وهو الشعار الذي راج، بكل بساطة وبلا تفاصيل ووجع دماغ. ومع ذلك، فهناك حوالي 3 مليون كائن مصري (ومصرية) صوتوا ب"لا". نسبتهم أكثر قليلاً من 11 في المئة ممن شاركوا بالتصويت، وهم اتخذوا موقفاً علنياً وطرحوا حجتهم ودعوا الى المشاركة والتصويت بالرفض وليس الى الاكتفاء بالاستنكاف، بغاية بلورة كتلة بشرية واضحة المعالم ورافضة لهذا التعديل. وبالفعل، تجسدت تلك المعارضة الملموسة. وقالت أنها على الرغم من كل ما ارتُكب بحق ابنائها منذ 2011 (على الأقل) والى الآن (وهو فظيع ووَضع مصر في المراتب الدنيا لكل مؤشرات العدالة وحقوق الانسان في العالم)، فهي كتلة موجودة وما زالت تملك حيوية أن تتجه الى أماكن الاقتراع وترفض المسخرة.
..هذا عدا الذين قرروا المقاطعة كموقف نشط هو الآخر، وهم غير محصيين لأنهم لم يشاركوا في التصويت باوراق بيضاء كما في انتخاب الاشخاص (مما له معنى حينذاك).
وهناك أيضاً "غير المبالين"، وأغلبهم لم يكن ممتنعاً بسبب المرض بل لأنه لا يرى جدوى من قول رأيه في هذه الكوميديا العبثية. وتلك الفئتين الاخيرتين معاً نسبتها 55.67 في المئة ممن يحق لهم التصويت، باعتبار أن الارقام الرسمية - وبعد كل التزوير المتوقع والمشهود - قالت ان نسبة المشاركة بلغت 44,33 في المئة ممن دعيوا الى الاقتراع.
ولا ننسى أن من جاء للتصويت ليحصل على "كرتونة" من المواد الغذائية، وهم قاع القاع، كانوا كذلك كثراً، حتى قال البعض في تعليقاتهم إنها "نعم للكرتونة".
55.67+11= 66.67 في المئة لم يؤيدوه إذاً، وهذا رسمياً. ولكن السيسي على الرغم من ذلك سعيد بالنتيجة: 88,83 في المئة ممن شاركوا، أي من ال44.33 في المئة، صوتوا له ب"نعم"! وهكذا رأى العالم كله مدى رسوخ حس المسئولية لدى المصريين في هذا الظرف العصيب (الكلام له طبعاً). أما كيف تمّ الوصول الى هذا الاستنتاج، فلا يهم. كما لا يهم أن الرجل تواضع لله، أو مارس بعض الحذر هذه المرة، فجعل النسبة ضمن الثمانينات في المئة وليس 97 في المئة (وكسور) كما في انتخابات 2018.
ما المهم إذاً؟ أن الريس سيبقى ريساً حتى 2030! فهو عدّل المدة الحالية لرئاسته التي اصبحت 6 سنوات بدلا من أربعة (هذه واحدة من بدع التعديل الدستوري في مصر: أن يُطبَّق على الجاري وليس على المستقبل)، وسيضاف لها في 2024 ست سنوات جديدة، أو هكذا يأمل الريس.
تصدعات الاجتماع المصري، مشاهد وسيناريوهات
21-02-2019
هل مصر بلد فقير حقاً؟
25-10-2018
وأما كل الكلام عن مدى دستورية هذا الاستفتاء وعن كيفية سلقه بحيث لم يفهم الناس شيئاً مما عُدِّل أو تغيّر، فهو في هذا السياق سفسطة باردة. هل كان يجب ايراد المواد المعدلة ضمن بطاقة التصويت ليكون "العامة" على بيّنة من أمرهم؟ هل كان يجب تفصيل التعديلات والتصويت على كل بند من بنودها كما تنص المادة 157 من الدستور الحالي؟ الحاصل أن البطاقة جاءت خالية من كل شرح وتتضمن خانتين: نعم أو لا!
ثم هل كان معقولاً أن يُقر مجلس النواب التعديلات المقترحة عليه بيوم واحد (عوضاً عن الشهر الممنوح له)، وان تحال للاستفتاء العام في اليوم التالي؟ علام العجلة مما يبدو كخوفٍ؟ الله أعلم. أم هو استهتار بالناس وليس خوفاً.. تأجيجٌ لروح التعصب والانحياز بواسطة أبسط الغرائز: مع أو ضد.. علماً أن الضد تلك ترد هنا لزوم "الممارسة الديمقراطية" المتحضرة، أي شكلياً، بينما مجمل الممارسة تقوم على الاستنهاض والتحشيد "العشائري"، ويكفي لهذا رؤية الشعارات تحملها ملصقات ويافطات كبيرة نُصبت في الشوارع.
ولكن، ووسط هذه المعمعة، فهناك بند يستحق الوقوف أمامه: توسيع صلاحيات القوات المسلحة من حماية الحدود والبلاد والدستور الخ.. الى"حماية مدنية الدولة". تبدو "مدنية" هنا وكأنها أخلاق حميدة ينبغي صونها، من قبيل الا يبصق الناس في الشارع أو يبولوا في الاماكن العامة. وإلا فما هي "مدنية" الدولة؟ الكلام فضفاض بما يكفي ليعتبر اجازة للجيش بأن يتدخل في الحياة العامة وفي السياسة.. دستورياً!
يتحصن المستبدون بالقوانين والاجراءات التي يصوغونها على هواهم، وبما يلائم لحظتهم. ثم تأتي رياح لم يرونها ولا احسوا بهبوبها فتقلعهم.. 2011 بعجرها وبجرها، حلوها ومآسيها المريرة. ما حدث في مصر فاق خيال (أو كوابيس) مبارك وابنيه ومعهم "الداخلية" الجبارة والتي صارت مزقاً في الشارع. وما حدث في تونس كذلك مع بن علي وبناته واصهاره وعشيرة زوجته ("الطرابلسية") الذين ظنوا انها دائمة لهم (هذا أن لم نذكر سواهما ممن بادوا وبادت معهم بلادهم أو تكاد). وما يحدث اليوم في الجزائر والسودان..
وغداً؟