تطورات بترولية وحرب استنزاف

مثلما هي الحال مع اجتماعات منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في السنوات الأخيرة، فإن اجتماعها نصف السنوي أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في فيينا كان قصيراً، لم يستغرق أكثر من خمس ساعات، وخلص في نهايته إلى الإبقاء على المعدل الإنتاجي للدول الأعضاء في حدود 30 مليون برميل يوميا. اعتبر هذا مؤشرا على دخول المنظمة مرحلة جديدة واعترافا بتراجع قدرتها على التأثير رغم ما يمكن أن تؤدي اليه
2014-12-10

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك

مثلما هي الحال مع اجتماعات منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في السنوات الأخيرة، فإن اجتماعها نصف السنوي أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في فيينا كان قصيراً، لم يستغرق أكثر من خمس ساعات، وخلص في نهايته إلى الإبقاء على المعدل الإنتاجي للدول الأعضاء في حدود 30 مليون برميل يوميا.
اعتبر هذا مؤشرا على دخول المنظمة مرحلة جديدة واعترافا بتراجع قدرتها على التأثير رغم ما يمكن أن تؤدي اليه هذه الخطوة من انخفاض في الأسعار. ثم ان مثل هذه الخطوة اعتبرت استهدافا للمنتجين ذوي الكلفة العالية، وخاصة الولايات المتحدة التي نجحت خلال السنوات الست الماضية في رفع إنتاجها من النفط الصخري ما وضعها على طريق احتلال موقع أكبر دولة منتجة للنفط في العالم العام المقبل، متقدمة بذلك على كل من روسيا والسعودية. وساعد بقاء سعر برميل النفط مرتفعا خلال السنوات الماضية في الوصول الى هذه المرحلة.

هل أوبك كارتل؟

قرار أوبك الإبقاء على معدلات إنتاجها المرتفعة يعتبر في جانب منه إقرارا من الدول الأعضاء ان المنظمة لم تعد هي المحرك الرئيسي للسوق. فحصتها حاليا تزيد قليلا على ثلث الإمدادات المتوفرة، وهي على أي حال لا تعتبر كارتلاً بالمعنى الدقيق للكلمة لأن الكارتل يتميز بانضباط أعضائه وله القدرة على التأثير في الأوضاع، وفي الحالة الراهنة، عبر خفض الإنتاج ومن ثم رفع الأسعار من خلال تقليص الإمدادات. الحجة التي طرحها المنتجون الخليجيون بقيادة السعودية انه ليس هناك ضمان أن يؤدي أي خفض للإنتاج إلى رفع الأسعار، لأن ما ستسحبه أوبك من السوق يمكن تعويضه من منتجين آخرين خارج المنظمة.
وفي الواقع فإن أوبك، رغم الوهج الذي أحاط بصورتها في عقد السبعينيات، لأنها كانت توفر أكثر من نصف الإمدادات التي يحتاج اليها العالم، وإثر الحظر النفطي الذي صحب حرب تشرين الأول /أكتوبر1973، واعتبارها طليعة لدول العالم الثالث عبر سعيها لاقامة نظام اقتصادي عالمي جديد، الا انها في واقع الأمر لم تكن لديها سيطرة فعلية على السوق الذي كان يتحرك بآلياته من خلال العرض والطلب ومن خلال قرارات الأعضاء ذوي الثقل مثل السعودية. والرياض كانت المحرك الرئيس لحرب الأسعار في الثمانينيات وهي اتجهت منذ سنوات الى حمل بقية الدول الأعضاء الإحدى عشرة على التركيز على حصتها في السوق، تاركة موضوع الأسعار، وكذلك الى البعد عن السياسة بالإصرار على انها منظمة أقتصادية فقط، ولو انه لا يمكن إلغاء البعد السياسي بسبب خلافات منهجيات الدول الأعضاء. ولعل اعتراض إيران مؤخرا على ترشيح السعودية أحد مواطنيها لمنصب الأمين العام للمنظمة مثال من بين سواه، وهو تكرر في الاجتماع الأخير، فكانت النتيجة تمديد ولاية الأمين العام الحالي، الليبي عبد الله البدري، حتى نهاية العام المقبل.

