انتخابات نيسان العراقية... ديموقراطية الموتى !

على نحو مبالغ فيه، يحيلك المشهد الى سنوات ماضية حينما امتلأت بغداد ومحافظات العراق بنفايات ملصقات المرشحين الى مجلس النواب أو مجالس المحافظات ، اكتظت بغداد من جديد ومناطق العراق كافة، بعشرات ومئات الآلاف من «بوسترات» المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات المحلية، التي ستجري في العشرين من نيسان / ابريل الجاري.المرشحون: تقديم يفوق الخيالهذه المرة بدت المنافسات
2013-04-10

وارد بدر السالم

كاتب من العراق


شارك

على نحو مبالغ فيه، يحيلك المشهد الى سنوات ماضية حينما امتلأت بغداد ومحافظات العراق بنفايات ملصقات المرشحين الى مجلس النواب أو مجالس المحافظات ، اكتظت بغداد من جديد ومناطق العراق كافة، بعشرات ومئات الآلاف من «بوسترات» المرشحين لانتخابات مجالس المحافظات المحلية، التي ستجري في العشرين من نيسان / ابريل الجاري.

المرشحون: تقديم يفوق الخيال

هذه المرة بدت المنافسات كبيرة وساخنة بين الأحزاب العاملة في الساحة العراقية، والتي شكلت ائتلافات صغيرة وكبيرة كي تفوز بغنائم النصر الانتخابي، التي بات العراقيون يعرفونها وينفرون منها. فأولى مشكلات هذه الدورة الانتخابية المحلية تجلت بالنفور بين المرشحين (الذين لا يعرفهم أحد) وبين الناس الذين فقدوا الثقة بهذا الحزب او ذاك، لا سيما الأحزاب التي شاركت وتشارك في العملية السياسية منذ عام 2003 الى اليوم.
وإضافة الى مجهولية المرشحين في الحياة العامة، مما يعني عدم تصديق برامجهم الانتخابية (إذا كانت هناك برامج!)، فهناك ظواهر جديدة وغريبة برزت في اعلانات المرشحين،كموضة ترشيح الموتى (!) أو الالتصاق بأسمائهم. فهذه «زوجة المرحوم» فلان ترشح نفسها وتضع صورة المتوفى بدلا من صورتها، ولا أحد يعرف أصلاً من هو المرحوم، وماذا فعل بحياته من أمور وطنية أو اجتماعية، ومعنى أن تضع المرشحة صورة زوجها بدلا من صورتها، ولماذا تنبش المرحوم من قبره وتجعله على ألسنة الجميع، والمتوفى لا يعدو كونه رجلا بسيطاً في الحياة العامة.
وهذا البرلماني الذي ملأ جيوبه بالملايين، يرشح زوجته ويقف الى جانبها في لقطة فيلمية، كأنهما قيس وليلى في صحراء نجد والحجاز. وذلك النائب يدعو الى انتخاب أخيه، والمفارقة أن الشعب لا يعرفه هو فكيف يعرف أخاه.
اما النائبة الفلانية المتخمة حد بلعومها بأموال السحت الحرام، فلا تختلف عن غيرها حينما ترشح زوجها وتظهر معه في لقطة رومانسية تثير الشفقة الى حد كبير. بل وصل الأمر بأحد المرشحين أن يذكر في لافتته العملاقة أن الله تعالى ذكره شخصياً في القرآن الكريم، ويأتي بآية فيها: «... برهان من ربكم» لأن اسم جده «برهان»، فيعني أنه المقصود!
هذه الحالات المنتقاة عفوياً والمؤرشفة صوريا تكشف عن نوع سياسي عشائري أمي مستهتر بحقوق الناس وخدماتهم وأولوياتهم، كأنما أصبحت الانتخابات والترشيح لها مكسباً مالياً وفرصة لا تعوض في الثراء والإثراء ، واصبحت المناصب الخدمية بوجهها السياسي المرتزق توريثا أسرياً تتناوبه الزوجة بعد زوجها والأخ بعد أخيه والأم بعد ابنها، علماً أن الأغلبية الساحقة من هؤلاء لا تمت للعمل السياسي بصلة، وأفضلهم من يقول نصف جملة سليمة، إلا من تدرب على الخطابات المنبرية ذات يوم هنا أو هناك، وامتلك قدرة الخطابة، والتي هي أيضا مفهومة لدى حتى بسطاء الناس ممن اكتووا بنيران الكذب السياسي في خطابه المنبري الفارغ.

