في انتظار النفط الإيراني العائد إلى الأسواق

تميز الاجتماع الأخير لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في فيينا مطلع الشهر الفائت بظاهرة لافتة، وهي احتشاد الصحافيين حول وزير النفط الإيراني بيجان زانجانة، الذي يبدو انه تقاسم اهتمام وسائل الإعلام مع وصيفه السعودي المهندس علي النعيمي، ولسبب وجيه. فمع الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، الذي سعى الطرفان الى إبرامه نهاية حزيران ثم مددوا مدة التفاوض لأيام، يتصاعد
2015-07-08

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك

تميز الاجتماع الأخير لمنظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في فيينا مطلع الشهر الفائت بظاهرة لافتة، وهي احتشاد الصحافيين حول وزير النفط الإيراني بيجان زانجانة، الذي يبدو انه تقاسم اهتمام وسائل الإعلام مع وصيفه السعودي المهندس علي النعيمي، ولسبب وجيه. فمع الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، الذي سعى الطرفان الى إبرامه نهاية حزيران ثم مددوا مدة التفاوض لأيام، يتصاعد احتمال رفع المقاطعة الاقتصادية للنفط الإيراني، ما سينعكس على السوق النفطية وعلى الأسعار التي لا تزال تعاني من الانخفاض الحاد الذي بلغ 40 في المئة منذ العام الماضي. ويمكن لزيادة الصادرات النفطية الإيرانية ان تضيف صعوبات الى مسعى الدول الأعضاء في أوبك بحيث يمكن ان يصبح السعر بين 70 - 80 دولارا للبرميل.
ومع ان التركيز في اجتماع أوبك نصف السنوي ذاك كان على المحافظة على سقف الإنتاج الرسمي للمنظمة في معدله السابق، وهو 30 مليون برميل يوميا، وذلك في اطار استراتيجية حماية حصتها في السوق النفطية، الا أن مستقبل النفط الإيراني حصل على اهتمام مماثل. زانجانة لم يهدر الفرصة التي توفرت له إعلاميا فأبلغ الصحافيين أنه أخطر زملاءه في المنظمة أن يستعدوا لاستيعاب الكميات الإضافية من النفط الإيراني العائد إلى الأسواق، مضيفا أن طهران لا تحتاج إلى قرار من أوبك في ذلك لأنه حقها.
كما قال وزير الخارجية الأميركية، جون كيري، في مؤتمر صحافي، إن الولايات المتحدة مستعدة لتخفيف العقوبات الاقتصادية على طهران بدون الحسم النهائي لقضية مشاركة العلماء الإيرانيين في برنامج سري لتطوير السلاح النووي، مضيفا ان المهم ليس ما فعلوا في الماضي وإنما ان نشاطاتهم تلك توقفت وانه يمكن مراقبة عملهم مستقبلا. وكانت هذه واحدة من القضايا العالقة في المفاوضات.