الثقل الخليجي

فرغم الإجماع الذي تميز به القرار، الا انه في واقع الأمر نتاج رؤية سعودية يساندها الأعضاء الخليجيون في المنظمة، الأمر الذي يشير الى الخلافات القائمة بين الأعضاء في المنظمة. فثمة دول قليلة السكان عظيمة الاحتياطيات مثل الدول الخليجية، تفضل معدلات أسعار معقولة لضمان استمرار اعتماد العالم على النفط لأطول فترة ممكنة، ودول أخرى كثيفة السكان أو ذات احتياطيات نفطية أقل، مثل إيران وفنزويلا ونيجيريا، ومن مصلحتها الحصول على أعلى سعر ممكن للبرميل. بعض المحللين يعتقدون ان قرار أوبك الأخير عدم خفض إنتاجها يستهدف إثبات عدم الجدوى الاقتصادية لبعض النفوط التي تغمر السوق حاليا. والإشارة هنا إلى النفط الصخري الأميركي بصورة رئيسية، الذي يعتمد تقنية التكسير الهيدرولوجي وأسلوب الحفر الأفقي.
وتشير بعض التقديرات الى ضخ 200 مليار دولار في هذا المجال تمثل نصف الاستثمارات في صناعة النفط عالميا. ولهذا يُعتقد أن ضغوط السعودية لإبقاء مستوى انتاج أوبك مرتفعا سيؤدي الى الإضرار بالإنتاج الأميركي المتزايد، وهو ما يمكن أن يفتح باباً للتوتر في علاقات البلدين. فثورة النفط الصخري هذه أسهمت في تراجع واردات الولايات المتحدة من نفط أوبك الى أقل معدل له في غضون 30 عاما، وهو 2.9 مليون برميل يوميا، بكل ما يعنيه ذلك من تبعات سياسية واقتصادية تتمثل في تخفيف العجز التجاري الأميركي، لكن أهم من ذلك في تخفيف الإحساس بالانكشاف الأمني في ميدان الطاقة. فمنذ الحظر العربي على الولايات المتحدة، وعلى امتداد ثمانية رؤساء، أصبح من أهداف أي رئيس جديد يحتل مقعده في البيت الأبيض تقليص اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي. وبدأت الحملة على أيام ريتشارد نيكسون، الذي شهد عهده طوابير السيارات أمام محطات الخدمة بسبب الحظر البترولي. وقتها كانت الولايات المتحدة تعتمد على النفط الأجنبي لمقابلة 37 في المئة من احتياجاتها، وظلت تلك النسبة تتصاعد الى ان تجاوزت 66 في المئة عندما دخل باراك أوباما البيت الأبيض.
فجاءت ثورة النفط الصخري خلال السنوات الست الماضية لتساعد في تقليل حجم الواردات النفطية الى السوق الأميركية، ومعها وارداتها من السعودية التي بلغت في آب /أغسطس الماضي 894 ألف برميل يوميا، وهو رقم خطر كونه يقل عن مليون برميل يوميا الذي يعتبر معدلا ملائما لتثبيت الثقل الاستراتيجي في علاقة السعودية مع الولايات المتحدة.
تتباين التحليلات بالمقابل حول مدى تأثير انخفاض أسعار النفط على الإنتاج الأميركي.
فهناك من يشير الى انه بسبب هذا التراجع السعري، فإن الإنتاج الأميركي مرشح للتراجع، وإن الزيادة في حجمه ستكون بمعدل 850 ألف برميل يوميا فقط العام المقبل، مقارنة بمليون برميل كانت تضاف كل عام خلال السنوات الثلاث الماضية، خاصة أن إنتاجية آبار النفط الصخري ضعيفة وتتراجع بسرعة، بينما يرى آخرون ان التأثير سيكون محدودا بسبب التقدم التقني الذي يخفض من التكلفة باستمرار مع زيادة الإنتاجية في الوقت ذاته، مشيرين إلى أن بعض الحقول ستظل منتجة حتى وإنْ بسعر يقل عن 50 دولارا للبرميل، مع اضافة ملاحظة ان عائدات النفط تشكل المصدر الرئيس لدخل الدول الخليجية، بينما هي تعتبر جزءا يسيرا من النشاط الأقتصادي العام في الولايات المتحدة.
وهذه النقطة تثير التساؤل حول المدى الذي يمكن للسعودية الذهاب إليه في حرب الأسعار هذه. فقد استهدفت السعودية في حرب الأسعار في ثمانينيات القرن الماضي، المنتجين من خارج أوبك من ذوي التكلفة العالية، مثل منتجي بحر الشمال، لكنها لم تنجح في إخراجهم من السوق لأن النفط يشكل نسبة بسيطة من اقتصاداتهم، إضافة الى تناقص كلفة الاستخراج.

