثة التي تسببت بها أسلحته، وبسبب تخزينه لها أصلاً في المرفأ، وليس في مناطق عائدة له أو يسيطر عليها. ولعله هو الآخر لم يكن يعلم بوجود النيترات حين اختار لها مكاناً يقع تحتها مباشرة. يا للصدف! وهناك طبعاً متفرعات لهذه الرواية، يدافع عنها أصحابها بكل حماس وبخيال جامح، ومنها أن النيترات كانت موجهة للمعارضة السورية وتَعرقل نقلها لسبب ما، أو بسبب أن "الدولة الإسلامية" ظهرت في التاريخ نفسه (هل نسيتم؟) وخشي من أرسلها للمعارضة "المقبولة" أو المدعومة أن تقع في أيدي "داعش".. بل هناك من تَصوّر أن التفجير كان مقصوداً لافتعال كارثة كبيرة تغطي على قرار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، والذي كان سيصدر في 7 الجاري وسيُدين حزب الله!
سبعة اسئلة ملحة للبنان المنكوب
21-02-2020
كل ذلك يتجاوز الموضوع! لم يكن لهذه المادة أن توضع هناك. أبداً! ومن وضعها ومن نسيها و/ أو كان ينتظر الفرصة السانحة للاستفادة منها ببيعها مثلاً، مجرم وليس أقل. المجرم ليس فحسب الموظف الإداري الذي خزّنها، بل الزعماء السياسيون ممن يظنون أنفسهم "دولة" بينما هم متسيّبون إلى حد الجهل بكل شؤون البلاد، وشغلهم هو نهب الناس، كأي قطّاع طرق. يعيشون في قطيعة تامة مع الناس (بعكس حتى تقاليد المافيا)، لا يكلّفون أنفسهم أي جهد لإرضائهم، وباتوا لا يأملون حتى بإخضاعهم، بالكذب أو بالقمع. فصار نهجهم هو إهمال الناس وتجاهلهم. ولعله لا يوجد رمزياً ما يمكنه أن يُعبّر عن هذه القطيعة أكثر من كارثة الانفجار المروّع في بيروت.