العجز سمة المرحلة أمام ما تنقله الشاشات على اختلافها من سوريا، وهو عجز لا يُكافَح سوى بتناول المزيد من جرعات التغطية التلفزيونية المسبّبة بدورها له، جرياً على قول الشاعر «وداوني بالتي كانت هي الداء». هكذا، وبسبب سرعة انتقال الحدث في غضون أسبوعين، من مجزرة الغوطة، إلى ملاحقة تصريحات أصحاب القرار في سيناريوهات «ضربة أو لا ضربة غربية على سوريا»، وصولاً إلى أخبار بلدة معلولا في الريف الشمالي لدمشق، تصبح العودة إلى الوراء من خلال ما يوفّره الانترنت من إعادة للقطات التغطيات التلفزيونية المتعدِّدة، لزاماً على كلّ راغب بضبط إيقاع ما فاته. لا ضير في الاكتفاء بذلك من دون الإدلاء برأي لا يقدّم ولا يؤخّر، ما دام أنه «لا رأي لمن لا يُطاع» أصلاً.
سارع الاعلام الرسمي السوري إلى بثّ تصريح لناطق باسم الجيش، في 21 آب/أغسطس، (تاريخ حصول مجزرة الغوطة)، ينفي حصول شيء في تلك المنطقة المحاذية لدمشق، على اعتبار أن الأنباء التي تبثّها الفضائيات المغرضة عن مجزرة كيميائية في الغوطة «كذب ولا صحّة لها». بدا الكلام هزيلاً أمام تفاعل القضية عالمياً، لتبدأ رحلة الاعلام الحربي في صناعة الحدث بمفعول رجعي. ومع تقدّم الحديث عن احتمالات ضربة غربية، نفى وزير الخارجية وليد المعلم استهداف المدنيين واستخدام الأسلحة الكيميائية، معترفاً بقيام الجيش بمهاجمة الغوطة استباقياً «حيث كان يتم التحضير لهجوم كبير على دمشق». نقلة يمكن وضعها في خانة المرحلة الانتقالية، ما بين إنكار «حصول شيء في الغوطة» من جهة، واتهام المعارضة المسلّحة لاحقاً بارتكاب المجزرة من جهة ثانية. لكن بين هذه الرواية وتلك، خرجت مستشارة الرئيس السوري، بثينة شعبان، بتصريح لمحطة «سكاي نيوز» تكشف فيه بالانكليزية «ما حصل»: «خطف الارهابيون أطفالاً ورجالاً من قرى في اللاذقية ووضعوهم في مكان واحد (في الغوطة) واستخدموا الأسلحة الكيميائية ضدهم!». أمام هذا التخبّط، ما كان من الاعلام، غير السوري غالباً، الموالي للنظام، إلا بلورة نظرية تفيد بأنّ المعارضة ارتكبت المجزرة بحق ناسها لتوريط النظام واستدعاء تدخل عسكري خارجي.
أما في معلولا، فجاءت الصفعات متتالية، خلال الأسبوع الماضي، لرواية النظام أنّ «جبهة النصرة» تقتل المسيحيين في البلدة، وتدمّر أديرتهم وكنائسهم. صفعات أتت أولاً على شكل تكذيب رئيسة دير مار سركيس، ومعها بطريرك الروم الأرثوذوكس في سوريا لمقتل أي مدني خلال تواجد المعارضين المسلحين في البلدة، والأهم، من شاشة فضائية «روسيا اليوم» الحكومية، خلال نقلها مباشرةً في السابع من الشهر الجاري قصف الدبابات السورية لدير مار سركيس وفندق السفير المتلاصقين.
الإعلام الحربي موصوف بانعدام المهنية بما أنه، تعريفاً، إحدى أدوات المعركة العسكرية. إلا أنّه يتحوّل أحياناً إلى أداة تدين الجهة التي يُفترض أن تكون تلك الوسيلة الاعلامية في خدمتها... بما أنّ العلم لم يتطوّر بعد إلى درجة تسمح بـ«منتجة» البثّ المباشر.
فكرة
أمام الشاشة
العجز سمة المرحلة أمام ما تنقله الشاشات على اختلافها من سوريا، وهو عجز لا يُكافَح سوى بتناول المزيد من جرعات التغطية التلفزيونية المسبّبة بدورها له، جرياً على قول الشاعر «وداوني بالتي كانت هي الداء». هكذا، وبسبب سرعة انتقال الحدث في غضون أسبوعين، من مجزرة الغوطة، إلى ملاحقة تصريحات أصحاب القرار في سيناريوهات «ضربة أو لا ضربة غربية على سوريا»، وصولاً إلى أخبار بلدة
للكاتب نفسه
«شجرة فوبيا»
أرنست خوري 2013-11-27
قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...
ليبيا وضحكة القذّافي
أرنست خوري 2013-11-13
لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...
هكذا تكلّم "الصندوق"
أرنست خوري 2013-10-30
أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....