حي الطفايلة... نزوح محافظة أردنية

يقيمُ في العاصمة عمّان ما يزيد على خمسين ألف مواطن يعودون في جذورهم الى محافظة الطفيلة ( 180 كيلومتراً جنوب عمّان)، التي نزحوا منها مطلع القرن العشرين ليستوطنوا العاصمة ويؤسسوا فيها مع ثلاثينيات القرن الماضي حياً يحملُ في أسمه نسبة للأصول. السجلات غير الرسمية توثقُ لإقامة ما يقرب من أربعين ألف طفيلي في الحي، فيما ينتشر الباقون في أرجاء العاصمة، وهو الرقم الذي يكبر يومياً بفعل الزيادة
2013-11-19

محمد الفضيلات

صحافي من الاردن


شارك

يقيمُ في العاصمة عمّان ما يزيد على خمسين ألف مواطن يعودون في جذورهم الى محافظة الطفيلة ( 180 كيلومتراً جنوب عمّان)، التي نزحوا منها مطلع القرن العشرين ليستوطنوا العاصمة ويؤسسوا فيها مع ثلاثينيات القرن الماضي حياً يحملُ في أسمه نسبة للأصول. السجلات غير الرسمية توثقُ لإقامة ما يقرب من أربعين ألف طفيلي في الحي، فيما ينتشر الباقون في أرجاء العاصمة، وهو الرقم الذي يكبر يومياً بفعل الزيادة الطبيعية (أي التوالد)، وتلك الطارئة نتيجة النزوح الدائم لسكان المحافظة التي يبلغ عدد سكانها حسب أحدث الإحصائيات 89 ألف نسمة مُسجِلة بذلك أقل عدد سكان بين محافظات المملكة الإثنتي عشرة.
لم يشعر الوافدون الجدد إلى العاصمة بالغربة بادئ الأمر، فالحي الذي أسسوه في أقدم مناطق عمّان حالياً وأعرقها يوم وفودهم يتشابه إلى حد ما مع محافظتهم الأم المبعثرة على الجبال الشاهقة، ليتناثر الحي على جبلين أقل قسوة من تلك التي ألفوها في الطفيلة. وبذلك لم ينسوا وهم يصعدون مشياَ الى بيوتهم العمانية بيوتهم الطفيلية، لِيُعرفَ الحيُ لفرط ارتباطه بالمحافظة كسفارة وينظر إلى قاطنيه كسفراء لمنطقتهم بالعاصمة.

سفارة الفقراء

عرف التاريخ الأردني الحديث نزوحاً جماعياً من مختلف محافظات المملكة إلى العاصمة عمَان مع تأسيس إمارة شرقي الأردن في العام 1921 التي تحولت إلى مملكة بعد الاستقلال في العام 1946. غير أنه لم يشهد نزوحاً بحجم نزوح الطفايلة.
نزح الأردنيون من محافظاتهم طمعاً بالإقامة على مقربة من مقر الحكم الذي اختاره الهاشميون وبحثاً عن أسباب الرزق في العاصمة الناشئة التي سُخرت موارد الدولة لبنائها، ومنهم من نزح للالتحاق بالعمل في مؤسسات الدولة التي تركزت في عمَان أو لطلب التعليم.
لكل ذلك وأكثر نزح الطفايلة. ولحبهم للهاشميين وولائهم لهم ذلك الزمن اختاروا مجاورة قصر رغدان – الذي بناه الملك عبد الله الأول كمقر للحكم والإقامة – ما حسدهم عليه الكثيرون.
لم يكن جوار الملك وحده حافزاً للنزوح، فالمحافظة التي تُعد أقدم مناطق الأردن المأهولة بالسكان قفزت عنها مشاريع التنمية منذ نشأة الدولة حتى يومنا هذا، ما حرم أبناءها فرص العمل بعد ان ذاب رويداً نمط الزراعة والرعي الذي شكل سابقاً مصدر رزقهم، ليقعوا فريسة البطالة التي دفعت عدداً منهم للالتحاق بالجيش وجعلت من عمّان لغالبيتهم مدينة الأحلام والفرص.
نزحت غالبية فقيرة إلى عمّان، وبقي اغنياء المحافظة متجذرين بتراب الطفيلة، يرفضون النزوح الذي استساغه ابناؤهم في سنوات لاحقة بعد ان ضاقت المحافظة بطموحاتهم وأحلامهم.
طموحات لم يعثروا عليها في عمّان التي عملوا فيها بالأعمال الهامشية المعتمدة على الجهد الجسدي، فساهموا في رصف الشوارع وإنارة الطرقات وتنظيف الساحات وغيرها من الأعمال.
حكمت الروابط المناطقية والعشائرية إيقاع الحي عند نشأته، فكان شيوخ العشيرة ورجالاتها الموجِّه والمرجع. ولم يكن الحي يشهد في تاريخه السابق خلافات مستعصية بين أبنائه المنتمين الى نسيج اجتماعي وعشائري واحد، وهي الروابط التي تزعزعت مع مرور الوقت وتزايد عدد السكان، حيث تفككت الولاءات العشائرية الجامعة لمصلحة ولاءات ضيقة تتناحر في ما بينها على المكتسبات والتمثيل في مؤسسات الدولة.

