يمثل سكان العشوائيات 43 في المئة من سكان المدن في الدول النامية، بينما تصل النسبة في البلدان الأفقر إلى 73 في المئة. وسيصل تعداد الأحياء الفقيرة والمهمشة في الحضر إلى حوالي ملياري نسمة بحلول عام 2030، ما يمثل 40 في المئة من سكان المدن في العالم. وستزيد إلى حوالي ثلاثة مليارات نسمة عام 2050. هذا ما يقوله تقرير لمنظمة الصحة العالمية بعنوان «مليار صوت: الإنصات والاستجابة للاحتياجات الصحية».
العشوائيات في العالم العربي
يحذر تقرير حديث بعنوان «حالة المدن العربية 2012، تحديات التحول الحضري»، (صادر عن برنامج «الموئل» التابع لمكتب الامم المتحدة الإقليمي والمتخصص في المناطق المأهولة)، من الضغوط التي ستواجهها مدن المنطقة العربية في المستقبل القريب، فيقول: «يشكل السكان دون سن الخامسة والعشرين ما نسبته 53 في المئة من الإجمالي السكاني في المنطقة، ولذلك فإن مستويات الطلب على توفير كل من فرص العمل والمساكن لأولئك الشباب سوف تشكل المزيد من الضغوط على النظم الحضرية. كما يعد توفير السكن اللائق والميسور التكلفة إحدى التحديات الرئيسية والملحة في شتى أنحاء المنطقة، بما في ذلك في دول الخليج. أما فيما يتعلق بالدول التي شهدت صراعاً متواصلاً، إضافة لارتفاع معدلات الفقر وعدم الاستقرار السياسي ـ كما هي الحال في كل من السودان، والصومال، وجزر القمر، واليمن، ولبنان، والعراق ـ فإن الاتجاهات الديموغرافية تبلورت من خلال انتشار الأحياء المتدهورة، والتي تشكل ما بين 50 و 95 في المئة من مجمل معدلات التحضر».
ويستمر التقرير متحدثا عن بعض العشوائيات، فيقول إن «محدودية عمليات إنشاء المساكن الميسورة التكلفة تُعزى إلى النقص في الأراضي المخدومة والمنخفضة التكلفة ، فضلاً عن صعوبة الحصول على التمويل العقاري لكل من المطورين والمشترين على حدٍ سواء. وقد بلغت الكثافة السكانية في المناطق العشوائية في سوريا ما نسبته 38 في المئة، عدا عن النمو المتواصل لتلك العشوائيات في مدينة دمشق، بمعدل سنوي يتراوح ما بين 40 و50 في المئة. أما في الأردن، فيعيش 16 في المئة من مجمل السكان في الحضر في العشوائيات، في حين تم تقدير الكثافة السكانية في هذه العشوائيات في محيط القاهرة الكبرى بنحو 62 في المئة من مجموع السكان في تلك المناطق.
عشوائيات مبارك
تعتبر مشكلة العشوائيات في مصر من أكثر المشاكل إلحاحاً وخطورة نظراً لما تنطق به من انعدام العدالة الاجتماعية وإهدار الكرامة الانسانية. ويرجع ظهورها إلى ندرة المعروض من الوحدات السكنية المنخفضة التكلفة التي تناسب محدودي الدخل، بالإضافة إلى الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن. وتأخذ المناطق العشوائية أشكالا متعددة، ولكنها جميعا تتفق في نقص الخدمات الأساسية وانتشار التلوث البيئي وارتفاع الكثافة السكانية والافتقار إلى شبكة طرق تربطها بالطرق الرئيسية. ويقول بعض الخبراء إن 39 في المئة من سكان مصر يعيشون في مناطق عشوائية تمثل حزاماً حول المدن المصرية وأحياناً في القلب منها.
