ظل وضع المرأة داخل جماعة الإخوان المسلمين محل انتقاد، ليس فقط من جانب أولئك الذين ينتمون إلى التيارات الليبرالية أو العلمانية، ولكن أيضاً من جانب إسلاميين، حيث يرى هؤلاء أن المراة داخل جماعة الإخوان تعاني التهميش والتمييز ولا تتمتع بمكانة مساوية لمكانة الرجل؛ فمنذ تأسيس الجماعة عام 1928، لم تحصل أية امراة على عضوية مكتب الإرشاد، أو مجلس شورى الجماعة، وظلت المرأة الإخوانية بعيدة عن أي منصب إداري قيادي داخل الجماعة.
محاولة غير مكتملة
لذلك، رأى كثيرون الخطوة التي اتخذتها أمينة المرأة في حزب الحرية والعدالة في وسط القاهرة، صباح السقاري، بسحب أوراق الترشح لرئاسة الحزب خلفاً للدكتور محمد مرسي، مجرد خطوة "شكلية" لا تعكس بصورة حقيقة وضع المرأة داخل الجماعة أو ذراعها السياسية، بينما رأت السقاري أنها أبلغ رد على من يتهمون الحزب بإقصاء المرأة أو تهميشها، وخير دليل على المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة داخل الحزب.
محاولة السقاري ــ التي انضمت لجماعة الإخوان المسلمين منذ 22 عاماً، وهي عضو مؤسس بحزب الحرية والعدالة وكذلك عضو في المؤتمر العام للحزب ــ للمنافسة على رئاسة الحزب لم تكتمل، إذ لم تتمكن من الحصول على العدد المطلوب من استمارات التزكية، حيث أن اللائحة الداخلية للحزب تنص على ضرورة الحصول على تزكية مئة عضو على الأقل من المؤتمر العام الذي يضم 1011 عضواً بينهم 70 امرأة، أى بنسبة 6 %من مجمل أعضائه، وهؤلاء هم من يحق لهم الترشح لانتخابات رئاسة الحزب وكذلك انتخاب رئيسه، ومن ثم أصبحت المنافسة محصورة بين اثنين من قياديي الحزب هما عصام العريان القائم بأعمال رئيس الحزب، والذي حصل على 109 تزكيات، وسعد الكتاتني، أمين عام الحزب ورئيس مجلس الشعب المنحل، والذي حصل على 435 تزكية، حيث لم يتمكن ثلاثة آخرون أيضاً، إلى جانب السقاري، من الحصول على عدد التزكيات المطلوب.
وتنفي السقاري أنّ كونها امرأة هو الذي حال دون حصولها على التزكيات المطلوبة، فقد كانت على وشك استكمال العدد المطلوب حيث نجحت – على حد قولها – في الحصول على أكثر من 80 تزكية، وهو عدد أعلى بكثير مما حصل عليه آخرون، ولكنها فضلت الانسحاب في اللحظات الأخيرة لأنها رأت أن د. سعد الكتاتني هو الأقدر على تولي المنصب في ظل التقارب الشديد بين برنامجيهما.
وتضيف السقاري: "المكسب الحقيقى لهذه التجربة التي خضتها أن تشهد أية انتخابات قادمة داخل الحزب إقبالاً أكبر من النساء اللواتي تبلغ نسبتهن في الحزب 25% تقريباً من إجمالي عدد الأعضاء البالغ عددهم 400 ألف عضو على مستوى الجمهورية، كما أنهن يمثلن حوالي ثمن عدد الأعضاء المؤسسين البالغ عددهم 8000 عضو، وهو ما يعني أن وضع المرأة داخل حزب الحرية والعدالة أفضل من أي حزب ليبرالي"، وإن كانت تأمل في أن تنجح المرأة في الوصول إلى مناصب قيادية داخل الحزب، وأن ينافس الحزب بعدد أكبر من المرشحات في انتخابات مجلس الشعب القادمة.
وعن الانتقادات التي توجَّه لوضع المراة داخل جماعة الإخوان، قالت إن الاضطهاد الأمني الذي كانت الجماعة تتعرض له في ظل النظام السابق هو السبب في ذلك، ومن ثم فهي تتوقع أن تزول هذه الأوضاع بزوال أسبابها.
