سجالات في مصر حول "الأمل" وإحباطه

الإجابة على سؤال "لماذا هذه القبضة الأمنية الآن، وعلى هذه القيادات الشابة، وبهذا الشكل؟" يشير إلى أن ما يجري الآن هو "قتل السياسة في مصر".
2019-07-22

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
إبراهيم الحميد - سوريا

القضية رقم 930 لسنة 2019 نيابة أمن الدولة العليا، المعروفة إعلامياً بـ"إحباط الأمل"، حين داهمت قوات الأمن المصرية بعنف كبير منازل عدد من القيادات السياسية الشابة في مصر. وقبل مرور ساعتين على ذلك، مُرِّر بيان موحد إلى كافة وسائل الإعلام بدأ بديباجة يتوقف أمامها التاريخ واللغة والمعنى، فقد "نجحت الأجهزة الأمنية المصرية في إحباط مخطط الأمل". وجاءت قائمة اتهامات أشد عجباً، فهم القيادات المدنية التي ساهمت في إنجاح حركة تمرد ومظاهرات 30 يونيو/ حزيران 2013، المعروفون بموقفهم من ممارسات جماعة الإخوان المسلمين حين كانت بالحكم، وها هم يُتهمون اليوم بالحصول على "تمويل خارجي، وبالمشاركة في مخطط إرهابي لجماعة الإخوان تحت مسمى "خطة الأمل"، تديره قيادات الجماعة وعناصر إثارية لاستهداف الدولة ومؤسساتها وصولاً لإسقاطها، تزامناً مع الاحتفال بذكرى "ثورة 30 يونيو".

وهكذا انضمت أسماء معروفة، منها النائب البرلماني السابق "زياد العليمي"، وأحد مؤسسي التيار الشعبي، ومدير حملة حمدين صبّاحي الرئاسية "حسام مؤنس"، وقيادات اشتراكية ناشطة بملف العمال مثل "هشام فؤاد" و"حسن البربري" وخبراء اقتصاديون كـ"أحمد تمام" و"عمر الشنقيطي" إلى80 اسماً آخر، بعضهم ينتمي لجماعات الإخوان المسلمين داخل وخارج مصر. حركت دعوى تطالب بالتحفظ على أموالهم جميعاً، إضافة إلى حظر نشاط 13 شركة.

الروايات

كان الخامس والعشرون من حزيران/ يونيو الماضي يوماً طويلاً، بدأ فجراً بتحطيم باب منزل "مؤنس" بكعوب البنادق بدلاً من طرقه على النائمين. انتهى بتباين بين الاتهامات الرسمية التي تم توجيهها خلال التحقيق أمام النيابة العامة، وتلك التي شملها البيان الرسمي لوزارة الداخلية القائم على تحريات أجهزتها. فعلى الرغم من المجهود الذي بذلته قوات الأمن المُداهِمة في جمع كل ما يقع تحت أيديها من داخل البيوت إلى حد ضبط الكتب الدراسية لابن "فؤاد" الذي كان يستعد في صباح اليوم التالي لتقديم امتحان الثانوية العامة. فلا أحراز ظهرت مع المتهمين في النيابة، ولا أي دلائل عن الحصول على تمويل، واقتصرت الاتهامات على "مشاركة جماعة إرهابية في أفكارها" دون تسمية الجماعة، و"نشر أخبار كاذبة" دون تحديد الأخبار.

أما على المستوى السياسي فقد كان رد الفعل الأول هو بيان "الحركة المدنية المصرية" التي طالبت بالإفراج الفوري عنهم، ونفت بشكل قاطع الاتهامات الموجهة إليهم وجاء في متن البيان: "أنه في الوقت الذي تسعى فيه أحزاب ونواب وبرلمانيون وشخصيات وتجمعات سياسية يجمعها الشعور بالمسئولية تجاه البلد أو الرغبة المخلصة في الانخراط في عملية سياسية ديمقراطية، مع الالتزام بالأساليب التي نص عليها الدستور لممارسة العمل السياسي بالطرق السلمية، فوجئنا بهذه الهجمة الشرسة على الرموز الشبابية الجادة الواعية بدورها تجاه وطنها".

