الأحزاب المدنية المصرية.. عود على بدء

قبيل أسابيع من بدء أول انتخابات نيابية مصرية تُنظَّم على ضوء الدستور الجديد، دارت حركة واسعة في معظم الأحزاب المدنية التي تُقدِّم البديل الثالث للمعادلة المفروضة على الواقع المصري: إما العسكر، أو الإسلام السياسي.
2013-02-27

عمر سعيد

صحافي من مصر


شارك
أ ب

قبيل أسابيع من بدء أول انتخابات نيابية مصرية تُنظَّم على ضوء الدستور الجديد، دارت حركة واسعة في معظم الأحزاب المدنية التي تُقدِّم البديل الثالث للمعادلة المفروضة على الواقع المصري: إما العسكر، أو الإسلام السياسي. لعلها استطاعت تجاوز العزلة النسبيّة التي اتسمت بها الأحزاب القديمة (المؤسسة بعد قانون السادات العام 1976)، ولكنها ما زالت تعاني من غياب البرامج السياسيّة الواضحة.

بعد انتهاء المراحل الأولى من الثورة المصرية، ظن السياسيون، وخاصة منهم أولئك الذين طُرحوا كبدائل لرأس النظام المخلوع، أن المستقبل السياسي متاح لهم في إطار ديموقراطي من المنافسة في الاستحقاقات القادمة. وعلى الرغم من النتائج الهزيلة التي نالتها هذه الأحزاب، وبخاصة في الانتخابات البرلمانية، إلا أنها لا تتجه الى قوائم انتخابيّة مشتركة ضد التحالف الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين والتيارات السلفية). بل هي تتبادل الاتهامات بين أطرافها، خاصة بعد قرار أحزاب "التحالف الشعبي الاشتراكي" و"التيار الشعبي" و"الدستور" بخوض الانتخابات جنباً إلى جنب مع عمرو موسى، وزير خارجية مبارك الأسبق، وحزب الوفد، من خلال تحالف "جبهة الإنقاذ الوطني".

وتتعرض جبهة الإنقاذ لانتقادات تتجاوز مجرد مشاركة "الفلول" و"أحزاب مبارك الكرتونية" في استحقاق مهم كالانتخابات النيابيّة. يقول علي المشد، العضو المؤسس بـ"التيار المصري" وعضو اللجنة السياسية لحملة ترشيح عبد المنعم أبو الفتوح: "الخط السياسي للجبهة يسير على نهج النظام، بتحويل الصراع السياسي من صراع على الديموقراطية إلى صراع على الدين"، ويضيف "ينظر النظام إلى أن معارضيه هم أعداء الدين، وتكرس الجبهة ذلك لأن معارضتها للنظام تحصل بسبب صبغته الدينية لا صفته الاستبدادية". كما تواجه الجبهة انتقادات أخرى من نوع اللقاء الذي عقد بين رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي جون ماكين اثناء زيارته الى مصر، ورئيس حزب الدستور محمد البرادعي، والذي وصف بلقاء لمتابعة آخر التطورات السياسية. وكذلك اللقاء الذي دعا إليه الداعية السلفي محمد حسان، وحضرته قيادات الجبهة مثل حمدين صباحي، كمبادرة للم الشمل الوطني قبل الانتخابات.

وعلى الرغم من اقتراب وقت إعلان القوائم الانتخابيّة، إلا أن أحزاب الجبهة بدأت في الدعوات المتبادلة لاستبعاد بعضهم البعض من القوائم. مثلا، طالبت الهيئة العليا لحزب الوفد باستبعاد الأحزاب اليسارية من التحالف، بسبب تصريحاتها العدائية عن مواقف رئيس حزب الوفد السيد البدوي. أو موقف الأخير من حزب "مصر القوية" الذي أسسه المرشح الرئاسي عبد المنعم أبو الفتوح، واصفاً إياه بأنه غير مرحب به في التحالف، بينما أبدى حزب "مصر القوية" استغرابه من هذه التصريحات، مؤكدا "أنه لم يطلب أساسا الانضمام للجبهة" التي تضم رموزاً من النظام السابق.

