ذكّر تخبُّط البرلمان الليبي الجديد ("المؤتمر الوطني العام")، طيلة الأسبوع الماضي، أولاً في إقراره قانوناً يمنح أعضائه الـ 200 الامتيازات المالية نفسها الممنوحة لرئيس الوزراء، ثمّ في إلغائه بعد 3 أيام فقط، بمدى ضخامة المهام الملقاة على عاتق الليبيين: الاتفاق على عقد اجتماعي ينتقل بهم من حالة العيش في بلد، إلى العيش في دولة. في الحدث الأساسي، أي إقرار القانون الوقح، قدّمت ليبيا درساً عن القاعدة الذهبية: الحكّام الجدُد الواصلون إلى مناصبهم غداة انتفاضة أو ثورة متحرِّرة من الايديولوجيا والأحزاب والأفكار "الكبيرة"، والتي حصلت للتخلُّص من السلف الحاكِم المستبدّ وحاشيته، من دون التخطيط المسبَق لما بعد سقوط الديكتاتور، يجنحون طبيعياً، وبدرجات متفاوتة، نحو تقليد سلفهم، تحديداً في مسلكياته التي أدّت إلى الاطاحة به.
لا نقاش في فداحة القرار المُلغى للنواب الليبيين، وما ينطوي عليه من رغبة بامتهان تمثيل المواطنين لتجميع الثروة. فداحة يزيدها واقع بلد (ساعٍ لأن يصبح دولة) مُثقَل بالفقر رغم أنه ينتج 1.6 مليون برميل من النفط يومياً، تعتمد أوروبا الغربية عليه بنسبة 9 في المئة من استهلاكها النفطي. بلد مُتعَب باقتتال عشائري ــ ميليشيوي ــ اجتثاثي مستمرّ (وإن خفَتَ بالمقارنة مع الأشهر السابقة). مُرهَق ببطالة قياسية تطال أكثر من 35 في المئة من السكان، وقد تكون النسبة المئوية من المعوَّقين والمشوَّهين جسدياً منهم بين الأعلى في العالم.
كلّ هذه الفداحة لا تحجب جانباً آخر من المشهد، إذ إنّ تمرير قانون الامتيازات المالية تطلّب جهداً "قانونياً" كبيراً لم تعهده ليبيا ــ القذافي، ولا ليبيا ــ السنوسي. لقد تطلّب الأمر إعداد مشروع قانون ومناقشته وإخضاعه للتصويت، نال تأييد 100 نائب من أصل 140 حضروا الجلسة، فيما تغيّب 60 آخرين. هكذا، تظهر ملامح مؤسساتية "قانونية" حتّى في إعداد قرار يطعن في ثورة 17 شباط/فبراير. كل ذلك يبقى تفصيلاً أمام الوعي الجماعي الليبي الذي تُرجِم بشكل متصاعِد في النقاش العام الذي أثاره قرار النواب المئة. نقاش انتهى بإلغاء القرار ــ الفضيحة، وسحبه من التداول بخجل وبحياء، كون القانون "تضمّن خللاً إدارياً أدّى إلى سوء تفاهم".
وبين تاريخَي إقرار القانون والعودة عنه، وجد معادون للثورات العربية فرصتهم للقول إنّ ما كان يجري في ليبيا ــ القذافي من حكم لـ "الجماهيرية" بإرهاب وجنون "الفاتح"، بلا قانون ولا دستور ولا مؤسسات أو نقاش، يوازي حكم البلاد بزمرة من الحكّام الجدُد الفاسدين، المتسلّحين بأدوات وطقوس الأنظمة البرلمانية أو الجمهورية. الردّ على "نظرية" هؤلاء أتت ولا تزال من الشعوب العربية نفسها بلا نظريات. لم يعد حكام مصر وتونس وليبيا اليوم مطلقي الصلاحيات، لذلك من شبه المستحيل أن يكون حكام البحرين وسوريا الغد كذلك. الرقابة على سلوكهم تسير بصعوبة، لكنها تسير، فبناء الرأي العام والمواطَنة ليس عملية تلقائية.
فكرة
درس ليبي جديد
ذكّر تخبُّط البرلمان الليبي الجديد ("المؤتمر الوطني العام")، طيلة الأسبوع الماضي، أولاً في إقراره قانوناً يمنح أعضائه الـ 200 الامتيازات المالية نفسها الممنوحة لرئيس الوزراء، ثمّ في إلغائه بعد 3 أيام فقط، بمدى ضخامة المهام الملقاة على عاتق الليبيين: الاتفاق على عقد اجتماعي ينتقل بهم من حالة العيش في بلد، إلى العيش في دولة. في الحدث الأساسي، أي إقرار القانون الوقح، قدّمت ليبيا درساً عن القاعدة
للكاتب نفسه
«شجرة فوبيا»
أرنست خوري 2013-11-27
قام تنظيم «الدولة الاسلامية في العراق والشام» (داعش) يوم الجمعة الماضية (22 تشرين الثاني/نوفمبر) بقطع «شجرة الكرسي»، وهي شجرة بلّوط تقع قرب بلدة أطمة السورية، يزيد عمرها عن 160 عاماً،...
ليبيا وضحكة القذّافي
أرنست خوري 2013-11-13
لم يعد لرئيس الحكومة الليبية علي زيدان ما يجرّبه في محاولة إحكام قبضة سلطةٍ مركزيةٍ ما على جزء من أراضي البلاد، إلا التلويح بورقتين انتحاريتين خارجتين عن نطاق الصلاحيات النظرية...
هكذا تكلّم "الصندوق"
أرنست خوري 2013-10-30
أخيراً، خرجت البشارة من بيانات صندوق النقد الدولي: أعلى معدلات نمو اقتصادي في أفريقيا (وربما في العالم) للعام 2013، سجّلتهما ليبيا (16.7 في المئة) ودولة جنوب السودان (69.6 في المئة!)....