قائمة الاتهامات للموقوفين عجيبة، فهم القيادات المدنية التي ساهمت في إنجاح حركة تمرد ومظاهرات 30 يونيو 2013، المعروفون بموقفهم من ممارسات جماعة الإخوان المسلمين حين كانت بالحكم، وهم يُتهمون اليوم بالحصول على "تمويل خارجي، وبالمشاركة في مخطط إرهابي لجماعة الإخوان تحت مسمى "خطة الأمل".

على الرغم من المجهود الذي بذلته قوات الأمن المداهِمة في جمع كل ما يقع تحت أيديها من داخل البيوت. لم تظهر أي أحراز مع المتهمين في النيابة، ولا أي دلائل عن الحصول على تمويل، واقتصرت الاتهامات على "مشاركة جماعة إرهابية في أفكارها" دون تسمية الجماعة، و"نشر أخبار كاذبة" دون تحديد الأخبار.

التفاصيل التي تم تداولها عبر المنصات الإخبارية، وحسابات رسمية لسياسيين وحقوقيين في مصر أجابت عن السؤال الأهم "لماذا هذه القبضة الأمنية الآن، وعلى هذه القيادات الشابة وبهذا الشكل؟". على سبيل المثال، كتب الحقوقي بهي الدين حسن، مدير "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، أن السبب الحقيقي لاعتقال الشباب هو محاولة النظام المصري إجهاض "تحالف الأمل" الذي يضم عدداً من التيارات السياسية والشخصيات العامة الليبرالية واليسارية، والذي كان من المقرر الإعلان عنه خلال أيام في مؤتمر صحافي. وأن الاعتقال جرى بعد ساعات من مغادرتهم اجتماعاً للتحالف تمت فيه مناقشة هيكله وبيانه حول أنّ ما يجري الآن هو "قتل السياسة في مصر".

الرواية تأكدت تفاصيلها فيما بعد. كان هدف التحالف المزمع الإعلان عنه هو الانتخابات البرلمانية تحت قائمة موحدة تضم قوى سياسية رسمية داخل مصر لها موقف مناهض لسياسات النظام الحاكم وجماعة الإخوان، كليهما. وكان أحد الأسماء المطروحة لهذه القائمة الانتخابية هو "الأمل" لكن ذلك لم يرضِ بعض الأطراف بالدولة ووجدت فيه خطراً داهماً.

أمر واقع

الأمل اتهامٌ جميل، لا يُبرِئ المتهمين أنفسهم منه. ليس هم وحدهم، بل كل من لا يزال مهتماً بفعل سياسي سلمي حالم بالتغيير في مصر. فكان رد الفعل سريعاً وبديهياً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، عبر أكثر من وسم إلكتروني منها "الحرية لمعتقلي الأمل" و"إحنا بتوع الأمل"، فكتبت ماهينور المصري المحامية والناشطة المصرية التي تعرضت لتجربة الحبس أكثر من مرة "إذا كانت التهمة هي الأمل، فأنا اعترف فوراً يا سيادة القاضي".

ما يقارب الشهر قد مر حتى الآن، القرارات بتجديد الحبس مستمرة وسط ظروف احتجاز سيئة تعم السجون المصرية، وفي ظل حرارة صيف قاهرة، ومطالب حقوقية وبيانات سياسية تقول: لا نرتضي السجون ولا نخاف منها، ولكن إن كانت مكتوبة علينا، فلن نتوقف على الأقل عن المطالبة بتحسين ظروف الاحتجاز داخلها.

.. قضية لا تزال فصولها قابلة للتطور، بينما يبزغ سؤال واحد من بين الرؤوس السوداء للأحرف المديدة التي تفترش الصفحات: "من ذا الذي يقدر بهذه الحياة على معاداة الأمل؟".

مقالات من مصر

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...