عندما يلتقي الوزراء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) في اجتماعهم الدوري في فيينا يوم غد الجمعة (31/5)، فإنهم سيكونون مواجهين بسؤالين رئيسيين: الأول القديم المتجدد، الذي لم يواجهوه منذ عدة سنوات، وهو هل تعود المنظمة إلى إستراتيجية الدفاع عن الأسعار بكل ما يعنيه ذلك من خفض للإنتاج وتراجع لحصتها في السوق، وبالتالي التخلي عن منجزات السنوات الماضية التي ركزت فيها على إستراتيجية تنمية إمداداتها حتى وصلت إلى قرابة 30 مليون برميل يوميا. أما السؤال الثاني فيتعلق بمدى تأثير التقنية الجديدة لاستخراج إمدادات غير تقليدية من الطاقة وتأثيرها المستقبلي على أوبك من ناحيتي الإمدادات والأسعار.
التقرير الذي أصدرته الوكالة الدولية للطاقة مطلع هذا الشهر أطلق صافرة التحذير، عندما تحدث عن «صدمة العرض» الناجمة عن زيادة الإمدادات من خارج أوبك (روسيا، كندا، بحر الشمال وخاصة النرويج، البرازيل، وطبعا الولايات المتحدة نفسها). فرغم انه من المتوقع للطلب على النفط أن يستمر في النمو بمعدل تراكمي يبلغ 8 في المئة في الفترة 2012 - 2018، ليستقر عند 96.7 مليون برميل يوميا في نهايتها، (وذلك استنادا إلى توقعات صندوق النقد الدولي الذي يرى أن الاقتصاد العالمي سينمو ما بين 3 و4.5 في المئة خلال هذه الفترة)، إلا أنه من المرجح أن تستوعب الإمدادات النفطية من خارج منظمة أوبك معظم هذا الطلب الجديد، وذلك بسبب نموها القوي (حوالى 10 في المئة)، فيصل إنتاجها الى 59.31 مليون برميل خلال هذه الفترة، وهو ما سيترك هامشا ضيقا أمام نفط أوبك، حيث ستكون حاجة الأسواق وقتها إلى ما يقل عن 30 مليون برميل يوميا من نفط المنظمة.
ويحتل النفط الصخري الذي بدأت تنتجه الولايات المتحدة الأميركية مكانة محورية في هذا النمو. وهو يأتي على رأس متغيرات سوق العرض، كما أصبح يضاعف من توفر الإمدادات المحلية، على حساب ما كانت تستورده واشنطن من نفط أجنبي. وخلال فترة السنوات الخمس المقبلة، ستضيف الولايات المتحدة الى انتاجها نحو 2.8 مليون برميل يوميا. وهي، ربما في غضون عامين، على طريق الوصول الى طاقة انتاجية تبلغ 11.9 مليون برميل يوميا، متفوقة بذلك حتى على روسيا أكبر منتج للنفط في الوقت الحالي. وبالمقابل، لا يتوقع أن تتمكن روسيا من زيادة انتاجها بأكثر من 300 ألف برميل يوميا خلال هذه الفترة، ليكون في حدود قصوى هي 10.76 مليونا.
من الناحية الأخرى، فإن سعر سلة نفط أوبك ـ التي تعتمد أحد عشر نوعا من أنواع الخام التي تنتجها الدول الأعضاء وتشكل مرجعية مقياسها السعري ـ شهدت تراجعا للشهر الثاني على التوالي في أبريل/نيسان المنصرم، بنحو 5.93 دولارا للبرميل، أو ما يزيد على 5 في المئة، ليتراوح متوسط سعر السلة خلال الشهر الماضي حوالى 101.05 دولار للبرميل. واذا تم حساب السعر على مدى العام، فإنه سجل تراجعا وصل الى 10.22 دولارات للبرميل، أو ما يعادل 8.7 في المائة. من جانبها، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يتراوح متوسط سعر خام «وست تكساس» هذا العام حوالى 93.17 دولارا للبرميل، متراجعا بنحو 75 سنتا عن تقديرات له قدمت الشهر الماضي، وأن يستقر سعر هذا الخام الأميركي عند 92.25 دولارا في العام المقبل.
من ناحية أخرى، فإن متوسط السعر الذي استقرت عليه سلة أوبك خلال الشهر الماضي ينذر بالخطر، مع تنامي احتمال تراجعه إلى ما دون 100 دولار للبرميل، وهو المعدل الذي يشكل حاجزا نفسيا من جانب، ولأنه، من جانب آخر، وفي هذا المستوى، شكل طوال السنوات الماضية عنصر أمان لموازنات الدول الأعضاء التي تعودت على العائدات الكبيرة، ومن ثم الإنفاق الضخم على مختلف البرامج التي تقوم بها الحكومات. إن تراجُع متوسط سعر السلة الى ما دون هذا المعدل ينذر بمتاعب مالية تواجهها موازنات الدول الأعضاء، وقد تكون لها تبعاتها الأخرى، السياسية والاجتماعية.