وقد نشأت ظاهرة العشوائيات في مصر لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بسياسات التخطيط العمراني، حيث لا وجود لمخطط شامل يحدد النمو العمراني لهياكل المدن القائمة، ما يجعل النمو العشوائي للمدينة أمراً حتمياً مع النمو الطبيعي. ويحدث ذلك خاصة مع انسحاب الدولة منذ السبعينيات من دورها في ضمان توفير الحد الادنى من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للفئات الفقيرة والمتوسطة، وترك الامر لشركات القطاع الخاص، التي تجد فرصا ربحية أكبر في بناء القصور والمنتجعات. وهكذا تضاءلت فرص الحصول على المسكن، سواء من القطاع العام او الخاص. ومع توافر فرص العمل في المدن نتيجة تمركز المصالح الحكومية فيها، أو نتيجة ظهور العديد من الصناعات الحديثة، في الوقت الذي اهمل تطوير القرى وحرم سكانها من كثير من الخدمات، زادت الهجرة الداخلية للأفراد والنزوح من الريف إلى المدن، ولجأ المستثمرون لإقامة مشروعاتهم في المناطق المجاورة للقاهرة والإسكندرية.
يعجز النازحون من الريف عن السكن داخل الكتل السكنية القائمة، فيلجؤون الى أطراف المدن حيث الأراضي الزراعية. هناك أقيمت المساكن العشوائية بتكاليف أقل وبلا أي خدمات. ولكن، مع توسع ونمو المدينة، اصبح كثير من هذه المواقع داخل الهيكل العمراني للمدينة.
ويرى البعض أن الزيادة السكانية الكبيرة في مصر قد ساهمت في ظهور مشكلة الاسكان العشوائي. فقد كان عدد سكان مصر عام 1800 نحو 2.5 مليون نسمة، ثم تضاعف هذا العدد الى حوالي خمسة ملايين في عام 1850، وتضاعف مرة اخرى حتى وصل الى عشرة ملايين في عام 1900. ويؤخذ من نتائج التعدادات ان سكان مصر تضاعفوا مرة ثالثة خلال النصف الاول من القرن العشرين، فقد ازدادوا من عشرة ملايين الى حوالي عشرين مليوناً عام 1950، ثم وللمرة الخامسة وصلوا الى أربعين مليوناً عام 1978، ثم بلغوا العام 2006 حوالى 72 مليون نسمة. ويبلغ عدد سكان مصر 85 مليون نسمة في 2012. استخدمت الحكومات المتتالية في مصر خلال العقود الاخيرة تلك الزيادة السكانية كشماعة لتعليق فشلها في تخطيط وتنمية موارد البلاد. وترافقت مشكلة البطالة، التي تفاقمت منذ السبعينيات، مع تباطؤ ملحوظ في قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة، إذ تُرك لمجموعة من رجال الاعمال الذين لا تحكمهم سوى الرغبة في الربح السريع.
توزيع العشوائيات وأنواعها
يقول تقرير مركز معلومات مجلس الوزراء (أيار/مايو 2008) بعنوان «العشوائيات داخل محافظات جمهورية مصر العربية»، إن مجموع سكان العشوائيات في البلاد يصل الى حوالي 15 مليون نسمة، منهم 6,1 ملايين يعيشون في إقليم القاهرة الكبرى (القاهرة ـ الجيزة ـ القليوبية) ثم تأتي بعد ذلك محافظتا بنى سويف والاسكندرية، ويبلغ سكان العشوائيات في كل منها حوالي 1,5 مليون نسمة. ولا تخلو بعض المناطق الحديثة البناء نسبياً، مثل مدينة نصر، من العشوائيات (167 ألف نسمة)، وحتى المناطق المترفة لا تبعد كثيراً عن حزام العشوائيات، فنجد حوالي 62 ألف نسمة يقطنون في عشوائيات حول المعادي.
هناك «إسكان العشش»، وهي عبارة عن أكواخ من الخشب أو الصفيح أو الكرتون أو القماش أو الطين، مقامة في الشوارع، أو تأخذ شكل تجمعات متلاصقة في مكان أكثر اتساعاً.