السقوط في وحول التهميش

الحي الذي بدا منسجماً عمرانياً مع مناطق عمّان يوم تأسيسه لم يعد كذلك مع مرور الوقت. توسعت عمّان وتمددت في الاتجاهات الاربعة وأخذت تبتعد عن الحي الذي راح ينكفئ على ذاته. ظهرت بيوت الأغنياء الفارهة وبقي الحي على نمطه العمراني الذي زاد عشوائية مع تزايد القاطنين فيه.
تجاوز التخطيط الحضري لعمّان الحي، فواصل تمدده كيفما اتفق: بناء عشوائي، طرق مهملة وغير مخططة. وكما سقطت محافظة الطفيلة في وحل التهميش سقط حي الطفايلة، حتى الملك الذي كان جواره مغنماً لهم ترك قصر رغدان وانتقل للإقامة في قصر آخر بعيدا عن الحي. تهميش جعل من الحي، مع انطلاق الاحتجاجات في الأردن مطلع العام 2011، بؤرة ساخنة.

كيمياء الحي
الحي المُغلق على قاطنيه بمحض إرادتهم والذي لا يرحب بالزوار والغرباء وينظر إليهم نظرة تعجب تترجمها الألسنة في بعض الحالات، يشكل عالماً خاصاً، عالماً يجنح للانزواء وعدم التفاعل مع محيطه الاجتماعي. ويبدو أبناء الحي للغرباء صفاً متماسكاً منسجماً يلتقي على موقف واحد من مختلف القضايا. حقيقة الأمر غير ذلك.
طفايلة الحي يتناسون خلافاتهم فقط عندما يتضامنون في مواجهة الأحياء المجاورة. بينما هم يتناحرون في ما بينهم على تحقيق المكتسبات الخاصة، وينقسمون في فترات الانتخابات النيابية والبلدية، حيث يتنافس عدد كبير منهم للفوز بمقعد واحد يخصص لمنطقتهم، دون قدرتهم على الوصول لإجماع على مرشح واحد.
شيزوفرينيا الحي تجلت بانعكاس احتجاجات الاردن المطالبة بالإصلاح على سكانه: أعتُبر المعارضون في حي الطفايلة أنهم الأكثر راديكالية في التعبير عن معارضتهم لنظام الحكم مقارنة بالمعارضين في مختلف مناطق الأردن. ومع بلوغ الاحتجاجات ذروتها وظهور ميليشيا البلطجية التي اعتدت على المسيرات الإصلاحية، اتهمت مجموعات من الحي بالوقوف خلفها.
سكان الحي اتفقوا سابقاً على كل شيء ويختلفون اليوم حول كل شيء، إلاّ على أنهم عمّانيون وهواهم طفيلي.

 

مقالات من الأردن

ما تبقّى من «الكرامة»

2018-04-26

في هذا المقال استعادة لمعركة «الكرامة»، ومحاولةٍ التورّط في البنيان السياسيّ الذي أنتجته بالنسبة لفلسطين والأردن، وموقعها من الوعي الصهيوني العام، فضلًا عن تتبّع ظلّها الرسمي وما تبقّى منها اليوم..

للكاتب نفسه

استخدامات متعددة للمساجد في الأردن

يوجد في الأردن 5954 مسجداً ، منها 216 مسجداً تحت الإنشاء. الأرقام كشفت عنها وزارة الاوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأردنية في إحصائيات خاصة بنهاية عام 2013.ويحتل المسجد لدى الأردنيين، الذين...