احتفل العالم في 22 آذار/ مارس باليوم العالمي للمياه. وكانت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قراراً بالإجماع في كانون الاول/ ديسمبر 1992، أعلنت فيه تخصيص يوم عالمي للمياه في ذلك التاريخ من كل عام. والهدف هو التركيز على القضايا والمشاكل التى تواجه موارد المياه، ومناقشة الحلول لهذه المشاكل ووسائل لتطبيقها.
بعده تم إنشاء المجلس العالمي للمياه كمنظمةٍ معنيّةٍ بالدراسات والبحوث فى موارد المياه، وأَوكِل إلى المجلس مهمة تنظيم المنتدى العالمي للمياه والذى يُعقد كل ثلاثة أعوام ويستمر لمدّة أسبوعٍ. وهو يبدأ عادةً فى 15 آذار/مارس وينتهى باليوم العالمي في 22 منه، كخاتمةٍ لفعالياته. وقد عُقِد المنتدى العالمي للمياه الأول في عام 1997 فى مدينة مراكش بالمغرب. وحضر كلاً من المنتديات المتعاقبة أكثرُ من ثلاثين ألف شخص في كل مرة، عاملين وباحثين ودارسين ومهتمين بالمسائل المختلفة المتعلقة بموارد المياه. وفي هذا اليوم من كل عام أيضاً، تعلن الأكاديمية السويدية الملكيّة للعلوم اسم الفائز بـ"جائزة استكهولم للمياه" والتي تمنحها الأكاديمية كل عام لشخصيةٍ لها مساهماتها المُعْتبرة في هذا المجال. ومن أهميتها، أصبحت هذه الجائزة تُعرف مجازاً بجائزة نوبل للمياه.
خط الفقر المائي
احتفال هذا العام تم على خلفية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 18 كانون الاول/ ديسمبر عام 2010 باعتبار "عام 2013 عام التعاون الدولي في مجال موارد المياه". والغرض هو زيادة الوعي بالتحديات الضخمة التي تواجهها البشرية في هذا المورد الحيوي، والدعوة لبذل أقصى الجهد في التعاون.
الصورة العامة لوضعية المياه في العالم مُقْلقة، بل قاتمة. فقرابة مليار شخص، كلهم في دول العام الثالث، لا يستطيعون الحصول على احتياجاتهم المائية الكافية والخالية من الثلوث. كما أن مليون ونصف مليون طفل يموتون سنوياً بسبب الأمراض التي تنقلها المياه. ويتوقّع أنه بحلول عام 2050، سوف يعيش ربع سكان العام تحت خط الفقر المائي، معظمهم في دولٍ في الشرق الأوسط وأفريقيا، وأجزاء من الهند والصين.
هناك مجموعةً من الحقائق والأسباب أدت إلى هذا الوضع:
• أولاً: المياه موردٌ شحيح وكميّته محدودةُ وثابتةٌ ولا يمكن زيادتها،
فكمية المياه التي كانت على كوكب الأرض منذ الأزل ما زالت كما هي وستظل كما هي.
فهي تتجدد وفق "دورة مغلقة":
- يتكون كوكب الأرض من 70 في المئة مياه و30 في المئة يابسة (وهذا يثير التساؤل حول هل هو كوكب أرض أم كوكب مياه؟)
- وحجم المياه في كوكب الأرض حوالى 1,400 مليون كيلومتر مكعّب.
- من هذه الكمية، هناك 97.5 في المئة مياه مالحة، وهي مياه المحيطات والبحار.
- وما تبقّى، وهو 2.5 في المئة، تساوي 35 مليون كيلومتر مكعب، هي المياه العذبة.
- ومن هذه الكمية من المياه العذبة، هناك 99.2 في المئة مياه متجمّدة في القطبين الشمالي والجنوبي، أو في أغوار خزانات جوفيّة عميقة لا يمكن الوصول إليها إلا بتكلفةٍ اقتصاديةٍ عاليةٍ.
يتضح من هذه الأرقام أن المياه المتاحة لاستعمال البشرية هي أقل من واحد في المئة من المياه العذبة على الكرة الأرضية، وأقل من واحد من عشرة في المئة من مياه كوكب الأرض.
• ثانياً: المياه موردٌ لا بديل له،
على عكس الموارد الطبيعية الأخرى والتي لكلٍ منها بديلٌ أو بدائل.
• ثالثاً: المياه هى أساس الحياة،
ولا حياة لإنسانٍ أو حيوانٍ أو نباتٍ بدون المياه. وهذا ما جعل كوكب الأرض عامراً بالحياة على عكس الكواكب الأخرى التي لا ماء فيها وبالتالي لا حياة فيها.
هذه الحقائق تجعل من المياه مورداً له خصائص فريدة ومُمِيّزة.
في بلادنا أقل كمية مياه متاحة للفرد
وبالإضافة إلى مشاكل الشّح وثبات الكمية وعدم وجود بديل، فإن موارد المياه تواجه قدراً كبيراً من التحديات المُلِحّة يمكن إيجازها فى الآتي:
• أولاً. الزيادة السكانيّة:
فسكان الكوكب يتزايدون بنسبةٍ تزيد في المتوسط عن اثنين في المئة كل عام. وقد كان سكان العالم حوالي مليار ونصف مليار نسمة في بداية القرن الماضي، ولكنّه وصل إلى أكثر من سبعة مليار فى نهاية القرن الماضي. ويُتَوقّع أن يصل سكان العالم إلى حوالى تسعة مليارات نسمة في منتصف القرن الحالي. كلُّ هذا العدد من البشر يتنافس على كميات المياه نفسها. عليه فإن كمية المياه المتاحة لكل فردٍ تتناقص كل يوم. وكمثالٍ لهذا النقص، فإن كميات المياه المتاحة لكل فردٍ في الشرق الأوسط ستهبط إلى النصف عما هي عليه الآن بحلول عام 2050 (من حوالى ألف متر مكعّب للفرد سنوياً إلى حوالي خمسمئة متر مكعّب، وهي أقل نسبة مياه فى أيٍ من أقاليم العالم). وفي السودان مثلاً، زاد عدد السكان من اثني عشر مليوناً في عام 1956، إلى قرابة الأربعين مليوناً وقت انفصال الجنوب (حوالى 30 مليوناً الآن).
