صيف اجتماعي حار في تونس

تعود اليوم الاحتجاجات الاجتماعية الى مهدها الاول، بعد ان عرفت البلاد التونسية هدوءا نسبيا، رغم بعض الوقفات ذات الجماهيرية المحدودة. فقد تحركت خلال هذا الصيف سيدي بوزيد، مدينة البوعزيزي التي اشعلت فتيل الثورة منذ ما يقرب من عامين الآن. بدأت التحركات على خلفية تنصيب عمدة موالي لحركة النهضة، تم خلالها ايقاف اثنين من شباب المنطقة بتهم قطع الطريق العام والتخريب. كان هذا التحرك في اجتماعياً
2012-09-05

حسان حاجبي

باحث من تونس


شارك
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا). الآية القرآنية تتمدد على 57 متراً، هو ارتفاع المئذنة الأطول في تونس _مسجد "جارا" في جنوب شرق مدينة قابس الصناعية). كُلّف برسمها الفنان التونسي "السيد" الذي اشتهر بالغرافيتي، نقشها على جدران شوارع بلده أثناء الثورة.

تعود اليوم الاحتجاجات الاجتماعية الى مهدها الاول، بعد ان عرفت البلاد التونسية هدوءا نسبيا، رغم بعض الوقفات ذات الجماهيرية المحدودة. فقد تحركت خلال هذا الصيف سيدي بوزيد، مدينة البوعزيزي التي اشعلت فتيل الثورة منذ ما يقرب من عامين الآن.
بدأت التحركات على خلفية تنصيب عمدة موالي لحركة النهضة، تم خلالها ايقاف اثنين من شباب المنطقة بتهم قطع الطريق العام والتخريب. كان هذا التحرك في اجتماعياً برغم السبب الذي شكل فتيل اشعاله، فقد تبعه خروج الفلاحين الى الشارع، حاملين شعارات تعبر عن تردي أوضاعهم نتيجة الانخفاض الحاد في أسعار منتوجاتهم الفلاحية مقابل ارتفاع أسعار مروحة المواد الأولية. وهم أيضاً عبروا عن رفضهم الاحتكار بعد ان اوصد المستثمرون أبواب مصانعهم وامتنعوا عن شراء الطماطم، واشترطوا قبول الكيلوغرام الواحد بسبعين مليما فقط .
تلى هذا التحرك الفلاحي آخر عمالي مع دخول شهر رمضان، مطالبين بصرف أجورهم التي لم يحصلوا عليها منذ شهرين، وهي أصلاً منخفضة، لا تتجاوز تسعة دينارات في اليوم،ولا تحتسب ايام العطلة الاسبوعية، وكذلك يعمل هؤلاء دون تغطية اجتماعية. بادر العمال الى اقتحام مقر الولاية (المحافظة)، منادين بضرورة اقالة الوالي. ولأن هذا الاخير ينتمي الى "حركة النهضة" وهي بنظرهم الحزب الحاكم، فقد توجه العمال، الى مقر الحزب الحاكم وقاموا باقتلاع اللافتة الاعلانية للحزب. وفي حركة رمزية، تم رميها في الطريق العام والرقص عليها، اضافة الى العبث بمحتويات المقر. كانت كل النداءات تطالب بتوفير الحد الادنى من العيش الكريم في ظل غلاء الاسعار في شهر رمضان، وكذلك بسبب قرب حلول عيد الفطر والموسم الدراسي الذي يثقل كاهل العائلة. جوبهت هذه التحركات بالقمع وتم ايقاف أربعة محتجين.

