صحيح أنّ قرار محكمة القاهرة القاضي بإعادة حظر جماعة «الاخوان المسلمين» والجمعيات والمؤسسات التابعة لها، غير مفاجئ، وأنه ليس سوى ظاهر المشكلة في مصر، إلا أنّ الحكم السياسي ــ العسكري الذي قُدِّم برداء قضائي، يضيء على مستويات من الفلسفة التي سمحت بخروجه إلى النور. فلكثرة ما كُتب منذ انقلاب/انتفاضة الثالث من تموز/يوليو الماضي، عن مغبّة خلق مظلومية جديدة لدى «الاخوان» تعيد إنتاج شرعية شعبية راكموها طيلة عقود، ثمّ خسروها بسرعة قياسية في عام واحد من الحكم، وأمام كمّ «النصائح» التي وصلت إلى جنرالات مصر من عواصم الغرب بضرورة التعامل بعقلانية ودم بارد مع ملف مصير محمد مرسي وجماعته و«عشيرته»، يصبح من السذاجةً الإصرار على الاعتقاد بأنّ الجيش غافل عن التداعيات الخطيرة لسلوكه حيال الموضوع.
يمكن الاسترسال في شتم الدور السياسي لأي جيش عموماً، وللجيش المصري كذلك، إلا أنّه لا ينبغي لفشّة الخلق تلك أن تطغى على تلمُّس أسس المنطق الذي سمح لمن اتّخذ القرار بأن يذهب فيه حتى النهاية جرياً على قول أرسطو: مَن يقدر على الكثير (إطاحة حكم مرسي وضرب قيادات وجماهير الاخوان)، يقدر على الأقل منه (اتخاذ قرار قضائي إجرائي بسيط يمكن استئنافه وتمييزه). يكشف القرار أنّ الجيش المصري، المكوِّن الرئيس للدولة العميقة منذ القدم، يتصرّف بثقة المدرك أنّ كل شيء فانٍ في «المحروسة»... إلا هو. بالتالي، فمن غير الوارد في حساباته همّ توريث حكّام الغد أزمة تمسّ جوهر الاجتماع السياسي المصري، بما أنّ لا شكّ ينتابه من أنه سيبقى قابضاً على المفاتيح الرئيسية للحكم. وفي هذا فقلّما يهمّ إن وضعته الظروف في واجهة الأحداث، أم ظلّ «الراجل الواقف خلف الرئيس».
تسمح مراقبة ظاهر الأحداث منذ 25 يناير 2011، وصولاً إلى قرار محكمة القاهرة، بملاحظة أنّ الجيش عاد إلى وضعيّة لا ينافسه فيها أي من الأطراف. فلا القوى الثورية تمكنت من تنظيم نفسها وصياغة تصوّر اجتماعي ــ اقتصادي سياسي شامل للحكم، ولا رجال دولة حسني مبارك ـ «الفلول» ـ قدروا على العودة إلى المشهد بسلاحهم الثقيل. أمّا «الاخوان»، فحالهم حال كل من يُوصَف بـ«الإرهاب»، محظور أو مقتول أو مسجون أو مطلوب. تذرير القوى المحتملة، تفتيتها لا إبادتها، هي فلسفة الجيش ليحتفظ لنفسه بصورة ودور الأب الحنون والصارم في آن، المستبدّ العادل بين الأطفال الجاهلين مصلحتهم ومصلحة منزلهم الذي يملك وحده مفتاح بابه الرئيسي. أما حالة القضاء نهائياً على إحدى القوى المحتملة، فمن شأنه الانتقال بالجيش إلى وضعية الديكتاتور الدموي الفارض لسلطة خارجة عن المجتمع، وهو ما يضر بمصلحته في السياسة وفي الاقتصاد. لذلك، مهما اشتدّت حملة ضرب رموز حكم مبارك في الأمس، و«الاخوان» منذ عقود واليوم، لم تصل الحال يوماً إلى الاجتثاث الكامل، فها هو مبارك شبه بريء من التهم الموجهة إليه، وأركانٌ كثر من حقبته يصولون في مواقع قيادية في الدولة والقطاع الخاص، وها هو حزب «الحرية والعدالة» يُستثنى من قرار حظر «الاخوان».
فكرة
مصر: تفتيت لا إبادة
صحيح أنّ قرار محكمة القاهرة القاضي بإعادة حظر جماعة «الاخوان المسلمين» والجمعيات والمؤسسات التابعة لها، غير مفاجئ، وأنه ليس سوى ظاهر المشكلة في مصر، إلا أنّ الحكم السياسي ــ العسكري الذي قُدِّم برداء قضائي، يضيء على مستويات من الفلسفة التي سمحت بخروجه إلى النور. فلكثرة ما كُتب منذ انقلاب/انتفاضة الثالث من تموز/يوليو الماضي، عن مغبّة خلق مظلومية جديدة لدى «الاخوان»
للكاتب نفسه
«شجرة فوبيا»
أرنست خوري 2013-11-27
قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...
ليبيا وضحكة القذّافي
أرنست خوري 2013-11-13
لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...
هكذا تكلّم "الصندوق"
أرنست خوري 2013-10-30
أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....