خوف أم نظرة دونية؟
الخوف على المرأة من الاضطهاد الأمني ظل المبرر الذي يسوقه أعضاء الجماعة، من الرجال والنساء على حد سواء، لغياب المراة عن المناصب الإدارية العليا داخل الجماعة. لكنّ الروائية والقاصة انتصار عبد المنعم، في كتابها الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2011 بعنوان "حكايتي مع الإخوان: مذكرات أخت سابقة"، والذي تتحدث فيه عن تجربتها في صفوف جماعة الإخوان المسلمين التي ظلت عضواً فيها لسنوات قبل أن تقرر أن تنشق عنها، تؤكد أن هذا المبرر لا يبدو مقنعاً إذا نظرنا إلى الدور الكبير الذي كانت تلعبه النساء في أية انتخابات تخوضها الجماعة، كمندوبات ومروجات ونصيرات، مما أكسبهن خبرة، وعرفن معنى الاحتكاك برجال الأمن عن قرب. وتتساءل عبد المنعم: لماذا لا تشارك المرأة بدور فعال وإن أصابها مكروه - كالذي أصاب نساء الإخوان من الرعيل الأول مثل زينب الغزالي وحميدة قطب وغيرهما - فعليها تحمّله لأنه اختيارها هي بكامل إرادتها؟ مؤكِّدة أن أسباب هذا التمييز الذي تعانيه المرأة داخل الجماعة تتعلق بالنظرة القاصرة للمرأة داخل التنظيم، حيث لا تُمنح فرصاً مساوية أو حتى مقاربة لفرص الأخ، فأياًَ كانت الدرجة التى يمكن أن تصل إليها المرأة في السلم الإداري، ومهما أثبتت جدارتها في الجوانب الإدارية والتنظيمية، لا بد أن تكون مرؤوسة من "أخ" يكون بيده تصعيدها إلى درجة أعلى أو تجميدها في مكانها أو حتى معاقبتها، وتكون وظيفتها داخل التنظيم تنفيذ خطط موضوعة مسبقاً من قبل الرجال دون مناقشة أو إبداء رأي، وهكذا – وعلى حد قولها - تُمحى شخصية المرأة وهويتها تحت مسمى "الطاعة"، وفي ظل عدم الاعتراف بأنها يمكن أن تعلب دوراً رئيسياً في الحياة إلى جانب دورها الطبيعي المسلم به كأم وزوجة، بل يُنظر إليها على أنها تابع وخادم فقط.
لا تتخذوا التصعيد الإداري معياراً وحيداً
من جهتها، لا تجد نور الهدى سعد رئيسة تحرير مجلة الزهور التابعة لجماعة الإخوان، والعضو المؤسس في حزب الحرية والعدالة، غضاضة في أن تكون المرأة داخل السلم الإداري مرؤوسة من رجل يكون وسيطا بينها وبين القيادات العليا في إيصال التعليمات، حيث ترى أن ترتيب المرأة في السلم الإداري للجماعة لا يُعتبر دليلاً على النظرة الدونية للمرأة، فهذه جوانب إجرائية بحتة لا علاقة لها بموقف الجماعة من المرأة، مؤكدة أن اتخاذ التصعيد الإداري معياراً وحيداً لتقييم مكانة المرأة داخل الجماعة فيه قدر كبير من عدم الموضوعية، لأن هناك معايير أخرى ينبغي أخذها في الاعتبار مثل العدد الكبير للنساء داخل الجماعة بالإضافة إلى تميز المرأة الإخوانية فكرياً ومهنياً، فهناك الطبيبة والصحافية والمحامية. كما أن المرأة داخل التنظيم تقوم بدور كبير في الجوانب الدعوية والتربوية، فوضع المرأة داخل جماعة الإخوان أفضل بكثيرمن وضعها في تيارات إسلامية أخرى على حد قولها، ويكفي حرص الجماعة على إنشاء لجان نسائية بعد أقل من عقد من تأسيسها، إذ أنشئت أولى هذه اللجان عام 1937. وترى نور الهدى أن وصول المرأة إلى مناصب إدارية عليا ليس من أولويات المرحلة، فالأهم حالياً أن تؤهَّل المرأة الإخوانية سياسياً، كما أن عليها قبل أن تقكر في التصعيد الإداري أن تسأل نفسها هل تقوم بدورها داخل بيتها أم لا؟ فلا بد أن تكون الأولوية لدورها كزوجة وأم، حيث أنه ووفقاً لأدبيات الجماعة، ينبغي الحرص على تكوين الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع فالدولة، ولا يمكن بحال من الأحوال إغفال دور المرأة داخل الأسرة أو أن يكون اهتمامها بالتصعيد الإداري على حساب هذا الدور الذي ينظر إليه البعض باستهانة، ويصفونه بأنه "تقليدي". واستبعدت ظهور تيار نسوي داخل صفوف الجماعة يطالب بالمزيد من الحقوق للمرأة لأن ذلك على حد قولها يتطلب وجود قدر من الإجماع على أن حقوق المرأة داخل الجماعة مهضومة، وهو أمر غير موجود، حيث تبقى هذه الآراء في نظرها فردية، كما أن التمرد على التنظيم الإداري للجماعة يتنافى مع الأصول العشرة التي يلتزم بها الأعضاء، ومنها الطاعة والتجرد والثقة في القيادة.