هزل

تمضي أيام الدعايات بطريقة ساذجة فيها من الفكاهة المرّة أكثر مما فيها من الجدية المطلوبة. وهي باتت لا تعبّر الا عن خواءات سياسية وعشائرية ومنافذ حزبية تستعطف الناخبين بشكل بائس، مما اثار حفائظ الناس والإعلام، وباتت نكتا يومية على صفحات الفيسبوك والصحف، ووجد رسامو الكاريكاتور فرصهم الذهبية للتعليق والسخرية من النماذج البشرية التي تطرح نفسها الى الانتخابات بطرق غير مجدية، لا تشي ببعد سياسي ولا وطني، أو بامتلاك برنامج انتخابي من شأنه أن يبعث بين المواطنين ولو بصيص امل صغير يتعلقون به ويدفعون به الى الواجهة الانتخابية.

عشائر، عشائر

الولاءات العشائرية المستميتة بترشيح أزلامها، ممن لم يكملوا حتى المدارس، لون آخر جديد في الساحة الانتخابية العراقية. فالعشيرة المعروفة بتعصبها لرجالها تستقتل لدفع هذا او ذاك الى الواجهة السياسية، حتى لو لم يكن سياسياً ولا علم له بأبجدياتها البسيطة، كغنيمة انتخابية وواجهة اجتماعية، فيسبغون على مرشحهم هالة من الفخامة والقدسية. فالعشيرة الفلانية ترشح ابنها المعلم أو الحارس أو المهندس الى هذه الدورة وترفع خلفه بيرق العشيرة بدلا من علم العراق. وتلك العشيرة تناكف غيرها فتعدد خصال مرشحها في حرب بوسترات واضحة، لذلك نرى أن ما وصلنا حتى اليوم من اكتظاظ في الشعارات والاسماء المرشحة هو فجيعة سياسية تضاف الى فجائع السياسة العراقية التي ركبت موجات الدين والطائفية والعشيرة الى أبعد الحدود.
ثمة من يرى أن هناك سعيا لإقصاء العلمانيين عن نصيبهم في الفوز عبر صناديق الانتخابات، بتكثيف الدعايات الانتخابية لمرشحين عشائريين أو دينيين والترغيب لانتخابهم بوسائل متعددة. وشاع أن هناك دفوعات من رشى عينية ومادية مارستها بعض التجمعات الدينية، وهو ما يذكّرنا بتوزيع البطانيات والمدافئ في موسم انتخابي سابق، على جماهير جنوبية لانتخاب كتلة دينية معينة. يومها، يتذكر العراقيون كيف كان شكل الفضيحة السياسية، وكيف كشفت الصحافة هذا النوع من الدجل السياسي الذي ضرب على أوتار الفقر عند شرائح من أهل الجنوب.

حالة صحية ولكنهم لا يعقلون؟

ثمة من يقول إن الغزو العشائري، بطرفيه الجنوبي والغربي، حالة صحية لا تريد الاستئثار بالمناصب، وإنما استنطاق الحالة السياسية الميتة بوجوه جديدة، واستبدال الوجوه القديمة التي ركنت الى واقع الأمر بفعل مناهج أحزابها المتصارعة. ولا يخفى على العراقيين أن كل دورة تأتي بمثل هذه الوعود، وليس هذا كلاما ضد الهامش حينما يريد أن يرتقي الى المركز، فالهوامش تغذي المتن عادة، غير أن أن هناك عدم فهم كما يبدو لوظيفة الهوامش وهي تتسلق الى المركز الوظيفي والحزبي. فالعشائري يستطيع أن يبني جزءا من قريته وريفه ويوطد صلته بالحياة الوطنية على هذا النحو، أما المركز فهو متخم بالوجوه الحزبية المتنافسة على المال العام لا على منطلق الخدمة الوطنية. والديني يستطيع أن يؤسس أخلاقيات اجتماعية ودينية من منبره، وليس شرطاً أن يكون سياسياً وحزبيا. لذا فالانتخابات النيسانية صراع سياسي اجتماعي لا يخلو من النفس الطائفي. وهو صراع هبّ من الهوامش المقصية ليتصدر المركز المثقل بالشعارات والإغراءات .
سبقت هذه الانتخابات شعبياً صور نفسية مجروحة الى حد كبير، فقد أصبح السياسي العراقي مثالا للسطو والنهب واللصوصية والطائفية والمحسوبية والمنسوبية وتفضيل مصلحته الشخصية على المصلحة الوطنية، وأصبح المنصب السياسي بابَ ارتزاق وتحايل ومشاريع اقتصادية وهمية. ومن ثم فمن المتوقع ألا تشهد انتخابات مجالس المحافظات إقبالا مهما، سوى ممن تحزّب وممن له مصلحته في تأشير ورقته الانتخابية لهذا او ذاك من المرشحين.
هذه هي الصور المقرفة: انها انتخابات الموتى!

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

أرسين لوبين في رمضان القديم

ما كان يشدنا الى رمضان أيام زمان هو طقوسه وفرادته، لكونه شهراً متميزاً بكل شيء. ربما هذه نظرة طفولية سريعة لما مضى، فالطفولة اصل الأشياء، وفطرة الأرواح. فمن تلك الطقوس...