هكذا إذاً. لا يعتزم صندوق النقد الدولي طلب قرض جديد من الجزائر بعد ذلك الذي حصل عليه من بلد المليون شهيد في تشرين الأول/أكتوبر 2012 بقيمة 5 مليارات دولار (نعم 5 مليارات!). لا داعي للهلع، فرئيسة الصندوق، السيدة كرسيتين لاغارد، الوزيرة الحديدية لمرات متتالية في عهد اليمين الفرنسي، تريد إقناعنا بأنها لم تأتِ إلى الجزائر قبل أيام لطلب قرض جديد مماثل، رغم أنها أمضت ثلاثة أيام هناك وسط مظاهر حفاوة مبالَغ بها بإجماع الصحف الجزائرية، متنقّلة بين قصر الرئيس ومقر رئيس الحكومة، والأهم بين مكاتب وزير المالية ومحافظ البنك المركزي. الصندوق ينفي وصحف وأحزاب جزائرية تؤكد التوجه للاقتراض مجدداً من الجزائر النائمة على احتياطي نقدي يقدر بـ 200 مليار دولار، ظلّت في الخزينة بعدما صُرف منها ما صُرف لينجو النظام من بوادر انتفاضة شعبية بدت في 2011 كأنها ستطيح بحكام الجزائر قبل جيرانهم.
هل زيارة لاغارد من أجل قرض جديد، أو هي مجرّد جولة لتحرير شهادة حسن سلوك لحكام الجزائر على «الأداء الجيد لاقتصادهم»، أو لحثهم على الامتثال للمزيد من الوصفات الليبرالية التي أثبتت كارثيتها في كل مكان. قلّما يهمّ. فلنبقَ في القرض الأول، قرض المليارات الخمسة الذي حصل عليه الصندوق، «فخر مؤسسات بريتن وودز»، قبل أشهر أربعة. كيف يمكن للمواطن الجزائري أن يستوعب إقرض دولته صندوق النقد الدولي، وهو يشاهد نسب البطالة بين الشباب ترتفع في بلده إلى 20.4 في المئة؟ عبثية صافية، بما أن هذه النسب صدرت قبل أيام عن صندوق النقد الدولي نفسه.
لماذا لا تنقلب القاعدة وتضع الدول المُقرضة شروطها على الصندوق، مثلما يفعل هو عندما يتسبب بخراب حيوات ملايين البشر بسبب شروط إعادة الهيكلة وإلغاء الدعم التي يفرضها على دول العالم، وهو ما خبره الجزائريون في تسعينيات القرن الماضي؟ إلى متى تبقى الجزائر تلميذاً نجيباً للتقسيم الاستعماري للأدوار المفروضة عليها في دورة الانتاج العالمية، في ما يتعلق بالالتزام بموقع المستهلك للبضائع الأوروبية، وبإنتاج النفط حصراً والامتناع عن التصنيع الثقيل؟ كيف يمكن لهذا «المواطن الصالح» أن يتقبّل السياسات المالية لحكومته، وهو يترقّب المسيرات «المليونية» التي يقودها عاطلون عن العمل في محافظة ورفلة الجنوبية احتجاجاً على وصف رئيس الوزراء، عبد المالك سلال، لهم بأنهم «شرذمة تعمل على تقسيم الجزائر من خلال الحديث عن التمييز بين سكان الشمال والجنوب». طبعاً في الجزائر الخط واضح جداً بين الشمال «الغني» والجنوب «الفقير»، مثلما هو الحال عالمياً. الجنوب الجزائري الصحراوي الذي يحتوي على الآبار النفطية الأكبر في البلاد، لا يجني من ثرواته الطبيعية سوى البطالة وانعدام التنمية والإفقار، بينما تذهب الريوع النفطية إلى مدن الشمال الساحلية خصوصاً. كلام يدركه الجميع، بمن فيهم محرّك البحث «غوغل». لكنه، حين يتحوّل إلى حراك شعبي مطالِب بخلق فرص عمل وبتنمية لامركزية، يصبح بعُرف رئيس الحكومة الجزائرية، «كلاماً تقسيمياً» صادراً عن «شرذمة». والشرذمة طبعاً تتطلب «يداً من حديد». كاد الرجل يقولها