ولأن التحركات عفوية بالأصل، سارعت الحكومة الى الاستجابة للمطالب حتى لا يعم الاحتجاج كل البلاد، خاصة وان بعض المناطق الاخرى مستها عدوى التحركات، فبادرت الى وقفات احتجاجية مثلما حصل في ولاية "باجة" و"سليانة" من الشمال التونسي.
ولكن تواصل انقطاع الماء الصالح للشرب والكهرباء، أغضب الناس. ولهذه الجهة فقد كانت ولاية سيدي بوزيد سباقة كذلك في التحرك، وأدت الى مواجهات عنيفة مع رجال الامن. تزامنت هذه مع المسيرات الاحتجاجية الليلية بمدن أخرى في المناطق التي اعطت للثورة التونسية بداياتها وشهدائها، حينما شارك فيها نقابيون وسياسيون ينتمون للاتحاد العام التونسي للشغل. ولكن المطالب هنا ركزت على اطلاق سراح الموقوفين والحق في الاحتجاج والتظاهر، والقطع مع القمع وسجن المتظاهرين.
ولكن سرعان ما ابدت "هيئة حماية الثورة" بولاية سيدي بوزيد، و"جبهة 17 ديسمبر للقوى التقدمية" دعمهما للتحركات، ما أنهى المرحلة الاولى العفوية، وانطلقت دعوة لتحرك احتجاجي يوم 9 آب/ اغسطس أطلق عليه "يوم التحرير لتطهير الجهة من حكم حزب حركة النهضة الاستبدادي"!! وجرى التنادي لطرد من اطلق عليه "ثالوث الخراب" (الوالي، ورئيسي منطقة الحرس والشرطة). فجابهت الحكومة هذا التحرك الذي تميز بمشاركة جماهيرية واسعة، بالرصاص المطاطي وبلغاز المسيل للدموع فوقعت اصابات بعضها خطر، بالإضافة إلى الاعتداء على الاعلاميين الذين قاموا بتغطية التحرك. بل تمت مداهمة المستشفى والاعتداء على المصابين والجرحى وايقافهم (الحصيلة اربعين شخصا) بينهم مدونين لاقوا تضامناً من زملائهم على نطاق واسع.
وفي مسار تصاعدي، نادى الاتحاد العام التونسي للشغل في مدينة صفاقس لاسبوع كامل من التحركات، بدأت بقطاع الصحة، ثم البريد والبنوك والنقل... بمعدل ثلاث قطاعات يوميا، تمحورت في القطاع العام فقط. وجاءت هذه التحركات على خلفية إحالة أربعة اشخاص للمحاكمة أمام المحكمة الابتدائية في صفاقس إثر المواجهات التي شهدتها المدينة صفاقس منتصف تموز/يوليو بعد تدخل رجال الامن لفك اعتصام احتجاجاً على تعيين جمال الحكيم مديرا للمستشفى، ما قوبل بالرفض لأنه ينتمي لحركة النهضة، وكان هذا معيار تعيينه، علاوة على قيامه بنشاطات تناهض حرية العمل النقابي، بحسب ما قالت "نقابة اعوان الصحة بالمستشفى الجهوي" بالمدينة.
التحقت سيدي بوزيد بالتحرك، وفي مشهد بات اعتياديا على المدينة، غصت شوارعها بالمحتجين وبوسائل الاعلام، وبلغ الاضراب العام نسبة فاقت التسعين في المئة بحسب تقديرات وسائل الاعلام الرسمية. ولم تخل الشوارع الا حين تم اطلاق سراح جميع الموقوفين وتأجيل النظر في التهم المنسوبة لهم. ومرة اخرى تربك مدينة سيدي بوزيد حسابات الحكومة التي صرحت انها لن تتدخل في القضاء، وان القانون سيكون الفيصل.
يقول المشهد السياسي الحالي في تونس ان الاتحاد العام التونسي للشغل ما زال بوصلة التحركات الاجتماعية. ومن ناحية اخرى، يثير الموقف مسألة عفوية التحركات التي وإن كانت تؤكد مقولة "لا خوف بعد اليوم"، إلا أنها تتسم بتطور تدريجي يجعلها قادرة على جر الاحزاب ونقابات العمال الى الالتحاق بها لتأطيرها، متبنية في الوقت نفسه المطالب المرفوعة.

مقالات من تونس

كيف تعيش تونس الحرب على غزة؟

آخر الشهداء التونسيين مع النضال الفلسطيني محمد الزواري، المهندس التونسي الذي اغتاله "الموساد" أمام بيته في مدينة "صفاقس" (وسط شرق تونس) في كانون الأول/ديسمبر 2016. يومها اكتشف التونسيون ان الشهيد...

للكاتب نفسه

السكن في تونس وأزمة الرهن العقاري

حسان حاجبي 2015-07-23

خلال الأربع سنوات الأخيرة، طرحت في تونس اسئلة "جديدة" تتعلق بالسكن: فهل أزمته مشابهة لازمة المليون عقار المعد للبيع دون مشترٍ في اسبانيا؟ الأرقام في تونس اشارت الى نصف مليون....