تهميش السياسة؟ ليس بهذه السهولة!

وزراء إسرائيل يرقصون الدبكة على أنغام «تيرشرش». كاظم الساهر وعاصي الحلاني يصفقان لخطاب سياسيّ ضد دولة اليهود في برنامج المواهب THE VOICE. شيش بيش في النقاش الاقتصادي. أما على صعيد الإنجازات البرلمانيّة، فالأنظار تتجه نحو مخالب قطط الشوارع. الحركة الإسلامية دون محجّبات ودون فصلٍ بين الجنسين، والشيخ المرشّح يحكِّم مباراة كرة قدم في الحارة. هذه ليست مشاهد سرياليّة، هذه صور من
2013-01-23

مجد كيّال

كاتب فلسطيني من حيفا


شارك
ملصقات للقوائم الفلسطينية المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية (من الإنترنت)

وزراء إسرائيل يرقصون الدبكة على أنغام «تيرشرش». كاظم الساهر وعاصي الحلاني يصفقان لخطاب سياسيّ ضد دولة اليهود في برنامج المواهب THE VOICE. شيش بيش في النقاش الاقتصادي. أما على صعيد الإنجازات البرلمانيّة، فالأنظار تتجه نحو مخالب قطط الشوارع. الحركة الإسلامية دون محجّبات ودون فصلٍ بين الجنسين، والشيخ المرشّح يحكِّم مباراة كرة قدم في الحارة. هذه ليست مشاهد سرياليّة، هذه صور من الحملات الدعائية للأحزاب الفلسطينية في داخل الأراضي المحتلة عام 1948، في أول انتخابات (نسبيّة في دائرة واحدة) للبرلمان الإسرائيلي ترتكز فيها الدعاية على شبكات الانترنت الاجتماعيّة، وتغوص في ركودٍ يُقلق القيادات ويُخطر بانخفاض نسبة التصويت بين العرب. ومثلما يعيش المجتمع الفلسطيني على هامش المركز الإسرائيلي، تكون الأمور في الانتخابات أيضاً: النقاش السياسي الحاد غائب عن الشارع الفلسطيني، والمعركة تعتمد على قوة التنظيم في توصيل الأصوات إلى الصندوق.

إسرائيليًا: المنافسة حُسمت قبل بدايتها

المعركة الانتخابيّة بين الأحزاب الصهيونيّة تبدو منهكة وبائسة، لم تشهد انتخابات إسرائيلية من قبل حسما واضحا كهذا لمصلحة يمين خارطة الأحزاب: تشرذم سياسي في مركز الخارطة «ويسارها»، ولادة أحزاب جديدة بقيادة شخصيات محوريّة في السياسة الإسرائيلي، على حساب انهيار أكبر أحزاب المعارضة. بهذا الانهيار يواجه الوسط الإسرائيلي توحيد حزب الليكود بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، مع «إسرائيل بيتنا» بقيادة وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، في قائمة انتخابيّة واحدة. وهي خطوة حسمت الانتخابات قبل انطلاقها وتركت أحزاب الوسط واليسار الصهيونيّة مستسلمة ومحبطة ومن دون أسئلة مركزيّة تشكّل أرضية جدل الرأي العام: فهذا يشد الجمهور نحو أهمية الحلول السياسية وإعادة الشرعية الدولية لإسرائيل، وذاك يشد الجمهور نحو أسئلة اقتصاديّة واجتماعيّة بحتة تتجاهل الشأن السياسي تجاهلاً تاماً.

الدعاية الاسرائيلية: «ماذا فعلوا لكم؟»

