كردستان المستقلة هبة النفط؟

تبدو الصورة متناقضة من البداية. فإعلان الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، واتجاه إقليم كردستان بخطوات سريعة نحو الانفصال يؤذنان بأيام كالحات للمنطقة التي عرفت انها خزان الطاقة. والعلاقة بين التطورات الجيو ـ سياسية والطاقة ظلت طردية، فكلما ادلهمت الأجواء سياسيا وأمنيا انعكس ذلك على سوق النفط ارتفاعا في الأسعار بسبب مخاوف حقيقية أو متوهمة عن انقطاع الإمدادات. لكن، ومنذ أن صدم العالم في مطلع
2014-07-16

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك
من الانترنت

تبدو الصورة متناقضة من البداية. فإعلان الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، واتجاه إقليم كردستان بخطوات سريعة نحو الانفصال يؤذنان بأيام كالحات للمنطقة التي عرفت انها خزان الطاقة. والعلاقة بين التطورات الجيو ـ سياسية والطاقة ظلت طردية، فكلما ادلهمت الأجواء سياسيا وأمنيا انعكس ذلك على سوق النفط ارتفاعا في الأسعار بسبب مخاوف حقيقية أو متوهمة عن انقطاع الإمدادات. لكن، ومنذ أن صدم العالم في مطلع الشهر الماضي، إثر استيلاء جماعات «داعش» على الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، وما تبعه من تقدم ميداني بل وإعلان للخلافة، ظلت سوق النفط مستقرة الى حد كبير. فقد سجل سعر برميل النفط، كرد فعل، زيادة في حدود 5 في المئة مقابل 22 في المئة زيادة في الأسعار إبان ثورة ليبيا.وعليه، لم تشهد السوق القفزات السعرية التي شهدتها بعد أحداث سياسية ضخمة تعرضت لها المنطقة مثل الحرب العربية الإسرائيلية في 1973 التي نتجت منها الصدمة النفطية الأولى، وأبرز ملامحها مضاعفة سعر البرميل أربع مرات، لتعقبها الصدمة النفطية الثانية في رد فعل على الثورة الإيرانية بحيث تجاوز سعر البرميل في العام 1979 حاجز 40 دولارا لأول مرة في تاريخ صناعة النفط، ولم يعد أحد يهتم بالسعر قدر الاهتمام بتأمين الإمدادات، خاصة وإيران كانت وقتها ثاني أكبر منتج للنفط داخل أوبك، كما لم توجد وقتها بدائل للإمدادات مثلما حدث في ما بعد في ألاسكا وبحر الشمال ومنتجين آخرين.
هذه المرة، يبدو رد فعل السوق منضبطا الى حد كبير، وذلك بسبب تعوده على التعايش مع اضطرابات دول الشرق الأوسط، وتراجع الخوف من حدوث انقطاع في الإمدادات، وذلك لثلاثة عوامل رئيسية: نمو الانتاج المحلي من النفط والغاز في الولايات المتحدة، وبما ان الولايات المتحدة تستهلك برميلا من كل أربعة براميل يستهلكها بقية العالم، فإن أي شح في الإمدادات سينعكس تلقائيا على أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، وهو ما تغير حاليا بسبب زيادة الإنتاج المحلي. ثم ان السعودية، والى حد ما الكويت والإمارات العربية، ظلت تتمتع بطاقة إنتاجية فائضة تعوض بها عن أي نقص في الإمدادات من المنتجين الآخرين. وحاليا تنتج السعودية ما يقل قليلا عن عشرة ملايين برميل في اليوم، الأمر الذي يجعل لديها طاقة إنتاجية فائضة تزيد عن مليونين ونصف المليون برميل يوميا، ولو ان بعض الخبراء النفطيين يتساءلون اذا كانت السعودية قادرة فعلا على ضخ 12.5 مليون برميل يوميا، والى أي مدى زمني، لأن عملية مثل هذه لم تتم تجربتها من قبل. أما العامل الثالث الدافع الى حدوث شيء من الاستقرار في السوق، على الأقل في الوقت الراهن، فيعود الى التطورات العراقية نفسها.

