الفريكة ملـكة الـمائـدة الفـلســطينية

على مر السنين، زرع فلاحو بلادنا القمح معتمدينه ركيزة أساسية للحياة. أما الأرز فلم يعرفه المطبخ المحلي بشكل شائع إلا مع دخول الجيوش الأجنبية إلى المنطقة. ومن هنا جاء المثل الشعبي القائل: "العزّ للرزّ والبرغل شنق حاله". وإلى جانب البرغل ابن القمح الذي "شنق حاله"، تأتي الفريكة، وهي عبارة عن قمح أخضر يمكن أن يطهى مع اللحم أو من دونه. والفريكة أكلة معروفة في بلاد الشام والعراق وسائر دول حوض المتوسط،
2012-08-08

شارك
زحمة تحضير الإفطار في مخيم شاتيلا، بيروت (مصطفى جمال الدين)

على مر السنين، زرع فلاحو بلادنا القمح معتمدينه ركيزة أساسية للحياة. أما الأرز فلم يعرفه المطبخ المحلي بشكل شائع إلا مع دخول الجيوش الأجنبية إلى المنطقة. ومن هنا جاء المثل الشعبي القائل: "العزّ للرزّ والبرغل شنق حاله". وإلى جانب البرغل ابن القمح الذي "شنق حاله"، تأتي الفريكة، وهي عبارة عن قمح أخضر يمكن أن يطهى مع اللحم أو من دونه. والفريكة أكلة معروفة في بلاد الشام والعراق وسائر دول حوض المتوسط، وتعتبر من أشهر وصفات المطبخ الفلسطيني.
عن الفريكة تحدّثني أمي، هي المولودة لأب فلسطيني وأم لبنانية جنوبية، والتي عاشت طفولتها وشبابها في مخيم عين الحلوة. تقول أمي إن المنطقة المحيطة بالمخيم شرقاً، والمعروفة اليوم باسم "الفيلات"، كانت في السابق مساحات من حقول القمح ونباتات الفول الأخضر. كان أطفال مخيم عين الحلوة آنذاك يقصدون حقول القمح في موسم الحصاد وينتظرون أن يغفل الحصّادون عن سنبلة أو سنبلتين فيغنم الصغار حبوب القمح الخضراء اللذيذة المشويّة أي "الفريكة"، وهي حبوب القمح الخضراء التي تحصد قبل نضجها ثمّ تعرض للحرارة في سنابلها لاستخراج حبوب القمح مشوية ذات نكهة مدخّنة رائعة قبل أن يتمّ جرشها لتصير مثل البرغل.
يبدع الفلسطينيون في تقديم الفريكة مطبوخة مع قطع اللحم أو الدجاج، أو مطهوة جيداً للحساء. وهي تعتبر من الأكلات الغنيّة التي يكرّم بها الضيوف، كما تقدّم في جميع المناسبات، من أفراح وأتراح. وفي رمضان تشارك الفريكة الأطباق الرمضانية التقليدية المعروفة، كالفتوش والشوربة على أنواعها، وأهمها شوربة العدس الذي عادة ما يرافقها صحن من الكبّة النية، وهي أكلة تصنع من اللحم المفروم بشكل ناعم، أو الأصح المسحوق، الممزوج بالبهارات والبرغل الناعم. وتبعاً لميزانية العائلة، تتنوّع ألوان الطعام في المائدة الرمضانية من الطبخات الشائعة في بلاد الشام كالملوخية، التي غالباً ما يفتتح الصائمون بها الإفطار في اليوم الأول للصيام، تفاؤلاً بلونها الأخضر وما فيه من دلالات على الخير. في الشراب، كان لنقوع "قمر الدين" شعبية أكثر من الجلاب والتمر هندي. وبطبيعة الحال تتربّع القطائف على عرش الحلويات الرمضانية، وتجاورها حلوى مصنوعة من العجين المقلي وتدعى الزلابية، وحلويات شرقية أخرى كالمشبّك والعوّامات (لقمة القاضي) والسفوف والنمّورة. أما وجبة السحور فكان لها سحر خاص، إذ يقبل أهالي المخيم على تناول الطعام الحلو المذاق كالمربى والزبدة والحلاوة الطحينية، إلى جانب اللبنة والجبنة الصفراء والزيتون المكبوس منزلياً والمناقيش. ومن طفولتي التي قضيت أولى سنيّها في دارنا في المخيّم، ما زلت أسمع صوت المسحّر في حارتنا الجميلة التي سكنّاها، إلى أن أصيبت أمي في غارة اسرائيلية هناك، وقرر والداي الرحيل للمدينة طلباً لأمن لم يستتب.
بالعودة للفريكة، جدير بالذكر أنها دخلت مؤخراً المعترك الاجتماعي السياسي في صراع إثبات وجود. فمع مطلع العام الحالي، نشرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية مقالا بعنوان "إليكم الفريكة: الحبوب الحَدَث للعام 2012 "، نقلا عن مدونة للطباخة الإسرائيلية فيريد غوتمان، وهي يهودية من أصول روسية، وتدير حاليا في الولايات المتحدة مطعماً يحمل اسماً شرق أوسطياً بامتياز (Cardimom and Mint)، أي "هال ونعناع" . تقول غوتمان في تدوينتها: "لسنوات، لاحظ الاسرائيليون، وهم المهتمون بمتابعة فنون الطبخ، شهرة الفريكة في البلاد. وبالرغم من أنها معروفة منذ قرون، إلا أنها قدمت للناس مجددا من قبل الطباخ الشهير إيريز كوماروفيسكي، الذي تعرّف على الفريكة من العرب المقيمين في الجليل. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأنا نرى الفريكة في كل مطعم أنيق وفي كل دكان في تل أبيب". وتتابع غوتمان شارحة كيفية صناعة الفريكة وطرائق تقديمها المختلفة، من دون أن يفوتها ذكر أنها من مأكولات الشرق الأوسط الأقدم تاريخياً، محددة أنها وردت في نصوص من "سفر اللاويين". أمّا التعليقات التي تبعت ذلك المقال، فقد أتت من فلسطينيين وعرب غاضبين نعتوا غوتمان بالسارقة، في محاولات إنقاذ لـ"فلسطينية" الفريكة أو "عروبيتها"، قبل أن يتمّ السطو عليها كما حصل مع الفلافل والحمّص!

رمضان ولغة الطعام

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....