بـ 10 مليار دولار يمكن شراء فرقاطتين، وأربع سفن بحرية، و20 زورقاً، و24 طائرة مقاتلة، و24 طائرة للتدريب! وفي رواية أخرى وبحسب صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية، فالصفقة تشمل 24 مقاتلة من طراز "يوروفايتر تايفون" متعددة المهام، و24 طائرة "إيرماكي إم-346" للقتال الخفيف والتدريب المتقدم، ومروحيات من طراز AW149، إضافة إلى قمر للاستطلاع والتصوير الراداري، و20 زورقاً مسلحاً من فئة "Falaj II" لعمل دوريات.
وهذا ما فعله السيسي هذه الأيام. يريد أن يشتري من إيطاليا ما وصفته صحفها بأنه "أكبر صفقة من نوعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية"، وأن "مصر تصبح بذلك أكبر زبون لأنظمة التسلح الإيطالية".
لماذا؟
بداية، ما وظيفة تكديس السلاح لدى الجيش المصري بهذه الطريقة الشائنة؟ ما الغرض من أن تصبح مصر ثالث مستورد للسلاح في العالم، بينما نصف الشعب المصري تحت خط الفقر. من ستحارب أو تحتل؟ ولو كانت تعادي إسرائيل مثلاً لمُنعت من اقتناء هذا السلاح بل وحتى عُشْرَه، كما حدث لعبد الناصر. أم أن رئيسها يظن أن تلك هي "العظمة".
كل هذه محاجات ترد على البال.. ولكنها خارج الصدد. مصر لن تخوض حرباً أصلاً. لا تنوي ذلك ولا ينبغي لها. وهذه المشتريات المجنونة ليست سوى رِشا. وهي على ما يبدو رِشاً في اتجاهين: للحكومات الغربية التي تبيع السلاح، وتغمض أعينها عن كل شيء عدا المكاسب من الصفقات، وفي هذا تشترك جميعها في الجرائم التي ترتكبها أنظمة سجلها أسود في مجال "حقوق الإنسان" الذي بات كلاماً يثير التقزز متى ما نطق به هؤلاء السادة الغربيون. وهي رِشا للرئيس المصري وكبار ضباطه الذين ينالون - وفق ما يجري تداوله - عمولات كأي سمسار سلاح في العالم. بل ويذهب الظن إلى أن جزءاً من هذه الأسلحة يصل إلى طرف ثالث مقابل عمولات أيضاً.
وفي المثال الأحدث، الإيطالي، فالاعتبار يخصُّ قضية الباحث الإيطالي الشاب جوليو ريجيني، الذي خطف من الشارع في القاهرة يوم 25 كانون الثاني/ يناير 2016، ثم وجدت جثته على قارعة إحدى الطرق، وعليها آثار تعذيب فظيع.. يقول والداه، حسبما نقلت عنهما صحيفة "لا ريبوبليكا"، أن حكومة بلدهما تخونهما بهذه الصفقة، وتطلق رصاصة على قضية كشف حقيقة مقتل ابنهما، بوصف مصر كبلد "صديق". ويقولان أيضاً، وهذا في غاية الأهمية، إن السيسي سيستخدم هذه الأسلحة ليقمع شعبه. كما يناهض عدد من نواب البرلمان الصفقة، لتلك الاعتبارات نفسها. كل ذلك لا يردع الحكومة الإيطالية من الموافقة على العملية (التي تموّلها الإمارات!)، كما لم يمنع باريس وواشنطن وغيرهما من بيع السلاح لمحمد بن سلمان، بعد مقتل الصحافي جمال خاشقجي بطريقة وحشية، على الرغم من الدلائل التي تشير إلى تورطه في الفعلة. وللدول الغربية، علاوة على المرابح، اعتبارات يسمونها "جيوستراتيجية" تتعلق بتعزيز نفوذها هنا وهناك. والتسمية هي التعبير الجديد المهذب والمتعالِم الذي حل محل كلمة "استعمار"، ولكنه مثل الاستعمار تماماً يترافق بالمجازر وبالاستعباد، ويهدف إلى النهب.