مصر: وقائع إهمال التعليم الجامعي والبحث العلمي

الحديث عن الجامعات المصرية اليوم يبدو متشعباً بقدر ما هو مثير للشجن. فهناك العديد من المشكلات التي يواجهها التعليم الجامعي في مصر: تكدس الطلاب الذين يوزَّعون على الكليات المختلفة بناءً على مجموع درجاتهم في الثانوية العامة، مروراً بالمشكلات المتعلقة بأعضاء هيئة التدريس الذين تقل أعدادهم كثيراً عن الحاجة إليهم بالقياس إلى الأعداد المهولة للطلاب، لا سيما مع هجرة بعضهم إلى جامعات أميركية أو
2013-10-30

منى علي علاّم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
أيمن الغامدي - السعودية

الحديث عن الجامعات المصرية اليوم يبدو متشعباً بقدر ما هو مثير للشجن. فهناك العديد من المشكلات التي يواجهها التعليم الجامعي في مصر: تكدس الطلاب الذين يوزَّعون على الكليات المختلفة بناءً على مجموع درجاتهم في الثانوية العامة، مروراً بالمشكلات المتعلقة بأعضاء هيئة التدريس الذين تقل أعدادهم كثيراً عن الحاجة إليهم بالقياس إلى الأعداد المهولة للطلاب، لا سيما مع هجرة بعضهم إلى جامعات أميركية أو أوروبية، أو إعارتهم إلى جامعات عربية، ومع انخفاض المستوى العلمي لبعضهم، وقلة المخصصات المالية، وعدم توافر الإمكانيات والتجهيزات اللازمة، خاصة بالنسبة للتخصصات العلمية من معامل وأجهزة، ومع رداءة المناهج الدراسية، والاعتماد على كتاب وحيد يكون في الغالب كتاب الأستاذ الذي يدرّس المادة، من أجل أن يحصل على الربح من بيع كتابه، واستسهالاً بدلا من الاعتماد على مراجع متعددة، وافتقار المكتبات الجامعية للكتب والدوريات الضرورية، وإحجام الطلاب عن استخدامها استسهالا أيضاً وانسياقاً وراء الأجواء البليدة، علاوة على وقائع الفساد داخل الجامعات.. وعلى ذلك كله، هناك قضية استقلال الجامعة والحرية المتاحة لأساتذتها وطلابها في ظل تدخلات سياسية وأمنية مستمرة. وليست هذه المشكلات وغيرها وليدة اليوم بل يرجع تاريخها إلى سنوات مضت بل إلى عقود، وبعضها موجود منذ إنشاء أول جامعة مصرية منذ أكثر من قرن من الزمان، وأبرزها المحاولات المستمرة من جانب السلطة القائمة للسيطرة على الجامعة، وهذه المشكلات القديمة الجديدة تزداد مع الوقت تفاقماً فيتطور الوضع من سيئ لأسوأ.

نبذة تاريخية

افتُتِحَت الجامعة المصرية ـــ جامعة القاهرة حاليّاً ـــ عام 1908. وفي عام 1925 تحولت من جامعة أهلية إلى جامعة حكومية. وفي عام 1940 صدر قانون بتغيير اسم الجامعة المصرية إلى جامعة فؤاد الأول. وفي عام 1953 (بعد ثورة يوليو) صدر مرسوم بتعديل اسمها إلى جامعة القاهرة. وأنشئت ثاني جامعة مصرية بالإسكندرية عام 1942 وسميت جامعة فاروق الأول (جامعة الإسكندرية حاليّاً)، وأعقبها إنشاء جامعة إبراهيم باشا بمحافظة القاهرة عام 1950 (جامعة عين شمس حاليّاً) ، ثم جامعة أسيوط عام 1957، وتلاها بسنوات إنشاء جامعات أخرى في محافظات مختلفة ليصل عدد الجامعات الحكومية عام 2011 2012 إلى 19 جامعة.
أما الجامعات الخاصة، فكانت أولها الجامعة الأميركية بالقاهرة، التي تأسست عام 1919، واستمرت الجامعة الخاصة الوحيدة لسنوات طويلة. ولكن مع اتجاه السلطة لاحقاً للتوسع في التعليم الخاص، أخذ عدد الجامعات الخاصة في الازدياد منذ التسعينيات ليصل عام 2011 - 2012 إلى 18 جامعة بالإضافة إلى الجامعة الأميركية، يتركز معظمها في محافظتيْ القاهرة والجيزة، ويلتحق بها أبناء القادرين على تحمل تكلفتها الباهظة.

