حرب غزة... إعلامياً

العدد الأخير من مجلة "الشؤون الخارجية الأميركية" يسأل: "كيف كسبت حماس: نجاحات إسرائيل التكتيكية وخسارتها الإستراتيجية". كاتب المقال، أرييل أيلان روث، هو المدير التنفيذي لـ"معهد إسرائيل" الذي أسس قبل عامين في واشنطن، وكان قبل ذلك أستاذاً في جامعة جون هوبكنز. يقول روث إن الصواريخ التي أطلقتها حماس على عدة مدن إسرائيلية لم تقتل أحداً لكنها أسهمت في إبراز نقاط يمكن أن تشكل أساساً لكسب إستراتيجي
2014-07-30

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك
من الانترنت

العدد الأخير من مجلة "الشؤون الخارجية الأميركية" يسأل: "كيف كسبت حماس: نجاحات إسرائيل التكتيكية وخسارتها الإستراتيجية". كاتب المقال، أرييل أيلان روث، هو المدير التنفيذي لـ"معهد إسرائيل" الذي أسس قبل عامين في واشنطن، وكان قبل ذلك أستاذاً في جامعة جون هوبكنز. يقول روث إن الصواريخ التي أطلقتها حماس على عدة مدن إسرائيلية لم تقتل أحداً لكنها أسهمت في إبراز نقاط يمكن أن تشكل أساساً لكسب إستراتيجي لحماس، لأنها دفعت بكل إسرائيلي في المدن التي استهدفتها الى الملاجئ عدة مرات في اليوم الواحد، وهي بذلك مزقت غلالة الهدوء والسلام التي كانت تلف هذه المدن ومزقت معها وهمَ ان ما يحدث "هناك" لا يؤثر على إيقاع الحياة "هنا". أما ثاني النقاط فهي أن العديد الكبير من الضحايا الفلسطينيين، ونسبة كبيرة منهم من الأطفال والنساء، جعلت إسرائيل تبدو أمام الأعين الغربية، المتعاطفة تلقائياً معها، في صورة المعتدي. وساعد في تعزيز هذه الصورة الطريقة المملة والرتيبة التي قدمت بها تل أبيب الأحداث، فكررت روايتها عن إطلاق صواريخ تمّ اعتراضها، وأن أحداً لم يصب بسوء، وأن الحياة تسير بوتيرتها العادية. في المقابل، يحمل الفعل الإسرائيلي صوراً حية ومؤثرة من المعاناة الإنسانية لأهالي غزة.

الخطأ الأخلاقي

اشتكى الإسرائيليون من تركيز الإعلام العالمي على ما يجري في غزة، واعتبروه انحيازاً لمصلحة حماس! ويعلق روث أن هذا الوضع حقق لحماس كسبها الأكبر، وهو تمزيق وهم إسرائيلي ثانٍ عن أن عدم تحقيق تقدم سياسي يمكن أن يكون بلا ثمن، خاصة أن حرب غزة أوضحت بجلاء أن الفلسطينيين هم المعتدى عليهم، ويقفون وحدهم أمام الآلة الحربية الإسرائيلية الجبارة. هذه النقطة تحديداً وجدت طريقها الى صفحة الرأي في "واشنطن بوست"، فكتب يوجين روبنسون انه يؤيد إسرائيل ويبغض حماس، لكن إطلاق القوة الاسرائيلية الهائلة ضد قطاع غزة المزدحم بالسكان، والذي يؤدي بالقطع إلى سقوط ضحايا من المدنيين، يعتبر سلوكاً خاطئاً بأي مقياس أخلاقي. وذهب روبنسون حد التشكيك بالراوية الإسرائيلية عن أن حماس تجبر المدنيين على البقاء في مواقع نشاطها لتستخدمهم دروعاً بشرية. وتساءل إلى أين يذهب المدنيون إذا قرروا عدم الانصياع لتعليمات حماس؟ إلى المدارس والمستشفيات؟ هذه بدورها أهداف عسكرية. وختم أن الحملة العسكرية تجاوزت هدف تقليص تهديدات حماس الى معاقبة أهالي غزة لانتخابهم لها، لذا يبدو نتنياهو كأنه يريد تلقينهم درساً.
ريتشارد سيمون تناول بصورة ساخرة في صحيفة "الغارديان" البريطانية حديث إسرائيل عن حماس التي تتخفى وراء المدنيين في مستشفيات الشفاء والأقصى، كما "تتخفى" في الشاطئ حيث يلعب الأطفال، وفي 86 مدرسة و23 مركزاً صحياً، بل وفي المقاهي حيث يشاهد أهالي غزة مباريات كأس العالم، وقصفها خلف 24 جثة مطمورة تحت الركام... ورغم ان حرب غزة لم تنته بعد، إلا ان جدعون راشمان في مدونته في صحيفة "فاينانشيال تايمز" قال إن إسرائيل بدأت "تفقد السيطرة"، وإن حملتها العسكرية على غزة حددت لنفسها هدفين: وقف الصواريخ وهدم الأنفاق. لكن بعد مضي 18 يوماً، يبدو أن أياً من هذين الهدفين لم يتحقق.
وفي الوقت ذاته، بدأت تبرز بعض النقاط الجديدة مثل تنامي الغضب العالمي ضد الحملة وضحاياها من المدنيين، رغم تعدد بؤر الصراع والعنف في الشرق الأوسط وسقوط الكثير من الضحايا. ويقول إن الحملة يمكن أن تؤدي إلى اشتعال الضفة الغربية، وإذا تطور الأمر الى انتفاضة ثالثة، فإن ذلك سينهي فترة طويلة من الهدوء النسبي عاشتها اسرائيل. والمفارقة، كما يضيف راشمان، ان الحملة التي هدفت الى سحق حماس أدت إلى إنعاشها سياسياً. ثم هناك جانب الخسائر الاسرائيلية في صفوف الجنود وهي مرتفعة مقارنة بالمرات السابقة، وهذا ما يضع نتنياهو في موقف صعب، وإذا لم تنته الحرب بمكسب واضح، كوقف هجمات الصواريخ مثلا، فإنه ستكون هناك تبعات وأثمان سياسية يتوجب عليه دفعها من شعبيته وربما مستقبله السياسي.