بروز طاقة إنتاجية فائضة
على أن الأهم من هذا كله أن قيام المنتجين من خارج أوبك بمقابلة الزيادة في الطلب ستجعل لدى الدول الأعضاء في المنظمة طاقة إضافية زائدة يقدر أن تبلغ 6.4 ملايين برميل يوميا، أو ما يعادل نحو 6.6 في المئة من حجم الطلب العالمي المتوقع على النفط. والطاقة الإنتاجية الفائضة تمثل عنصرا مهما في استقرار السوق إذا كان حجمها كبيرا. ولكنها، وبالقدر نفسه، تسهم في دفع الأسعار إلى أعلى إذا كانت منخفضة، وذلك لتراجع عنصر الأمان في ما لو حدث انقطاع للإمدادات من أي من الدول المنتجة، لأي سبب من الأسباب. فقد كان ضمور حجم الطاقة الإنتاجية الفائضة، لا بل وتركزها في السعودية إلى حد كبير، وأحيانا في الكويت والأمارات العربية المتحدة، من أسباب ارتفاع سعر البرميل خلال السنوات القليلة الماضية.
من جانب آخر، فإن توفر طاقة إنتاجية فائضة لدى العديد من الدول الأعضاء في أوبك في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط تراجعا للدرجة التي تؤثر على العائدات المالية، يجعلها في حد ذاتها مصدرا للضغط على الأسعار في اتجاه المزيد من التراجع. فالدول التي تتأثر مداخيلها بسبب تراجع سعر البرميل تلجأ إلى خيار ضخ كميات أضافية من النفط للتعويض عن السعر المتراجِع. والدول الأعضاء في أوبك محكومة نظريا بحصة لكل دولة، يفترض الاّ تتجاوزها، وذلك حتى يمكن موازنة العرض بالطلب. وهكذا يؤدي المزيد من الإنتاج إلى زيادة العرض على حساب الطلب، الأمر الذي يسهم من جانبه في المزيد من اضعاف السعر الذي تستهدفه أوبك، وهو دوران في حلقة مفرغة.
لقد أدت أسعار النفط المرتفعة خلال الأعوام الماضية إلى جعل الإنتاج من بعض المناطق ذا الكلفة العالية أمرا ميسورا وله قيمة اقتصادية وتجارية، بل ان تقنية التكسير الهيدرولوجي، التي بموجبها تمكنت صناعة النفط الأميركية من الولوج الى عالم النفط الصخري، وإطلاق إمدادات ضخمة كانت محبوسة في الصخور، نجحت في مسعاها هذا بسبب المعدلات العالية الحالية للأسعار.
رب ضارة نافعة أو العكس!
خلق ارتفاع الأسعار في عقد السبعينيات من القرن الماضي الإمكانية للصناعة النفطية أن تستكشف مناطق لم يكن ممكنا التنقيب التجاري فيها عن النفط من قبل، مثل ألاسكا وبحر الشمال، وأن تنتج منها، الأمر الذي أدى الى نمو الامدادات للسوق من خارج منظومة أوبك، مما شكل ضغطا على السعر الرسمي الذي كانت تحدده المنظمة وقتها وتدافع عنه. وبسبب نمو الامدادات من دول ليست أعضاء في أوبك، ولا تتقيد بسياساتها التسعيرية، فإن سعر برميل النفط في السوق الحرة أصبح يقل عن ذاك الذي تفرضه أوبك، مما دفع الأخيرة الى تقليص حجم إنتاجها أولا، ثم اعتماد أسلوب الحصص الذي يحدد لكل دولة حجما انتاجيا معينا. اتبع هذا النظام لأول مرة في العام 1983، وبموجبه خُصصت للسعودية حصة خمسة ملايين برميل يوميا، بصفتها «المنتج المرجِّح» في المنظمة، الذي يرتفع بإنتاجه ويخفضه حسب حاجة السوق. لكن تلك الصيغة لم تستمر طويلا بسبب عدم تقيد الدول الأعضاء بالحصص التي خصصت لها. ووجدت السعودية نفسها تخفض من معدلات إنتاجها بصورة منتظمة، حتى أصبح يقل عما يُنتج من نفط في بحر الشمال.