حزب الدستور

بدأت إرهاصات "حزب البرادعي" في الظهور قبل سقوط مبارك، وهو يوصف بأنه الرجل الذي "عاد إلى مصر من المحافل الدولية ليلقي حجراً في الماء الراكد". وعلى الرغم من أن "الدستور" يوصف بالحزب الأكثر جماهيريّة من بين الأحزاب الجديدة، إلا أنه ينتقد بدءاً من تعريف الحزب بنفسه: "يقوم حزب الدستور على أيديولوجية مصرية بسيطة وجامعة لكافة فئات الشعب المصري"، ويصفه رئيسه محمد البرادعي بأنه "حزب جامع لا ينافس الأحزاب الأخرى". الحالة هذه جعلت الحزب يقع في الاتهام بـ"الميوعة السياسية". هذا إلى جانب أن الحزب تأسس على شهرة عدد من الرموز من أعضائه، مثل أحمد حرارة والروائي علاء الأسواني، وليس على برنامج، أو على هوية فكرية. يعاني الحزب من أزمة تنظيميّة جعلت المئات من "الشباب" يعتصمون احتجاجاً في مقاره، مهددين بإقصاء البرادعي عن رئاسته. وهو حتى الآن لم يبلور الهيكل التنظيمي، واكتفى بتعيين عدد من المسؤولين من دون انتخابهم.

التيار الشعبي

المرشح السابق حمدين صباحي كان من المفاجآت القليلة التي طرحت نفسها بقوة في الانتخابات الرئاسية السابقة، خاصة بعد أن تجاوز منافسه الأقوى عبد المنعم أبو الفتوح، واحتل المركز الثالث بنسبة 20.7 في المئة. وقد رأى مؤيدو صباحي أن المحافظة على شعبيته تتحقق في تأسيس حزب قوي. فكانت ولادة "التيار الشعبي"، الذي ينتهج أفكار الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، إذ ضم المؤتمر التأسيسي له عشرات الآلاف من المشاركين. وعلى الرغم من أن التيار الشعبي، كمعظم الأحزاب، لم ينته بعد من تحديد هيكل تنظيمي واضح، إلا أن له واحداً من أكثر البرامج السياسية تماسكاً، يدعو إلى دور قوي للدولة في الإدارة الاقتصادية، وهو ممتلئ بروح القومية العربية. وهذا ما جعله من بين أكثر الأحزاب الجديدة شعبية، خاصة في قرى الدلتا والشمال.

حسام مؤنس، المتحدث الإعلامي باسم التيار، قال إن العمل مع أطراف مثل عمرو موسى وحزب الوفد ضمن ما عرف بـ"جبهة الإنقاذ الوطني" كان ضرورياً في معركة الدستور، "لكن هذا يختلف عن الانتخابات النيابية، لأن البرامج السياسية النابعة من أفكار الحزب مختلفة تماماً عن أطراف الجبهة". موضحاً أن أحزاب اليسار قد تكون أقرب إليه من الأطراف الليبرالية التي تضمها الجبهة. وعلى الرغم من هذا التحليل، حسم التحالف الشعبي أمره، وقرر خوض المعركة الانتخابية من خلال قوائم جبهة الإنقاذ الوطني، رافضاً التعليق على الأمر أو تبريره.

التحالف الشعبي الاشتراكي

هو حزب يساري يسعى لتجاوز خلافات اليسار التقليديّة، لإعادته كمنافس سياسي قوي على الساحة المصرية. تأسس التحالف الشعبي بعد أسابيع من سقوط مبارك، وهو يضم عدداً من التيارات السياسية، منها "تيار التجديد الاشتراكي"، (مجموعة يسارية راديكالية انشقت عن تيار "الاشتراكيين الثوريين" قبل سنوات)، وبعض رموز "حزب التجمع" و"حزب الشعب الاشتراكي"، بالإضافة لعدد كبير من اليساريين المستقلين. وكواحد من أوائل الأحزاب التي تأسست عقب الثورة، شارك التحالف الشعبي في الانتخابات السابقة من خلال قائمة "الثورة المستمرة"، التي ضمت إلى جانبه "ائتلاف شباب الثورة" وبعض التيارات اليسارية. إلا أن التحالف كان له نصيب ضئيل من المقاعد البرلمانية (1.5 في المئة في انتخابات مجلس الشعب، ولم يحصل على مقاعد في مجلس الشورى)، كما أنه تقدم بمرشح في الانتخابات الرئاسية، هو أبو العز الحريري الذي حاز على نسبة 0.17 في المئة من الاصوات.