• ثانياً، الهجرة إلى المدن:
إنّ ظاهرة الزيادة السكانية ظلّت تقود على مرّ السنوات إلى التحدي الثاني، وهو ارتفاع نسبة الهجرة من الريف إلى المدن عامة، وتلك سمةٌ أصبحت مشتركةً على مستوى العالم الثالث، ولها أسبابها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وينتج من هذه الهجرة ضغوطٌ على مصادر المياه المحدودة، خصوصاً في المدن التي لا تتوافر لها البنية التحتيّة الكافية لاستيعاب ذلك التحول السكّاني الطاغي. ومما هو معروف، فإن احتياجات الفرد من المياه فى المدينة أكبر بكثير من احتياجات الفرد في الريف. وفي السودان زاد عدد سكان العاصمة السودانية من مئتين وخمسين ألف نسمة في عام 1956، إلى ما يقارب الثلاثة ملايين الآن.
• ثالثاً. التغييرات المناخية:
ساهمت الزيادة السكانية في التدهور البيئي في معظم دول العالم، خصوصاً خلال القرن الماضي وفي الدول النامية التي ليس لها قوانين دقيقة لحماية البيئة، أو لها قوانين ولكن لا أحد يلتزم بها، أو لا تُوجد إرادة أو جدّية كافية لمتابعة التنفيذ. وقد نتجت من هذا التدهور البيئي، ومن التصنيع المكثّف في الدول المتقدمة، تغييراتٌ مناخية حادة تمثّلت في الفيضانات المدمّرة وكذلك الجفاف الذي يزحف تدريجياً في معظم أنحاء العالم، خصوصاً في افريقيا وآسيا. وقد ساهم التدهور البيئي والتغييرات المناخية بدورها في زيادة الهجرة من الريف إلى المدن بسبب تدهور وضعيّة الزراعة والرعي في الريف نتيجة الجفاف.
• رابعاً. الاستعمالات غير المرشّدة للمياه:
يحتل قطاع الرّي مكاناً مهولاً في استعمالات المياه على مستوى العالم، إذ يستعمل هذا القطاع وحده حوالي 75 في المئة من المياه، وترتفع هذه النسبة إلى حوالي 85 في المئة في كثيرٍ من دول العالم الثالث. وتتسم استعمالات هذا القطاع بالهدر وعدم الترشيد لأسباب كثيرة منها أن الحكومات في كثيرٍ من الدول تُعطي المزارعين هذه المياه مجاناُ أو بسعرٍ أقل بكثير من سعر التكلفة، ولا تُشركهم في إدارة هذه المياه، وهذا بدوره لا يخلق أي حافزٍ من جانب المزارع في ترشيد الاستهلاك. ينسحب هذا الوضع أيضاً على مياه الشرب عندما تكون التعريفة الشهرية ثابتة ومحدّدة لكل المستهلكين، بغضّ النظر عن كمية المياه المستعملة، ما لا يخلق أي حافزٍ من جانب الأفراد والأسر في ترشيد الاستهلاك.
• خامساً. تعدّد المجاري المائية الدولية:
تتشارك دولتان أو أكثر في حوالي 300 نهر و100 بحيرة و300 خزان جوفي. ويقع حوالى 40 في المئة من الكرة الأرضية حول هذه المجاري المائية المشتركة، كما يعتمد حوالي نصف سكان العالم على هذه المجاري. ورغم هذا، فإنّ معظم هذه المجاري المائية المشتركة بلا اتفاقيات تنظّم استخدامها وإدارتها وحمايتها. وفي حالة وجود اتفاقيات، فإن معظمها جزئي ولا يشمل كل الدول المشاطئة للمجرى المشترك. كما أنه لا معاهدة دولية مُلزمة تنظم استعمال وإدارة وحماية هذه المجاري المائية بين الدول المشاطئة. إنّ اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية في الأغراض غير الملاحية، والتي أجازتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 22 أيار/ مايو عام 1997 بأغلبية فاقت المئة عضو، لم تدخل بعد حيّز التنفيذ، إذ تحتاج إلى تصديق أو موافقة 35 دولة، وحتّى اليوم صادقت عليها 30 دولة. نتج من هذا الوضع تنافسٌ حاد في كثيرٍ من الأحواض المشتركة، ووصل إلى مرحلة النزاعات بين عددٍ كبير من الدول حول مجار مائية كثيرة. وبدلاً من التعاون بين هذه الدول، والذي كان سيؤدي (كما أدّى فى عددٍ من الأحواض) إلى الكثير من المنافع المشتركة وإلى الاستعمالات المرشّدة لهذه المجاري المائية المشتركة وحمايتها وإدارتها إدارةً تعاونية مشتركة، تصاعدت الخلافات والنزاعات ودقت بعض الدول طبول الحرب حول بعض الأحواض المائية المشتركة.