هل تتوتر العلاقات؟

والى جانب ما يمكن أن تشهده العلاقات السعودية ـ الأميركية من توتر بسبب قرار أوبك الأخير الذي أكدت عليه الرياض بإعلان تخفيضات لأسعار شحنات كانون الثاني/ يناير المتجهة للسوق الأميركية للشهر الخامس على التوالي، والخفض للسوق الآسيوية (الذي يعتبر الأكبر منذ العام 2002)، فإن هناك تطورات أخرى يمكن أن تمس العلاقات الخليجية ـ الغربية وميدانها أبو ظبي. فقد مرت فترة تقارب العام منذ انتهاء أجل الامتيازات النفطية التي حصلت عليها منذ أكثر من سبعين عاما بعض الشركات الغربية الرئيسية مثل اكسون موبيل، ورويال دتش شل، وبريتش بتروليوم وتوتال، ولم يتم التجديد لها تلقائيا. والحديث المتواتر في أروقة الصناعة النفطية أن أبو ظبي التي تنتج نحو 1.5 مليون برميل، وهو ما يزيد على نصف انتاج دولة الإمارات كله، تخطط لإفساح المجال أمام الشركات الآسيوية، وخاصة الصينية والكورية الجنوبية، لتكون لها حصة في هذه الامتيازات، خاصة أن السوق الآسيوية هي سوق المستقبل في ما يتعلق باستهلاك النفط. وفي أرقام صندوق النقد الدولي مثلا، ان الصين أصبحت هذا العام صاحبة أكبر اقتصاد في العالم متخطية الولايات المتحدة من تلك المكانة، حيث بلغت قيمة الخدمات والسلع التي أنتجتها 17.6 تريليون دولار، مقابل 17.4 تريليون للولايات المتحدة.
وهذا التراجع المنتظر لدور الشركات الغربية عبرت عنه القائمة الجديدة التي تنشرها سنويا نشرة "بتروليوم أنتلجنس ويكلي" النفطية المتخصصة، عن قائمة أكبر 50 شركة نفطية في العالم. فللمرة الأولى في غضون 13 عاما، يتجاوز عدد الشركات الوطنية (المملوكة لدول أو حكومات) عدد تلك التجارية في لائحة أول عشر شركات. وقفزت في اللائحة، التي تصدر منذ 26 عاما، شركة النفط الوطنية الصينية لتحتل المرتبة الثالثة متخطية اكسون موبيل الأميركية التي تربعت في هذه المرتبة خلال السنوات السبع المنصرمة. كما تقدمت شركة روز نفط الروسية لتدفع شيفرون الأميركية إلى المرتبة العاشرة والى إخراج الشركة الفرنسية توتال من قائمة العشر الأول نهائيا. وحافظت أرامكو السعودية على الصدارة تليها شركة النفط الوطنية الإيرانية.
قرار أوبك بعدم خفض الإنتاج أدى إلى تراجع الأسعار الى أدنى معدل لها منذ خمس سنوات، وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة، التي تضم تجمع المستهلكين الرئيسيين، أن العام المقبل ربما يشهد تراجعا أكبر، يأخذ مدى أبعد، خاصة وأنه يعتقد أن السوق سيغمرها فائض نفطي في حدود مليوني برميل يوميا طوال فترة النصف الأول من العام المقبل، وهو فائض يبحث عن مشترين. وسيتضح وقتها اذا كان تقدير أحد الوزراء الخليجيين سليما لجهة أن المطلوب إحداث هزة في السوق في المدى القريب لضمان حدوث استقرار على المدى البعيد. ويبقى الانتظار لمعرفة ما اذا كانت هذه التقديرات ستصدق هذه المرة كما صدقت من قبل، أم ان التقنية الجديدة التي تزداد فعالية وانتشارا ستجعل الموقف مختلفا، على الرغم من ـ وربما بسبب ـ حالة الاستنزاف التي تعيشها السوق.

 

مقالات من العالم العربي

لا شيء سوى الصمود!

2024-10-03

قبل الصواريخ الإيرانية وبعدها، استمر الاحتلال بارتكاب الفظاعات، ثمّ توعّد بالمزيد. إنها أيام المتغيرات السريعة والخطيرة والصعبة، لكن يبدو أنه في كل هذا، ليس سوى ثابتٍ وحيد: صمود شعوبنا المقهورة.

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...