لم يسلم حزب التحالف الشعبي من الانتقادات، خاصة تلك التي أتت على لسان باقي فصائل اليسار. وكان أبرزها أنه يكرر تجربة حزب التجمع في وجود تباينات فكرية بين أعضائه، مما أدى بذاك للانفجار في نهاية الأمر. كما يتهمه "اليسار الثوري" بالعمل مع فلول "الحزب الوطني" والمتعاونين معهم مثل المرشح السابق للرئاسة عمرو موسى، ومع حزب الوفد، وذلك في جبهة الإنقاذ الوطني التي ستخوض الانتخابات القادمة على القوائم نفسها. إلا أن القيادي بالتحالف الشعبي عماد عطية يرى أن إهمال خلافات اليسار التي تجاوزها التاريخ ضروري في حالة السعي لبناء حزب يساري قوي. كما أنه يرى العمل المشترك مع بعض الشخصيات المثيرة للجدل، كعمرو موسى، هاماً في مواجهة سعي السلطة "لبناء نظام استبداد ديني".

منظمة الاشتراكيين الثوريين

واحدة من القوى السياسيّة القليلة التي تأسست منذ أعوام عديدة ولا تزال تحتفظ بكيانها، هي منظمة الاشتراكيين الثوريين. تأسست المنظمة عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، مؤسسة أفكارها على خط يناهض "رأسماليّة الدولة في روسيا". وظلت المنظمة تحاول النشاط في أوساط العمال والمثقفين طوال فترة حكم مبارك، على الرغم من سريّة هيكلها التنظيمي. وعقب سقوط مبارك، تحولت "المنظمة" إلى "حركة"، خاتمة مرحلة طويلة من السرية. ومنذ تأسيسها، تتعرض منظمة الاشتراكيين الثوريين لسيل لا ينتهي من الاتهامات والانتقادات. بعضها أتى على يد النظام المخلوع (لفق لهم قضية تنظيم شيوعي عام 2003، وطالب بتوقيع أقصى عقوبة قد تصل للإعدام)، وبعضها على يد النظام الحالي، الذي اتهمها بالسعي لإسقاط مؤسسات الدولة. كما أنها لم تسلم من انتقادات "الرفاق اليساريين"، الذين انتقدوا مواقفها من تيارات الإسلام السياسي، خاصة تلك الداعمة لحركة حماس في غزة وحزب الله في لبنان.

لم تكن الانتخابات، أي منها، على جدول اهتمامات الاشتراكيين الثوريين، الأمر الذي سهَّل اتهامهم بالنشاطوية على لسان الجميع. لكن عضو المكتب السياسي هيثم محمدين، يرى أن الأمر اختلف كثيرا هذه الأيام. يقول محمدين "هناك حاجة للمشاركة في العملية الانتخابية، حتى لو بهدف استغلال الدعاية الانتخابية لتمرير الخطاب الثوري للشارع". وهكذا اتخذوا قرار المشاركة في الانتخابات القادمة، لكن على طريقتهم الخاصة. يقول محمدين "ساهمنا مع عمال منطقة السادات الصناعية في تحضير مؤتمر يضم 500 عامل، هم ممثلون لكل مصانع المنطقة، وتم انتخاب ثلاثة منهم ليخوضوا المعركة الانتخابية على مقعد العمال". كما قررت الحركة الدفع باثنين من عمال شركة الغزل في المحلة الكبرى، التي توصف بطليعة العمال المصريين، للدخول في الانتخابات النيابية. بالإضافة لأنها تحضر لمؤتمر شامل لباقي مصانع وشركات المدينة للاتفاق على ممثلين عماليين يشتركون في الانتخابات.

فترة عام وأكثر التي تفصل بين أول انتخابات نيابية في مصر بعد سقوط مبارك، وتلك المقبلة بعد أسابيع، لم تضف الكثير للأداء السياسي للأحزاب المدنية المصرية. فقد أصبح مؤكدا أنها ستتنافس في ما بينها على البرامج السياسية المناهضة للحكم الديني... بينما حسمت الأحزاب الإسلامية أمرها باعتماد التنسيق الكامل بينها.
          
 

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

الحدود المصرية الفلسطينية: سماسرة ومخبرون.. ومتضامنون يبحثون عن نفق

عمر سعيد 2012-11-30

على الحدود المصرية مع قطاع غزة المحاصر، تسقط كل الحسابات السياسية. تسقط مزايدات فصائل المقاومة العربية، وتوجهاتها السياسية، وتشتتها حول من موّل ومن سلّح، وتسقط كل احتمالات التغيير المفترضة على...