ثقل كركوك النفطي

فرغم ان هذه الصناعة عانت خلال العقود الماضية من الحظر وعدم الاستقرار الأمني والسياسي، إلا أن التطورات الأخيرة فرضت بعض الحقائق الجديدة على الأرض: أولاها ان قوات البشمركة التابعة للأكراد سيطرت على كركوك على إثر انسحاب الجيش العراقي من المناطق الشمالية. وكركوك تلك تتمتع بثقل نفطي يعود تاريخه الى العام 1927 عندما تم اكتشاف حقل كركوك لأول مرة، ودخوله دائرة الإنتاج بعد ذلك بسبع سنوات، ووصول إمداداته الى الاسواق العالمية عن طريق خط الأنابيب الذي امتد الى حيفا في فلسطين وقتها، والى طرابلس اللبنانية. وتصاعد انتاج الحقل ليصل الى نحو 900 ألف برميل يوميا في مطلع العقد الماضي، لكنه تراجع بعد ذلك بسبب سوء إدارة المخزون. ويتراوح الإنتاج في الوقت الحالي بحدود 260 ألف برميل يوميا. وكانت حكومة بغداد قد سعت الى رفع طاقة الحقل الانتاجية بأكثر من الضعف، وتم توقيع اتفاق مبدئي مع شركة «بريتش بتروليوم»، وهو الاتفاق الذي واجه معارضة من أربيل على أساس ان كركوك هي من المناطق المتنازع عليها، خاصة وهي تحتوي على احتياطي يصل الى ثمانية مليارات برميل.
ومن ناحية أخرى، يلاحظ أن كل إنتاج إقليم كردستان النفطي الحالي يتراوح بحدود 200 ألف برميل يوميا، يتوقع له أن يتضاعف إلى 400 ألف اذا شغِّل خط الأنابيب الذي تم بناؤه ليصل الى تركيا. كما تخطط أربيل لرفع الطاقة الانتاجية لديها الى مليون برميل العام المقبل، والى مليوني برميل في غضون خمس سنوات. لكن ذلك كله يعتمد على التسويق، وسماح تركيا بذلك، وعدم اعتراض واشنطن. وتشير التوقعات الى ان كردستان تملك احتياطيا نفطيا يبلغ 45 مليار برميل، الأمر الذي يضعها في المرتبة العاشرة عالميا من ناحية الاحتياطيات، فيما إذا أصبحت دولة مستقلة. لكن، بخلاف دول أوبك ذات الاحتياطيات الكبيرة، مثل السعودية وفنزويلا وإيران، فحكومة إقليم كردستان تسمح للشركات الأجنبية بالعمل فوق أراضيها، وتضم القائمة الموجودة حاليا كبرى الشركات في سوق الطاقة مثل توتال الفرنسية وأكسون/موبيل وشيفرون الأميركيتين وغيرها. والى جانب الاحتياطيات الضخمة، فإن سهولة استخراج النفط العراقي عموما، بما في ذلك الواقع في المناطق الكردية، والمعرفة بمواقع المخزون، وتيسير شروط العمل وفق اتفاقيات قسمة الإنتاج... جعلت الوضع مغريا لهذه الشركات.