وتبدأ رحلة معاناة سكان العشش من انهيار المسكن القديم الذي كانت تقيم فيه الأسرة لأي سبب من الاسباب. ولأن طابور الانتظار طويل، ولأن الدولة ليس لديها من الوحدات السكنية أو حتى وحدات الإيواء ما يمكنه استيعاب المحتاجين، ولأن البعض يفقدون متاعهم، بل وبعض أفراد الأسرة خلال الانهيارات المفاجئة، فهم يعجزون عن دفع المقدمات اللازمة للسكن في إحدى الشقق. وعادة تبدأ الإقامة في الشارع في شكل هيكل خشبي سريع مغطى بملاءات الأسرّة، مع استعمال دورات مياه المنازل المجاورة، ثم يتم التعود على استعمال دورات مياه أقرب مسجد، ثم تبدأ مرحلة أخرى بالتدريج، بتحسين الهيكل الخشبي وتدعيمه بقطع خشبية إضافية وتقوية السقف والحصول على الكهرباء من اقرب مصدر عمومي للإضاءة إذا تيسر ذلك، أو الرحيل بالعشة الخشبية إلى مكان أكثر سعة، عادة ما يكون تجمعاً لمن انهارت مساكنهم في الحي نفسه قبل ذلك. وقد تتطور تلك «العشة» مع الوقت لتصبح بيتا من حجارة أو ما شابه. تنتشر العشش حول المناطق الصناعية في شبرا الخيمة وحلوان وإمبابة، نتيجة لجذب الصناعة للمهاجرين من المناطق الزراعية. كذلك بجوار الترع الواقعة داخل القاهرة الكبرى، أو تلك الممتدة حول المناطق الاثرية مثل سور مجرى العيون، بمحاذاة السكك الحديدية. لا تبعد غالبية العشش سوى أمتار قليلة عن مناطق وشوارع حيوية، ومقار جهات حكومية. ومع إهمالها، ترعرعت داخلها كل أنواع الانحرافات. ففي بيئة الفقر الشديد والغياب الشامل للمرافق العامة والخدمات الامنية، ونظرا لتفشي الأمية بين سكان احياء الصفيح، وافتقارهم الى المؤهلات الفنية اللازمة، فإن معظمهم لم يتمكن من الحصول على عمل دائم...أو حتى على أي عمل!
«مساكن الإيواء» حجرات مساحتها ثلاثة أمتار مربعة مسقوفة بألواح الاسبستوس المعرج، تأخذ شكل صفوف متراصة، يخصص لكل عدد من الحجرات المستقلة دورتا مياه في الوسط، أو تأخذ شكل حجرة أكثر اتساعاً، ملحق بها دورة مياه ومطبخ، بمساحة لا تتجاوز 35 متراً لكل المكونات، أو تأخذ شكل عمارات ذات غرف منفردة.
أما «مساكن القبور» فهي أحسن حالا من إسكان العشش، فهي مصنوعة من الطوب، وأسقفها أكثر متانة، ومساحاتها اكبر، وتدخلها الشمس والمياه والكهرباء، ما يجعلها بيئة صالحة للسكن بشكل أكبر.
«الإسكان العشوائي» هو ما يبنيه الأهالي بلا تخطيط، حيث الشوارع ضيقة وغير ممهدة، لكن المباني من الاسمنت المسلح، وبعضها عمارات ذات طوابق متعددة وتدخلها المرافق بالتدريج، ولذا فإن إيجاراتها مرتفعة وبعضها بالتمليك، وهى تمثل الحل الشعبي لمشكلة الإسكان بعد إخفاق الحل الحكومي.
وأما «الإسكان المشترك»، فنمط آخر شائع في المناطق السكنية القديمة بالمدن، بل وفي المناطق السكنية الجديدة في أطراف المدن، حيث تقيم كل أسرة في حجرة واحدة ذات مساحة ضيقة على أن يستخدم الجميع في كل طابق دورة مياه واحدة، وفى حالات كثيرة تكون دورة المياه بالطابق الأرضي ليستخدمها سكان حجرات كل الأدوار. وهي غير قاصرة على بيوت الأهالي، فهناك من الإسكان المشترك ما أقامته المحليات، حيث تم اقتسام بعض شقق الدويقة ذات الحجرتين بين أسرتين، تستخدمان بشكل مشترك دورة المياه وكذلك المطبخ والصالة.