الأحزاب الصهيونيّة دُحرت في القرى والمدن العربيّة، وإن لم يكن هذا الدحر كاملاً، فلا مفر من استغلال هذه الأحزاب لضائقة الأهالي الماديّة في بعض المواقع، وصرف مبالغ طائلة لتحصيل أصواتهم. لكن بالرغم من ذلك، فلهذه الأحزاب تأثيرها الهام في مزاج الشارع وأسئلته السياسية، وبالتالي في خطاب الأحزاب الفلسطينيّة: «ماذا فعل البرلمانيون العرب من أجلكم؟ إنهم ينشغلون بقضايا الضفة وغزة والنكبة وينسون همومكم اليوميّة». هذا خطاب مهيمن، نفثته الأحزاب الصهيونيّة لزعزعة ثقة الفلسطينيين بقياداتهم السياسيّة. على أرض الواقع تجد الأحزاب نفسها مرغمة على تقديم الإجابات، وقد شهدت هذه الانتخابات ذروة جديدة في التطرق إلى القضايا الاقتصاديّة والاجتماعية، خاصةً من قبل حزب «الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة».
يكسر سؤال «ماذا فعلوا؟» المنطق البسيط للسلطة والمعارضة. فأحزاب السلطة التي تتسبب قوانينها وممارساتها في كل أوضاع فلسطينيي الـ 1948 المعيشية الكارثية، تتهم ممثلي هؤلاء بأنهم لا يعملون لتغيير هذا الوضع. بل يكرّس هذا السؤال نموذج القائد الفلسطيني الذي يخشى الخوض في «القضايا الكبرى»، وينشغل بقضايا الصرف الصحّي. والأخطر من هذا أنه خطاب يجعل من أزمة الصرف الصحي قضية صغيرة وهامشيّة بحيث تُسلخ عن خلفيتها الحقيقية: العنصرية والتمييز بحق الفلسطينيين.

مخالب القطط على جدول الأعمال

اعتمدت الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة - جبهة يقف في مركزها الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ممثلة بأربعة نوّاب في الدورة الأخيرة - في حملتها الانتخابيّة على القضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة بشكلٍ جارف. «أن نعيش بكرامة» كان شعار الحملة التي ركّزت على قضايا الصحة والتعليم والأجور، بينما امتنعت، بدايةً، عن الخوض المباشر والحاد في القضايا السياسية. حاولت الحملة أن تجيب على السؤال المُلحّ: «ماذا فعلوا؟» فركّزت على سلسلة لافتة من الإنجازات البرلمانيّة والقوانين التي سنتها الكتلة البرلمانيّة بشكل خاص عن طريق النائب اليهودي من الكتلة، دوف حنين. وهي قائمة لا تنافسها قوائم إنجازات برلمانيّة لأيّ من الأحزاب العربية الأخرى. من جهةٍ أخرى هاجم معارضو الجبهة هذه الاستراتيجية بوصفها تكرّس الأسئلة الصهيونية التي تحمِّل المظلوم مسؤوليات الظالم. كذلك استغلّ المنتقدون نقطةً لا يمكن إنكارها، وهي أن جزءا جديا من هذه القوانين المعروضة لا يمت بصلة للمجتمع الفلسطيني، فيعرض البعض على سبيل المثال قانون «منع قص مخالب قطط الشوارع دون حاجة طبيّة». النشر حول هذا القانون لقي سخرية حادة من قبل الأحزاب الأخرى لغرابته، وابتعاده عن هموم الجماهير الحقيقيّة، في إشارةٍ إلى أن عدد القوانين وطول قائمة الإنجازات لا يعكسان بالضرورة أهمية العمل.

الشيوعيون واستعادة التأثير

استراتيجية الجبهة الاجتماعيّة/الاقتصاديّة لم تصمد. فرغم الهموم اليوميّة لا تزال السياسة والقضايا الوطنية عصباً مركزياً بين الناس، كذلك عبّرت شخصيّات قريبة من القيادات الحزبيّة عن حاجة تلك القيادات لخطاب سياسي يغذي ظهورها. وقد ظهرت الدعاية السياسيّة مرتبكة وهشّة مقارنةً بوضوح ومنهجيّة الدعاية الاجتماعيّة والاقتصاديّة، فاستعانت الحملة الإعلانيّة بمرشحها السادس وأمين الجبهة العام، أيمن عودة، في فيديو تم تركيبه ليظهر فيه عودة بخطابٍ ناري غاضب على منصة برنامج THE VOICE الشهير. تحت عنوان «أقوى صوت»، عرض عودة هجومه على يهوديّة الدولة أمام عاصي الحلاني وكاظم الساهر، ما اعتبره البعض سخرية مهينة في غير مكانها، إلى جانب أصوات داخلية في الحزب عبّرت عن عدم اتفاق ما جاء في الخطاب مع البرنامج السياسي للجبهة.