عالم التويتر

تويتر وواتس أب وغيرها التي تتميز بالفورية تنقل الحدث لحظة بلحظة مع تعليق قصير. ففي الشجاعية مثلا، جاءت الأخبار بداية عبر تغريدة وصحبتها الصور فيما بعد، ثم لحقت وسائل الإعلام التقليدية والتلفزة بالخبر متأخرة. وفيما بعد، أرسل الناطق باسم الجيش الإسرائيلي عدة تغريدات، تحدث في أولاها عن أن الشجاعية منطقة سكنية وأن حماس جعلتها مركزاً للقيادة وقامت بتخزين منصات لإطلاق الصواريخ فيها. وتحدثت التغريدة الثانية عن ان الجيش الإسرائيلي طلب من السكان الخروج من المنطقة الا ان حماس منعتهم من المغادرة، ثم تغريدة ثالثة تقول إنه منذ الثامن من تموز/ يوليو أطلقت حماس 140 صاروخاً من منطقة الشجاعية. وعند مقارنة تأثير هذه التغريدات التي لم تفسر أو تقدم توضيحات مقنعة عن مقتل المدنيين بالرسائل التي سبقتها من فلسطينيين وصحافيين أجانب، ومعها صور الإصابات في أوساط المدنيين، فالواضح أن الكفة مالت لمصلحة الفلسطينيين، ولمصلحة وسائل الإعلام الجديد مقابل الإعلام التقليدي الذي تحكمه قواعد في النشر يمكن أن تتدخل فيها بعض الحسابات وربما الرقابة الذاتية، بينما رسائل تويتر وواتس أب طازجة مركّزة يمكن أن تصحبها صورة، وهي تغطية مباشرة للحدث. كما أن الوسيلة المستخدمة في الاستقبال، الهاتف، لا تحتاج إلى ثبات في المكان، ما يضاعف أعداد المتلقين. وهؤلاء، شباب وغير شباب، أصبحوا يرون في تويتر وسيلة إخبارية أفضل من وسائل الإعلام التقليدية.
وهناك التطور الآخر المساند لهذا الاتجاه. فوسائل الإعلام التقليدية أصبحت تسمح، وأحياناً تطلب من صحافييها، أن يستخدموا تويتر من دون التقيد بالأطر التحريرية التقليدية. وأدى هذا إلى وضع أداء وسائل الإعلام التقليدية تحت المجهر. فشبكة "سي.أن.أن" مثلا نقلت مراسلتها ديانا ماقناي من غزة الى موسكو لأنها وصفت بـ"الحثالة" مجموعة من الإسرائيليين تجمعوا للتهليل للضربات الجوية على الفلسطينيين المدنيين، وقالت إدارة الشبكة إن مثل هذا التعليق يتعارض مع الحيادية المفترضة في المراسل. لكن الشبكة نفسها لم تقدم أي سبب لإبعاد مراسلها في غزة، أيمن محي الدين، وتوقيفه عن العمل لفترة قصيرة بعد التقارير التي أرسلها عن مقتل الصبيان الأربعة على الشاطئ. ودفع هذا بعض الصحافيين من ذوي الوزن العالمي مثل جلين جرينوالد، الحائز على جائزة بوليترز العام الماضي لتحقيقاته مع إدوارد سنودن وفضيحة التجسس الأميركية، إلى التساؤل عما إذا كانت تقارير محي الدين، التي وصفها بالحيادية والمهنية، قد أثارت عليه حنق أصدقاء إسرائيل.
جرينوالد في موقعه الخاص "انترسيبت"، الذي أسسه مطلع هذا العام، قارن تصريحات نتنياهو عن استخدام حماس للمدنيين لاستدرار العطف، بمقال كتبه جوزيف غوبلز وزير الدعاية الهتلري، في العام 1941، وقال فيه إن "اليهود يسعون لاستدرار العطف، حتى يمكن للمرء أن يعتقد ان الجالية اليهودية في برلين عبارة عن مجموعة من الأطفال البريئين"... من جانبه، خلَص بنجامين ولاس ويلز، في مجلة "نيويورك"، انه بعد أسبوعين من العملية العسكرية الإسرائيلية، فإن التطور الجديد الذي يحتاج الى متابعة يتركز في التحول الذي حدث لأقسام كبيرة من الأميركيين. ويقول: ما لم تكن لهؤلاء صلة أو مصلحة مباشرة بما يجري في منطقة الشرق الأوسط، فإن الكثير منهم لم يعودوا يعتقدون أن إسرائيل على صواب، وفي كل الأحوال ليس كما كان الأمر عليه من قبل.
            
 

مقالات من غزة

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...