مرر البرلمان الموريتاني في 24 حزيران/يونيو الفائت قانوناً جديداً يتعلق ب"التلاعب بالمعلومات"، وهو قانون يخص النشر على شبكات التواصل الاجتماعي. أثارت الخطوة جدلاً واحتجاجات على تلك الشبكات، باعتبار العقوبات القاسية والتي تتراوح بين السجن من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات، والغرامات المالية العالية. وكذلك انتقد استخدام القانون الجديد مصطلحات فضفاضة وحمالة أوجه، ومنها"معلومات غير دقيقة"و"الأخبار الكاذبة". لكن وزير العدل الموريتاني برر هذا القانون بكون السلطات القضائية وصلتها في السنوات المنصرمة الكثير من شكاوى المتضررين من النشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وكان هناك عائقاً تشريعياً أمامها يؤدي غالباً إلى اعتبار أنه لا مجال لمتابعة تلك القضايا، حيث يتعذر قياسها بما هو موجود في القانون الجنائي الموريتاني، الذي اعتبر انه لا يتضمن أحكاماً تتعلق بجرائم الإنترنت.
ماذا تضمن هذا القانون المقلق؟
جاء هذا القانون في فصول ثلاثة، وهو يتضمن 13 مادة. الفصل الأول مخصص للأحكام العامة أما الثاني فيتناول المخالفات والعقوبات والثالث يتعلق بالأحكام النهائية، وتمت الإشارة إلى أن القانون مخصص للانتخابات وللظروف الاستثنائية "مهما كانت"، لكن لم تُحدد ماهية تلك الظروف.يخشى أن السلطة القائمة، قد تعتد بظرف عادي وتعتبره استثنائياً وتطبق القانون لتصفية حساباتها مع خصومها، أو من يزعجها. ثم أعلن القانون أنه جاء ليمنع "التلاعب بالمعلومات" بصفة عامة، وهو إعلان مقلق للنشطاء. تقول المادة الثامنة أنه "يعاقب بالحبس من سنة إلى سنتين وبغرامة من ستين ألف أوقية إلى مئة وعشرين ألف أوقية كل من بلّغ أو كشف معلومات كاذبة بهدف الحمل على الاعتقاد بأن تدميراً أو تدهوراً أو تخريباً سيلحق أو لحق بالأشخاص أو أن نقصا في بعض المواد سيحدث".
شدد القانون الجديد العقوبات الحبسية والمالية، واستخدم مصطلحات فضفاضة وحمالة أوجه، ومنها"معلومات غير دقيقة" و"الأخبار الكاذبة".
يعاقب بالعقوبات نفسها على نشر معلومات كاذبة تحمل على الاعتقاد بوقوع كارثة، من شأنها أن تسبب تدخلاً غير ضروري. وفي ذلك ضبابية في العبارات ومحاولة لارهاب الناس عن التحدث عن حالات النقص التي تحصل في بعض الأحيان، مثل الحديث عن حدوث نقص في الدواء أو الغذاء أو أن بعض المدن تتعرض لموجة عطش شديدة.. هي أمورقد تعرض صاحبها للمساءلة.
وعلق المحامي محمد المامي ولد مولاي علي هذا القانون الذي اعتبره مكمماً لحرية التعبير، فقال عن استخدام مصطلح "الأخبار الزائفة":"صدقت منظمات الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ومنظمة الدول الأميركية، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، حين أعلنوا في بيان مشترك لهم أن مصطلح الأخبار الزائفة إنما يستخدم لتبرير عرقلة حرية التعبير".
وهناك مواد أخرى أخذت نصيبها من الجدل والنقد والاحتجاج، تتعلق بمعاقبة إنشاء هوية رقمية مزيفة، ووجهت سهام النقد لتغليظ عقوبة انتحال الهوية، وهو ما كان يعاقب عليه بالحبس من شهر إلى سنة في المادة 25 من قانون الجريمة السيبرانية، لتتحول العقوبة في هذا القانون الجديد الى الحبس من سنة إلى سنتين. قانون الجريمة السيبرانية حديث ولم يدرس بعد للحكم على عدم كفايته، وللاتجاه إلى اعتماد اضافات قانونية تعتقد السلطة أنها ضرورية لمجابهة النواقص التي تدّعي وجودها، فتعمل على تغييره وتشديد العقوبات التي أتت فيه. وهذا القانون نفسه كان قد أثار اصلاً الجدل قبل صدوره وحتى بعد اعتماده. وكذلك انتقدت بعض المواد المتعلقة بالانتخابات في القانون الجديد، وهي التي تجرم الحديث عن تزوير الانتخابات، وما قد يترتب عن ذلك من احتجاج قد يكون له أثر.
ممنوع التحدث عن حالات النقص التي تحصل في بعض الأحيان، مثل حدوث نقص في الدواء أو الغذاء أو أن بعض المدن تتعرض لموجة عطش شديدة.. فهي أمور قد تعرض صاحبها للمساءلة، كما هو ممنوع التحدث عن وقوع تزوير في الانتخابات!
لكن القاضي أحمد ولد المصطفى علّق على القانون الجديد وأعتبر أنه يسد فراغا كبيراً: " من وجة نظر شخصية، وكفنّي ممارِس للقانون، اعتبر النص الجديد في غاية الأهمية، ومن شأنه أن يملأ فراغاً موجوداً الآن، ويحفظ الحقوق والحريات".
اختلال في الأولويات
يطرح إصدار هذا القانون إشكالية الأولويات للنقاش، ولماذا هذا النزوع إلى تكميم الافواه باعتماد عقوبات قاسية.. فموريتانيا لا تنقصها القوانين المتعلقة بالنشر على الإنترنت ولا بالجرائم السيبرانية، ولا القوانين التي تحوي عقوبات على النشر، مثل قانون تجريم خطاب الكراهية الموجه للخطاب العنصري في موريتانيا. ولكن ما ينقصها حقيقة وواقعاً هو قانون يفرض الحق في الوصول إلى المعلومات، قانون يفرض للصحافي وللمواطن وللفاعلين في المجتمع المدني الحق في الحصول على المعطيات والمعلومات، قانون يوقف حجب الإدارة للمعلومات ويسمح بإتاحة المعلومات بقوة القانون لا بمزاج السلطة، كالحال في بقية الدول الديمقراطية، وكحق أساسي من حقوق الإنسان. وغياب مثل القانون والابتعاد عن الشفافية هو ما يهيئ الأرضية للإشاعات وما قد تعتبره السلطة "أخباراً زائفة".
قانون الجريمة السيبرانية حديث ولم يدرس بعد للحكم على عدم كفايته، وبالتالي الاتجاه إلى اعتماد إضافات قانونية تعتقد السلطة أنها ضرورية لمجابهة النواقص التي تدّعي وجودها.
اسكُتْ.. الكمامة لكَ بالمِرصاد!
02-06-2020
وتوجه السلطة لإصدار قوانين بها عقوبات قاسية على النشر في بلد نجحت الصحافة فيه ذات يوم في تعطيل القانون الذي يسمع بالسجن كعقوبة على النشر، هو مسار يُرجع كفة القمع وتكميم الأفواه على حساب الحريات العامة في الدولة، خاصة أن القوانين السابقة،حسب النشطاء الرافضين لهذا الحال، قد تمّ استخدامها بشكل شابته الانتقائية والمزاجية. وبالفعل ففي الفترة الأخيرة، شهدت البلاد موجة من التوقيفات، طالت بعض النشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي وصحافيين.