حجم الاحتياطيات

احتلت إيران مرتبة المنتج الثاني بعد السعودية الى ما قبل سنوات أربع، حينما كانت تنتج 3.6 ملايين برميل يومياً. ثم تراجع حجم الصادرات الى ما يزيد قليلا على المليون برميل بسبب العقوبات الاقتصادية التي استهدفت قطاع النفط والمؤسسات المصرفية. ترجمة هذا الى لغة الفلوس يعني ان دخل إيران من مبيعات النفط والغاز والسوائل الأخرى الذي كان في حدود 118 مليار دولار في السنة المالية 2011/2012 (تنتهي في آذار/مارس من كل عام) تراجع بعد تنفيذ المقاطعة الى 56 مليارا في العام 2013/2014، كما تشير تقديرات صندوق النقد الدولي. ويقول زانجانه الذي عمل من قبل وزيرا للنفط، وأعيد تعيينه في المنصب ذاته بعد فوز حسن روحاني برئاسة الجمهورية، ان بلاده يمكنها زيادة انتاجها بحوالي المليون برميل يوميا، حال رفع العقوبات، وان اجمالي طاقتها الإنتاجية يمكن أن يبلغ خمسة ملايين برميل يوميا في العام 2020. على ان مصادر مستقلة في الصناعة النفطية ترى ان طهران يمكنها فعلياً اضافة 800 ألف برميل يوميا في فترة تتراوح بين ستة الى إثني عشر شهرا بعد رفع العقوبات. هذا مع الأخذ بعين الأعتبار ان ادارة أوباما تحتاج الى فترة تتراوح بين ستة أشهر الى ثمانية عشر شهرا لتأمين موافقة الكونغرس ومن ثم رفع الحظر الاقتصادي على إيران.
تتمتع إيران باحتياطيات نفطية ضخمة اذ يقدر حجم المخزون المؤكد لديها بحوالي 158 مليار برميل، بما يضعها في المرتبة الرابعة بعد السعودية وفنزويلا وكندا من ناحية الاحتياطي، والذي يمثل 10 في المئة من المخزون العالمي و13 في المئة من احتياطي أوبك. كذلك تحتل إيران المرتبة الثانية بعد روسيا باحتياطيات الغاز الطبيعي التي تصل الى 1.2 ترليون قدم مكعب. وتوصف الاحتياطيات الإيرانية بأنها سهلة الاستغلال لأنها مكتشفة منذ زمن سابق، كما ان 70 في المئة منها يوجد على اليابسة، ولكن المناخ السياسي الغربي المعادي أفقدها تدفقات رأسمالية وإمكانيات تقنية تعتبر ضرورية لرفع الطاقة الإنتاجية. وتقدر بعض مراكز الدراسات المتخصصة في الشؤون النفطية أن هناك حاجة لضخ استثمارات بقيمة 20 مليار دولار خلال فترة السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة كي تمكن استعادة شيء من العافية للصناعة النفطية الإيرانية، وفق فريدون فيشاراكي رئيس الدار الاستشارية «فاكتس غلوبال أينرجي»، مضيفا أن على طهران أن تستفيد من تجاربها السابقة وتبدي مرونة في مفاوضاتها مع الشركات الدولية في العروض التي تطرحها عليها، خاصة في جانبي عقود الخدمات وتلك المتعلقة بالاستكشاف والإنتاج. وقد أسهم زانجانه، أبان توليه الوزارة في المرة السابقة، في تحقيق نجاحات تمثلت في استقطاب استثمارات ضخمة لقطاع النفط، أدت إلى إعادته إلى الوزارة بل أصبح يطلق عليه لقب وزير الخارجية الثاني.