العامل السياسي

لكن يبقى العامل السياسي العقبة الأساسية أمام الانطلاقة المتوقعة للصناعة النفطية الكردية. فهناك رفض بغداد الذي يجد مساندة من واشنطن (التي لا تريد رؤية العراق مجزأً). ومن المهم متابعة ما إذا كانت إسرائيل ستسهم في الضغط على واشنطن لتغيير موقفها، بحجة أن التطورات الأخيرة في العراق جعلت البلاد مقسمة واقعيا. عمليا، ستتركز الأنظار على الموقف التركي، وهو الأهم. فمن ناحية يمثل تصاعد الصادرات النفطية الكردية فرصة للاقتصاد التركي النامي، وتركيا تعتبر البوابة الوحيدة لأربيل الى الاسواق العالمية، كما ان أنقرة تعتمد على الخارج لتوفير 90 في المئة من احتياجاتها النفطية. على ان الهم الرئيس لأنقرة يتمثل في ان دولة كردية قد تمثل عنصر إغراء للأكراد الأتراك بأن يحذوا حذو أقرانهم العراقيين.يلاحظ أن إعلان الزعيم الكردي مسعود بارازاني عن إجراء استفتاء على استقلال الإقليم لم يجد ترحيبا إلا من إسرائيل، بينما ترى كلٌ من واشنطن وأنقرة في الحماسة الإسرائيلية ما يبعث على الشك ويعزز من القناعة بأن ما يجري مع أكراد العراق قد يتكرر مع أكراد تركيا.
من جانب آخر، فإن ما جرى في الموصل سيؤدي الى نتيجتين إضافيتين: الحكومة المركزية في بغداد ستضطر الى تحويل كل صادراتها جنوبا عبر الخليج، كما ان تركيا التي تتزايد احتياجاتها من النفط والغاز قد لا تجد مفرا من التعاون مع أربيل في الشأن النفطي، والتخلي عن تحفظاتها في السماح للصادرات النفطية الكردية بالمرور عبر أراضيها كي لا تغضب الحكومة المركزية في بغداد، التي تعتبر أي صادرات الى السوق العالمي غير شرعية ما لم تحصل على موافقتها، وهو ما أدى الى تعطيل بيع أول شحنة نفط قام الاكراد بتصديرها الى الخارج، وتسكعها بين الموانئ العالمية لأكثر من شهر، لتنتهي عند مشتر إسرائيلي!وبما أن كردستان منطقة مغلقة، فإن قيام دولة هناك وبقاءها سيعتمد على النفط... وعلى تركيا، التي تعتبر بوابة هذه الدولة المغلقة الى العالم، إذ ليس لها منفذ بحري، ولا طاقة تكريرية، ولا إمكانيات تسويقية عادية لنفطها. فهي إذاً رهينة الموقف التركي إلى حد كبير. كما ستخفف هذه الإشكالات من اندفاع الشركات الى ضخ الاستثمارات، اذ ليس واضحا كيف يمكن الاستفادة منها واسترجاعها في غياب وجود إمكانيات تسويقية عادية لنفط كردستان.

أسئلة..

هل تنوي كردستان انتهاز «الفرصة التي قد لا تتكرر مرة أخرى»، ولو عن طريق خلق واقع جديد بالتدريج، أم أنها واعية بالمحددات الإقليمية والدولية لمثل هذه الخطوة، وهي في واقع الأمر تلوح بمسألة الاستقلال للحصول على المزيد من السلطات لإدارة شؤون إقليمها والتصرف في ثروتها النفطية... والبقاء في إطار العراق الموحد. أما بما يتعلق بانعكاسات ما يجري في العراق على الساحة النفطية، فإن التقديرات السائدة للوكالة الدولية للطاقة تتوقع أن تزيد منظمة أوبك طاقتها الإنتاجية بأكثر من مليوني برميل يوميا الى ما يزيد عن 37 مليونا في غضون خمس سنوات، وأن 60 في المئة من هذه الزيادة يُتوقع لها أن تأتي من العراق. ومع أن الاضطراب الحالي يمكن أن يؤثر على الخطط العراقية لزيادة الإنتاج، لكن الحقول الجنوبية تبدو مؤمنة لوجودها في مناطق ذات أغلبية شيعية، كما أن لكل من بغداد وأربيل الرغبة والدافع لرفع إنتاجهما النفطي والحصول على المداخيل المالية التي تؤمن لهما الاستمرار في وضعهما السياسي والعسكري.. وكل ذلك قد يجعل من تأثير ما يجري في العراق على السوق النفطية محدودا، في المستقبل المنظور على الأقل، ووفق المعطيات الراهنة.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...