عشوائية حكومية في مواجهة العشوائيات السكنية
نجد فى التقرير الصادر عن مركز معلومات مجلس الوزراء فى أيار/مايو 2008، أن عدد المناطق العشوائية في مصر العام 2007 قد بلغت1171 منطقة، موزعة على جميع محافظات مصر تقريبا، باستثناء محافظتي أسيوط وجنوب سيناء. وتوضح الدراسة أن التكلفة المطلوبة لتطوير تلك المناطق تبلغ حوالي 3950 مليون جنيه، فى ذلك الوقت. وبعد مرور أربع سنوات، تطالعنا جريدة «المصري اليوم» في 2 كانون الثاني/يناير 2012 بخبر مفاده أن حكومة الدكتور الجنزوري قد اعتمدت 175 مليون جنيه لتطوير 4 مناطق عشوائية فقط. ويعني الخبر ببساطة ان أمامنا عشرات السنين سنمضيها فى سباق بين التوسع المتسارع للعشوائيات والخطوات البطيئة والعاجزة التي تقوم بها الحكومة على استحياء أو استهتار، للحد من المشكلة.
الحلول ممكنة، فمن يتبناها؟
برغم الصورة القاتمة، إلا أن مراجعة بعض السياسات الاقتصادية والاجتماعية، والتخلي عن أفكار العولمة الاقتصادية المنحازة ضد الفقراء، وتوافر الرغبة الحقيقية في الحد من توسع وانتشار العشوائيات، يمكن ان تتحقق من خلال حزمة من السياسات والإجراءات التي تصب كلها في اتجاه العدالة الاجتماعية، ومنها:
1ـ عودة الدولة إلى الالتزام بواجباتها في توفير المساكن والأراضي للأفراد والهيئات والجمعيات بسعر التكلفة، والتخلي عن سياسات الإخلاء القسري التي تتعارض مع حقوق الإنسان.
2ـ وضع سياسة مالية متكاملة تشمل الدعم والإقراض بسعر فائدة مخفض لتمويل الإسكان الاقتصادي والمتوسط، باعتبارها قضية أمن قومي تخص نسبة كبيرة من أبناء الوطن.
3ـ وضع سياسة ملائمة لعودة وزارة الإسكان والهيئات التابعة لها للقيام بواجبها الأساسي لإدارة هذا النوع من الإسكان ويتبعها شركات إسكان تنشأ بالمحافظات على المستوى المحلي.
4ـ إعفاء مشروعات تلك الفئات من رسوم تسجيل الأراضي وتراخيص البناء وتسهيل الإجراءات واختصار الوقت اللازم لذلك.
5ـ إلزام المشروعات الاستثمارية الجديدة بتدبير الإسكان اللازم للعاملين بها حتى يكون الإسكان عنصراً متكاملا مع عملية الانتاج، وتضمين ذلك ضمن شروط قبول دراسات الجدوى الاقتصادية والاجتماعية.
6ـ إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالتعاونيات من جميع جوانبها، بحيث تستعيد دورها الفعال في توفير السكن المناسب لأعضائها وتفعيل الامتيازات التي كانت قائمة لهذا القطاع، سواء في تخصيص الأراضي أو التمويل المصرفي بفوائد ميسرة والإعفاءات الضريبية وما شابه ذلك.
7ـ وضع السياسة اللازمة لترشيد الدعم الموجه للمساكن الاقتصادية والمتوسطة لضمان وصوله لأصحاب الشأن مباشرة من دون وساطة من الشركات الاستثمارية.
8ـ تطوير أساليب البناء واستخدام أساليب حديثة ومتنوعة لخفض التكلفة ووضع حدود معقولة لهوامش أرباح السلع الاستراتيجية المرتبطة بالإسكان كالحديد والاسمنت.
9ـ وضع الأنماط التصميمية الملائمة لإسكان من لا مأوى لهم، بحيث توفر الاحتياجات المادية والاجتماعية والحضارية لهذه الفئات باعتبارهم مواطنين وأصحاب حق.
10ـ فرض ضرائب تصاعدية مرتفعة على الشركات التي تحقق أرباحا بالمليارات من المضاربة بالأراضي والسلع الاستراتيجية، ومنها كل ما يتعلق بالإسكان. وتخصص حصيلة تلك الضرائب للتوظيف مواجهة أزمة الإسكان.