مشكلة مجتمع لا جماعة
"قضية المرأة هي قضية ثقافية في المقام الأول، ومن ثمّ فهي تتجاوز مسألة ما إذا كان الحزب إسلامياً أو ليبرالياً". هذا ما يؤكده د.عمرو الشوبكي الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، مضيفاً أن وضع المرأة في التيارات الليبرالية ليس أفضل حالاً، لأنها مشكلة مجتمع أكثر منها مشكلة حزب أو جماعة، مجتمع تسيطر عليه ثقافة محافظة لا تساعد على تمكين المرأة، مؤكداً أن عدم نجاح صباح السقاري في الحصول على العدد المطلوب من التزكيات كان أمراً متوقعاً، إلا أن ذلك برأيه ليس فقط لكونها امرأة، بل لأنها لم تستطع أن تطرح نفسها كبديل مناسب أو تثبت جدارتها بالمنافسة.
الفكر السلفي يسيطر على التنظيم
يعلق د. عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي، على محاولة صباح السقاري الترشح لرئاسة حزب الحرية والعدالة بأنها خطوة شكلية مثلها مثل ترشيح المرأة للانتخابات البرلمانية حيث يحاول الإخوان من خلال ذلك بعث رسالة للداخل والخارج بأن هناك مساواة بين الرجل والمرأة، وأن هذه الخطوات الشكلية على حد وصفه لا تعني إطلاقاً أن الجماعة غيّرت موقفها من المرأة لأنها مسألة تتعلق بمنهج فكري حيث يُنظر للمرأة على أنها عامل مساعد وليست فاعلاً حقيقياً.
ورغم وجود اجتهادات فقهية وفكرية قدمها فقهاء ومفكرون إسلاميون معاصرون فيما يتعلق بقضايا المرأة، تبدو أكثر انفتاحا وليبرالية، إلا أن الواقع يشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التيارات التي توصف بأنها "إسلامية"، تميل في كثير من الأحيان إلى تبني أفكار محافظة. ويفسر د.عمار ذلك بأن هذه الأفكار يطرحها مفكرون مستقلون ليسوا ضمن الهيكل التنظيمي للجماعة، ومن ثم لا يكون لهم وزن في عملية صناعة القرار التي تسيطر عليها مجموعة محدودة من التنظيميين، تتبنى الفكر السلفي أو القطبي الذي لا ينظر في الغالب للمرأة على أن لها مكانة مساوية لمكانة الرجل.
هنَّ قانعات بالقليل
وعن مدى إمكانية أن يشهد ملف المراة داخل جماعة الإخوان المسلمين إصلاحات حقيقية بعيداً عن هذه الخطوات التي يراها شكلية، يقول د. عمار إن ذلك أمر متوقف على أن يناضل النساء أنفسهن داخل الجماعة من أجل تحسين أوضاعهن لأنهن قدمن تضحيات جسيمة ويلعبن دوراً هاماً داخل الجماعة، لا سيما في عمليات التجنيد والتعبئة. لكن المشكلة في نظره تكمن في أن أغلب هؤلاء النساء يرتضين الوضع الحالي نتيجة الأفكار والآراء الفقهية التي يتبنينها، والتي تجعلهن يقنعن بالدور المساعد من دون أن يحاولن المطالبة بتحسين أوضاعهن، ومن حاولن المطالبة بالمزيد تعرّضن للتهميش أو خرجن من التنظيم، وإن كان يتوقع أن يؤدى وصول الإخوان للسلطة إلى حصول حراك بين صفوف النساء والشباب تحديداً، ومن ثم فإنّ فرص حدوث تحسن حقيقي في وضع المرأة داخل الجماعة تظل قائمة.