بانوراما بالأرقام

وبحسب الإحصاءات الرسمية لعام 2011ـ2012، يشمل قطاع التعليم العالي في مصر الجامعات الحكومية التسع عشرة، وجامعة الأزهر، والجامعات الخاصة الثماني عشرة، والكليات التكنولوجية (عددها 45)، و13 معهداً حكومياً متوسطاً، و122 من المعاهد العليا الخاصة، والمتوسطة (10)، وثلاث أكاديميات (هي الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، وأكاديمية الفنون) و5 معاهد متنوعة خاصة. وبلغت أعداد الطلاب المقيدين بمؤسسات التعليم العالي في العام 2011-2012، 2.1 مليون طالب ، 51 في المئة منهم في الجامعات الحكومية، و13.4 في المعاهد العليا الخاصة، و12.7 في جامعة الأزهر. وبلغت أعداد متخرجي التعليم العالي 484.4 ألف متخرج، 58.7 في المئة منهم ينتمون للجامعات الحكومية و16.4في المئة للمعاهد العليا الخاصة وذلك عام 2010-2011.
أما بالنسبة لأعداد أعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم بمؤسسات التعليم العالي، فقد بلغت عام 2011 -2012 نحو 97 ألف عضو، نحو 85 ألفاً منهم ينتمون إلى مؤسسات التعليم العالي الجامعي، بينما نحو 12 ألفاً ينتمون إلى مؤسسات التعليم العالي غير الجامعي. وبالنسبة لأعضاء هيئة التدريس بمؤسسات التعليم العالي الجامعي فإن 81.9 في المئة منهم ينتمون للجامعات الحكومية، و10.4 في المئة لجامعة الأزهر ، و5.4 في المئة للجامعات الخاصة ، و1.7 في المئة للأكاديميات.
وتشير إحصائية صادرة عن وزارة التعليم العالي حول نصيب عضو هيئة التدريس من الطلاب (ويشمل عضو هيئة التدريس الأستاذ والأستاذ المساعد والمدرس) إلى أن عضو هيئة التدريس بكلية الزراعة يحظى بأقل نصيب من الطلاب بإجمالي 6.3 طلاب لكل عضو في المتوسط، في حين يبلغ نصيب عضو هيئة التدريس في كليتي الحقوق والتجارة في المتوسط حوالي 500 و356 طالباً على التوالي، ليعتبر من أعلى الأنصبة مقارنة بالكليات الأخرى وذلك عام 2005-2006.
وتوضح إحصائية أخرى من العام نفسه حول التوزيع الجغرافي للكليات والمعاهد والطلاب أن محافظة القاهرة تأتي في مقدمة المحافظات (27 محافظة) من حيث عدد كل من الكليات والمعاهد والطلاب، إذ استأثرت بحوالي 22.5 في المئة من إجمالي الكليات، وحوالي 25.1 في المئة من إجمالي المعاهد، وحوالي 29.4 في المئة من إجمالي الطلاب، تليها محافظة الجيزة (تقع جامعة القاهرة بمحافظة الجيزة).

إنفاق يداني الصفر

وفي ما يتعلق بالإنفاق العام على التعليم الجامعي في مصر فقد بلغ حجمه 13.5 مليار جنيه (من دون التعليم الأزهري) عام 2011 2012 بما يمثل 25.1 في المئة من إجمالي الإنفاق العام على التعليم، مسجلا تراجعاً عن نسبة الانفاق عام 2006-2007 التي كانت 29.6 في المئة. ومثلت نسبة الإنفاق العام على التعليم الجامعي إلى الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه 0.9 في المئة مقارنة بنحو 1.2 في المئة عام 2006- 2007. بينما بلغت نسبة الإنفاق على البحث العلمي إلى الناتج المحلي الإجمالي 0.24 في المئة (وذلك عام 2007 2008) .
وتشير الإحصائيات الرسمية كذلك إلى ان نسبة الإنفاق على التعليم الجامعي الأزهري إلى إجمالي الإنفاق على التعليم العالي قد تراجعت من 15.1 في المئة عام 1965 1966 إلى 6.7 في المئة عام 2007 2008.
وهذه النسب الضئيلة بشكل مذهل المخصصة للتعليم والبحث العلمي، والتي تسجل على ذلك تراجعاً مطّرداً، تفسر التردي القائم، طالما أن وضع التعليم وإمكانية تطويره كمًّاً وكيفاً يتوقف بالضرورة على ما تنفقه الدولة عليه.