الشركات الغربية

واستعدادا لهذه المرحلة، عقد زانجانه اجتماعات مع ممثلين لثلاث شركات أوروبية كبرى هي «أيني» الإيطالية و «توتال» الفرنسية و «رويال دتش شل» الهولندية/ البريطانية، بالإضافة الى الشركة الروسية «لوك أويل» ووصيفتها الصينية «شركة النفط الوطنية الصينية»، حيث طرحت مسودات لاتفاقيات، وذلك للحصول على افادات من تلك الشركات بشأنها حتى يمكن بلورتها بصورة نهائية. ويتردد ان اجتماعات مع شركات أميركية مثل «أكسون موبيل» و «كونوكو فيليبس» يخطَّط لها في النصف الثاني من هذا العام، بعد أن تتضح الصورة في ما يخص نتائج الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن. ومن مظاهر المرونة المقترحة من قبل طهران في العقود الجديدة، تمديد فترة العمل بها بصورة ملحوظة قياسا بالمدى الزمني الذي كان سائدا في العقود السابقة.
الصيغة المقترحة يطلق عليها «العقد البترولي المتكامل» ويقوم على شراكة بين مؤسسة أجنبية وأخرى إيرانية، وبموجبها تقوم الشركة الأجنبية بكل العمليات من الاستكشاف الى التطوير والانتاج ثم تحصل على استحقاقاتها وأرباحها من مبيعات الحقول المنتجة لكن بدون أن تكون شريكا قانونيا. ويمكن لهذا العقد أن يستمر لفترة تتراوح بين 20 الى 25 عاما، كما أضيف إليه مجال زيادة الاستخلاص النفطي من الحقول. وتكتسب هذه النقطة أهمية كون غالبية الإنتاج النفطي الإيراني تتم حاليا من حقول تعمل منذ 70 عاما، الأمر الذي الى تراجع في إنتاجها.
العودة المتوقعة للنفط الإيراني ستثير قضيتين: الأولى تتعلق بالأسعار التي لا تزال تتأرجح بين 50 - 60 دولارا للبرميل. وفي تقدير إدارة الطاقة الأميركية، أن أسعار النفط يمكن أن تتراجع العام المقبل بنحو 5 الى 15 دولارا للبرميل حال عودة النفط الإيراني الى الأسواق. أما القضية الثانية فهي ما يمكن أن تثيره طهران من ضرورة إفساح المجال لنفطها في إطار الحصص المتفق عليها بين الدول الأعضاء، لأن تلك الدول تمددت في السوق على حساب النفط الإيراني الذي انقطع عنها. وأعربت بعض الدول، مثل العراق والاكوادور، عن تعاطفها مع إيران في هذه القضية وضرورة أن تفسح الدول الأعضاء مجالا للنفط الإيراني العائد، بينما تبنى الأمين العام لأوبك عبد الله البدري، الليبي الجنسية، موقفا دبلوماسيا بالقول ان المنظمة سوف تناقش هذه القضية عندما تُطرح بصورة رسمية، لكن إيران لا تبدو منشغلة بما تقوله أو تقرره أوبك.
الدول الغربية والمستهلكة عموما تنظر الى إمكانية عودة النفط الإيراني الى الأسواق نظرة إيجابية، كونه سيوفر إمدادات أضافية يمكن أن تغطي على أي انقطاع في الانتاج من ليبيا أو نيجيريا أو العراق، وبالتالي يوفر خيارات وضمانات أفضل للدول المستوردة للنفط. وتشير بعض التقديرات الى ان لدى إيران نحو 30 مليون برميل في مخزونات عائمة تنتظر التفريغ، ولهذا فعلى السوق المتخمة فعلا ان تستعد الى المزيد من العرض والإمدادات لأن إنتاج أوبك الحالي يتجاوز بأكثر من مليون برميل، سقفها الرسمي وهو 30 مليون برميل يوميا. ويتبع هذا أن استعادة أيران لحصتها في السوق سترتبط بلا شك بسياسة تسويقية جريئة، لأن موازنتها تقوم على أساس أن يكون سعر البرميل 92.5 دولارا للبرميل، وذلك حتى يمكن تجنب العجز في الميزانية. ضخ المزيد من النفط للتعويض عن العائد المنخفض سيؤثر قطعا في الأسعار بصورة سلبية، على الأقل في البداية والى أن يرتفع الطلب بصورة تستوعب المزيد من العرض.
لكن الباحث في قضايا الطاقة دانييل يرغن، مؤلف كتاب «الجائزة» الذي يلخص تاريخ صناعة النفط العالمية، يتوقع ان يشهد الطلب على النفط نموا هذا العام بسبب تراجع الأسعار والانتعاش الاقتصادي في العديد من الدول الرئيسية. إلا أن العام المقبل سيشهد عودة التخمة الى السوق، بسبب الإمدادات الإيرانية المتوقعة، الى جانب النمو في الإنتاج النفطي الأميركي بفضل زيادة الفعالية التقنية التي تسهم في خفض تكلفة إنتاج النفط الصخري وزيادة نسبة استخلاصه من المكامن.

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...