تيرشرش والولاء

أطلق حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» ـ الذي أسسه عزمي بشارة مع قيادات من حركة أبناء البلد، وحصل على 3 مقاعد في الدورة الأخيرة ـ حملته الانتخابية بدعاية مفاجئة ضربت الشبكات الاجتماعيّة: فيديو كليب رسوم متحركة للنشيد الإسرائيلي «هاتيكفا»، بتغيير لحن النشيد إلى لحن أغنية «تيرشرش» الشهيرة. في الفيديو يظهر ليبرمان يُغني ويتمايل طرباً على الألحان الشرقيّة، ويهتف بصوت مطربي الأعراس الفلسطينية: «التيكفا نار!» ليهيّج جمهورا من قيادات المستوطنين والأحزاب الصهيونيّة الذين يرقصون الدبكة.
اللجنة البرلمانيّة المسؤولة عن عرض الدعايات الانتخابيّة منعت بث الإعلان الذي يأتي رفضاً لما يسمى بـ«قوانين الولاء»، وهي مجموعة قوانين مطروحة للتصويت تطالب الفلسطينيين بإثبات ولائهم للدولة اليهودية ورموزها شرطًا لمواطنتهم. اللجنة البرلمانيّة منعت عرض الدعاية بسبب «تحقيرها رموز الدولة»، إلى أن توجّه التجمّع للمحكمة العليا من أجل السماح بنشرها.
استغل التجمع، في حملته، الهجمة الشرسة التي شنتها الأحزاب الإسرائيلية على النائبة حنين زعبي، ومحاولة شطب ترشيحها للانتخابات على خلفية مشاركتها في أسطول الحريّة إلى غزة. وعليه، فقد تركزت حملتها الانتخابيّة بدايةً بالتلويح بخطر العنصريّة وضرورة التصدي لها، إلا انها عادت بشيء من المحافظة والخشية إلى التوازن المعهود بين السياسة والقضايا اليوميّة، فعادت المرشحة الثانية حنين زعبي إلى خانة حقوق المرأة، رغم اجتيازها هذه الخانة نحو مكانةٍ قياديّة سياسية متقدمة. كذلك، سحبت الحملة مرشحها الثالث، الخبير الاقتصادي باسل غطّاس، الذي عرضته الدعاية يُغلق طاولة الـ«شيش بيش» في إشارةٍ إلى التوقف عن الاعتماد على الحظ في حياتنا الاقتصادية، وضرورة عرض مخطط اقتصادي واضح. في رسائله السياسية واستراتيجيّته، بدا التجمع خائفاً من المغامرة في تطوير الخطاب وتجديده.

«الإسلاميّة» خارج الـ Facebook

أما القائمة العربية الموحدة، فهي قائمة مركبة من «الشق الجنوبي» للحركة الإسلاميّة، «الحركة العربية للتغيير» و«الحزب الديموقراطي العربي». وهي تمثلت في الدورة الأخيرة بـ4 نوّاب. في خطوة غير مسبوقة، حملت واحدة من دعايات القائمة تطرقاً لقضية لم يسبق طرحها في أي حملة سابقة: أسرى الداخل السياسيين وتحديد الأحكام المؤبدة. دعاية أخرى تتحدث عن العنف، تعرض الشيخ طلب أبو عرار حكماً في مباراة كرة قدم. إعلانان آخران، واحد تم تصويره في مدرسة والآخر في مقهى، يجتمع فيه الصبايا والشباب من دون أن تظهر فيه أي فتاة محجّبة، ما يفتح أسئلة حول توجهات الحركة الإسلاميّة الجنوبيّة وتأثيرها الفعليّ في القائمة.
من جهتها ركزت الحملة الانتخابية للقائمة العربية الموحدة على عرض قضايا سياسية بالأساس، رغم اختفائها من الاعلام الاجتماعي. فالموحدة تعرف أين أصواتها: التنسيق مع شيوخ الحمائل، والتركيز على البنية العائلية، والخطاب الطائفي في المساجد، إضافةً إلى مؤسسات الزكاة الناشطة في القرى، وهذه كلها تغنيها عن الـ«لايك» و«الشير».