إصلاح جوهري وإلا

«ثمة حتمية لإجراء إصلاح جوهري لنظام التعليم العالي المصري، وإن لم يحدث إصلاح واسع النطاق فسوف يحول ذلك دون التقدم الاقتصادي والاجتماعي في مصر» هذا ما يؤكده تقرير صادر عام 2010 عن التعليم العالي في مصر أعدته منظمة «التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي» بالاشتراك مع البنك الدولي، على أن يتزامن هذا الإصلاح مع إصلاح مماثل للتعليم الثانوي والابتدائي.
ويتناول التقرير قضية الانتقال من التعليم الثانوي إلى التعليم الجامعي حيث يشير إلى أن الاعتماد الكامل على امتحانات الثانوية العامة أساساً وحيداً للقبول في التعليم العالي يحد من الفرص أمام العديد من الطلاب. فقد تكون نتائج الامتحانات انعكاساً لاختلافات في الظروف العائلية و/أو مستوى المدرسة و/أو الوصول إلى الدروس الخصوصية. ولا تضع هذه العملية الطلاب في الأماكن المناسبة لهم، كما أنها تتجاهل قدراتهم الكامنة، ولا يمكن التعويل عليها في التنبؤ بأدائهم الأكاديمي التالي. وإذا كانت الحكومة والجمهور ينظرون إلى نظام الثانوية العامة على أنه يتسم بالشفافية والعدالة، فمن الممكن وفق التقرير - تحسين الوضع بإضافة اختبارات تكميلية تختص بقياس المهارات الذهنية ومهارات التفكير العام.

مناهج جامدة
وموغلة في القدم

ويصف التقرير المناهج التي يستند إليها التعليم الجامعي في مصر بأنها ضيقة النطاق وجامدة وموغلة في القدم في كثير من الأحيان، ومرتبطة بوجهة نظر وحيدة يقدمها المحاضر الذي تشكل مذكراته محتوى البرنامج الذي يُتخذ أساساً للتقييم. كما يهيمن التركيز على حفظ المحتوى على تنمية الفكر الناقد ومهارات التحليل، إذ يعتمد التقييم على استرجاع المحتوى بدلا من البرهنة على ارتفاع مستوى مهارات التفكير. ويؤكد التقرير أن الجامعات والمعاهد الحكومية أصبحت تعاني من عجز شديد في الموارد لجهة أعضاء هيئة التدريس، والبنى الأساسية، والمعدات، والمواد التعليمية، وذلك نتيجة الضغوط التي تقع على عاتق هذه المؤسسات التي استوعبت النمو في قيد الطلاب من دون زيادة التمويل بما يتناسب مع هذا النمو، فالجمع بين الالتحاق المتزايد السريع ونقص الموارد يؤدي إلى زيادة تدهور مستوى الجودة، كما أن التمويل المخصص للبحوث الجامعية منخفض جداً مما يقيد قدرة الجامعات على الاضطلاع بدور مهم في توليد المعرفة ونشرها.

الجامعة وسوق العمل

ثمة زيادة مفرطة ومزمنة في عدد متخرجي الجامعات، وبخاصة في العلوم الإنسانية والاجتماعية. ويعجز معظم المتخرجين عن الحصول على عمل في مجال دراستهم، كما يلتمس العديد منهم العمل في الخارج لاكتساب الخبرة العملية والدخل. ويشير التقرير إلى عدم كفاية التهيئة للعمل نتيجة لعدم اتصال المناهج بسوق العمل، والافتقار إلى التدريب على المهارات العملية، ومن ثَم يكون من الضروري - وفق التقرير - الاهتمام بربط التعليم الجامعي بسوق العمل، وإمداد الطلاب بمعلومات عن العرض والطلب في سوق العمل لمساعدتهم في تحديد خياراتهم التعليمية، مع أهمية مشاركة أرباب العمل والهيئات المهنية في تصميم المقررات وتقييمها. في المقابل يحذر بعض المختصين من اختزال أهداف التعليم في تلبية احتياجات سوق العمل أو قصر وظائفه على تكوين فرد يمتلك المهارات التي يتطلبها سوق العمل بشروطه العولمية، من دون التفات إلى وظائفه المجتمعية.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

قصّة "هَدِية" مع الميراث

في زيارتي الأولى في العام 2016 ركّزتُ على التقصير الحكومي ونقص الخدمات الأساسية، وفي الثانية (2021) عملتُ واحتككتُ أكثر بموضوعات تتعلق بثقافة وسلوكيات الناس أنفسهم هناك: ختان الإناث، قتل النساء...

أوضاع صعبة يواجهها الوافدون السودانيون في مصر وعلى حدودها

قالت مفوضية اللاجئين إنه حتى 15حزيران/ يونيو الفائت، تمّ تمويل برنامج الاستجابة السريعة للأزمة السودانية، الذي يشمل مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى، بنسبة 15 في المئة فقط...