فكان أن رفضت السعودية الاستمرار في تحمل دور المنتج المرجح بصورة رسمية، وسعت الى استعادة حصتها في السوق، الأمر الذي أدى الى اشتعال ما عرف بحرب الأسعار في ثمانينيات القرن الماضي، حيث تراجع سعر البرميل الى نحو عشرة دولارات، وهو سعر مورس لبضعة شهور، حتى قررت السعودية بعد تدخل من أميركا (التي بعثت بوفد بقيادة بوش وتبعتها أوبك)، العودة الى استهداف معدل سعري والتخلي عن الحرب المفتوحة لزيادة الحصة في السوق.
ورغم وقف تلك الحرب، الا ان أوبك اتبعت بصورة رئيسية (عدا بعض المراجعات من حين لآخر) استراتيجية زيادة نصيبها في السوق، وعدم الانشغال بالجانب السعري. وأسهم في ثبات هذه الإستراتيجية انه منذ مطلع العقد الماضي، شهدت السوق الآسيوية بقيادة الصين نموا في الطلب لتصبح العنوان الرئيس الذي تتجه اليه الصادرات النفطية.
تقنية التكسير الهيدرولوجي
ارتفاع الأسعار لم يسهم فقط في زيادة الإمدادات من خارج أوبك، وإنما في جعل تقنية التكسير الهيدرولوجي في متناول اليد تجاريا. ونجاحها في الولايات المتحدة يفتح الباب أمام استخدامها في مناطق أخرى، من بينها روسيا، والأهم من ذلك الصين نفسها، التي تسير على طريق الحلول محل الولايات المتحدة كأكبر مستورد للنفط، إن لم تكن قد احتلت تلك المرتبة فعلا. وكل هذا يشكل ضغطا إضافيا على سعر البرميل.
وهذا يعيد طرح السؤال عما إذا كانت أوبك على طريق العودة الى استراتيجية الدفاع عن السعر، وكيفية تحقيق ذلك، في الوقت الذي يتصاعد فيه الانتاج النفطي العراقي، غير المقيد بحصة محددة مثل الآخرين تقديرا لظروفه ووقوعه من قبل تحت الحصار والمقاطعة. ينطبق الامر نفسه، بصورة أو أخرى، على العديد من الدول التي لا تود مراجعة حصصها. ولهذا اعتمدت السعودية، ومنذ وقت طويل، استراتيجية أن تقوم منفردة بلعب دور المنتج المرجح من دون تكليف رسمي من المنظمة، حيث ترفع انتاجها أو تخفضه وفق حساباتها الداخلية. وهو وصل في بعض الأحيان الى عشرة ملايين برميل يوميا، ويزيد حالياً قليلا على تسعة ملايين برميل يوميا. علما ان حجم طاقة السعودية الانتاجية المتوفر يصل الى 12.5 مليون برميل يوميا.
قد تتيح بعض المتاعب السياسية ذات الانعكاسات الأمنية والاقتصادية التي تشهدها العديد من دول المنطقة، هامشا للمناورة أمام المنظمة. فبسبب المقاطعة الاقتصادية الغربية للصادرات النفطية الإيرانية، فإن هناك تراجعا ملحوظا بنحو مليون برميل يوميا في حجم النفط الإيراني الذي يصل الى الأسواق. لقد اسهمت المقاطعة والمتاعب الداخلية في خفض طاقة الإنتاج الداخلية الإيرانية بأكثر من 20 في المئة، فوصلت الى أقل من 3 ملايين برميل يومياً خلال العامين الماضيين. ويعتقد انه حتى لو رُفعت العقوبات، فلن تعود إيران الى سابق عهدها، عندما قارب انتاجها 4 ملايين برميل. كما أن تدهور الوضع السياسي والأمني في العراق وليبيا يمكن أن يسهم في الحد من إمكانية نمو الصادرات النفطية من هذين البلدين، الى جانب بعض المتاعب في نيجيريا وفنزويلا. وهي تشكل مجتمعة هامشا يقلل من الضغط على أوبك لخفض انتاجها.
تفتح التطورات التقنية، إذاً، الباب أمام تدفق إمدادات جديدة يمكن أن تسهم في إضعاف المزايا التي تتمتع بها أوبك، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، لجهة أنها تملك أكبر الاحتياطيات النفطية التقليدية، كما أن كلفة استخراج النفط فيها منخفضة. وتأثير هذا الجانب يتعلق بقدرة المنظمة المستقبلية على دعم سعر البرميل من خلال تحكمها بمعدلات الإنتاج.
Normal
0
false
false
false
MicrosoftInternetExplorer4
/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:"Table Normal";
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-parent:"";
mso-padding-alt:0in 5.4pt 0in 5.4pt;
mso-para-margin:0in;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:"Times New Roman";
mso-ansi-language:#0400;
mso-fareast-language:#0400;
mso-bidi-language:#0400;}