مُستعمَر في برلمان المُستعمِر؟

إذاً، ما الذي يفعله الفلسطينيون في البرلمان الإسرائيلي؟ معمعان الانتخابات أقوى من الأجوبة العقلانية عن هذا السؤال. وفي النشرات الانتخابيّة والدعايات، لن نجد ما يتعدّى الأوهام التي تتحدث عن ضرورة التصويت من أجل «التصدي للقوانين العنصريّة»، و«رفع الصوت في عقر دارهم». إن السبب المركزي للدخول في هذه المنافسة هو الحفاظ على هذه التنظيمات السياسية كتنظيمات تقود المجتمع الفلسطيني. فلا مؤسسات فلسطينية مستقلة تُعنى بقضايا الناس اليوميّة والبسيطة، والاعتناء بهذا النوع من القضايا هو شرط أساسي لا يمكن لحركة سياسية شعبية أن تقوم وتناضل من دونه، فيبقى العمل البرلماني يفتح إمكانيات متواضعة من التأثير في هذا الجانب.
من جانب آخر، تستغل الأحزاب تأثر المجتمع الفلسطيني بالأجواء الانتخابيّة لطرح برامجها السياسية ورؤيتها. تستغل نهم الناس للتحدث بالسياسة وتطرق أبواب بيوتهم وتعطيهم البديل الأيديولوجي الذي يبحثون عنه في إطار ارتباطهم بواقع المواطنة.
وصلت نسبة عدم المشاركة في الدورتين السابقتين إلى 47 في المئة و44 في المئة تباعاً، لكن هذه النسب ليست نسب المقاطعين من منطلقات أيديولوجيّة ترفض «إعطاء الشرعيّة للمؤسسة الصهيونيّة»، بل تضمّ بالأساس هؤلاء الذين لا يجدون حزبا يلائم تطلعاتهم أو هؤلاء الذين لا يكترثون للسياسة، أو لا يرون جدوى من التصويت. كما تضم هذه النسب من يرفضون التصويت قبل أن تتوحّد الأحزاب العربيّة في قائمة واحدة (وهو حلم يمضغه الفلسطينيون في كل انتخابات من دون أن يقتربوا من تحقيقه). وقد يكون من بين غير المشاركين أبناء أحياء الفقر والقرى النائية التي لم تجد الانتخابات طريقاً إلى أبوابهم.
حركة المقاطعة المبدئيّة اقتصرت على «حركة أبناء البلد» التي تأسست في بداية السبعينيّات، وتراجع جزء من قيادات الحركة عن موقف المقاطعة مؤسسين حزب التجمّع. لكن هذه الحركة غائبة ولا تمارس نشاطها السياسي حتى بالحدّ الأدنى من توزيع منشور يدعو للمقاطعة أو عقد ندوة مصغرة بهذا الشأن. من جانب آخر، يقاطع الشق الشمالي من الحركة الإسلاميّة (بقيادة رائد صلاح) انتخابات الكنيست، لكنه لا يعلن الدعوة للمقاطعة لتجنّب الخلافات الحزبيّة أو الخوض في هذه المنافسة.
ليست الأحزاب الفلسطينية وحدها معنيّة هذه المرّة برفع نسبة التصويت، بل أيضاً بعض أوساط «اليسار» الإسرائيلي المرتعش أمام الصعود الساحق لليمين. لكن اختلاف منطلقات التصويت يبقى سيّد الموقف، فمنطلقات الأحزاب الوطنيّة للتصويت من أجل تدعيم العمل السياسي الوطني لا يمكن أن تتطابق مع أجندة جريدة «هآرتس» الإسرائيلية التي نشرت، في خطوة غير مسبوقة، افتتاحيّتها باللغة العربيّة، داعيةً لرفع نسبة التصويت عند العرب.

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....

للكاتب نفسه

فلسطين: حقوقيّون في ظلال الـ"درونز"

مجد كيّال 2022-01-06

تلعب إسرائيل دوراً محورياً في تشكيل رؤية الحروب في عصر "الدرونز". فهي اعتمدت في حروبها السريعة بعد حرب 1967، على الارتكاز لسلاح الجو، وقدرات المراقبة والسيطرة عن بعد، وتجنب التوغّل...

لحظة كل الممكنات وكل المخاطر

مجد كيّال 2021-05-26

الحرب العميقة تنطلق على مستويين. الأوّل هو المستوى الأمني، وقد بدأت إسرائيل تسعى إلى ترميم صورة "الوحش" التي كسرناها. ولكن هناك مستوى أخطر: حين تهدأ الأخبار، تبدأ المؤسسة الأمنيّة ببسط...