إجتماع وارسو: جحا وأهل بيته!

وزير خارجية أميركا مايك بومبيو ونائب رئيسها مايكل بنس يتنافسان على أفضلية كل منهما في تمثيل.. إسرائيل!
2019-02-15

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

الانجاز الوحيد لاجتماع وارسو هو الصورة. الصورة التذكارية لنتنياهو يتوسط (حرفياً) الحضور وعلى جانبيه عرب بعضهم بالعباءة. والخبر الذي يعتلي سواه هو اللقاءات الحميمة بين الرجل وهؤلاء العرب وما يدّعيه من محادثات ثنائية مثمرة معهم. الاجتماع الذي عُقد طوال ثلاثة ايام منتصف هذا الاسبوع في العاصمة البولندية (تفاصيل ضرورية لأنه مرّ إجمالاً بلا تغطية إخبارية ولا إكتراث) دعت اليه الادارة الامريكية واستضافته الحكومة البولندية بطلب من إدارة ترامب. وقاده نائب الرئيس الامريكي مايكل بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو وحضر فيه صهر الرئيس ومستشاره للشرق الاوسط جاريد كوشنر! هكذا، كلهم معاً ودفعة واحدة، وكأن لا عمل لديهم في هذا الكون سوى هذا الاجتماع "الهام"، وقد مُنح عنواناً طويلاً هو "الاجتماع الوزاري لتعزيز مستقبل السلام والأمن في الشرق الأوسط" وتفسيراً للعنوان يتلخص بكلمة واحدة: إيران!

بنس وبومبيو يتنافسان على أفضلية كل منهما في تمثيل.. إسرائيل. ويبدو بومبيو متفرغاً للمهمة بحكم وظيفته، فيتمكن من الطواف في العالم خدمة لها، وهو سبق موعد اجتماع وارسو في زيارة عدد من دول أوروبا الشرقية وسيبقى بعد الاجتماع لاستكمال هذه الزيارات. الغاية هنا هي التأليب على روسيا ومحاولة تعزيز حضور الناتو في هذه الدول، بينما قد لا يمكن توفير حضور عسكري أمريكي مباشر ودائم فيها، كما تحلم به الحكومة البولندية التي تقول صراحة انها استضافت الاجتماع لهذه الغاية. فوزير خارجيتها يشكو عدم ثبات هذا الحضور بقوله "يأتون ويذهبون" – فهو درع صاروخي أمريكي بالدرجة الاولى - بينما المطلوب انشاء قاعدة عسكرية دائمة، الأمر الذي يتطلب موافقة الكونغرس غير المضمونة. والادارة الامريكية من جهتها تجاهد لمنع تحقيق مشروع "نورث ستريم 2" الروسي الذي سينقل الغاز من روسيا الى أوروبا بالانابيب عبر بحر البلطيق... فهو يضايق كثيراً جهود واشنطن في حصار روسيا وفرض عقوبات عليها.

وهكذا يحاول ترامب استعادة دور شرطي العالم، فيكافِئ هذا ويعاقب ذاك، إلا أن المحاولة هزلية، وإن حققت بعض النجاحات كدعم قوى معينة للاستيلاء على الحكم لدى جيران الولايات المتحدة في امريكا الوسطى والجنوبية. وأما في "الشرق الاوسط" كما يسمونه، فترامب عاد الى نغمة سحب قواته من سوريا ليتمكن من العودة الى زيادة عدد قواته في العراق بحجة محاربة الارهاب (حذاري عودة "التفجيرات الارهابية" الى هذا البلد المدمّى!) وفعلياً لكي تكون على مقربة من إيران. وهو يسوِّق لمشروع "صفقة القرن" بخصوص فلسطين التي لم يقبل بها حتى الآن سوى السعودية ومعها الامارات (والاخيرة، بعكس ما تظن في نفسها، غير مهمة). ولكن ليس أي سعودية، بل "الامير الاحمق" الذي ادى مجمل سلوكه (وليس فحسب آخر ما ارتكب أي قتل الخاشقجي) الى هز موقعه داخل البلد نفسه وصار أقل انتشاء. جاريد كوشنر المدلل هو صاحب "صفقة القرن" التي عرضت بعض تفاصيلها في مؤتمر وارسو، بغياب التمثيل الفلسطيني بل بادانة صريحة لهذا الاجتماع من قبل السلطة الفلسطينية. ولكن لا يهم! فنتنياهو قال فيه "العالم العربي منفتح على تطبيع العلاقات الاقتصادية مع اسرائيل بشكل مستقل عن حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي"، مستنداً ربما الى ما سمعه من بن سلمان وبن زايد وقابوس، في جهل فاضح لما هو "العالم العربي".. ولكن الرجل معذور، فهو يخوض انتخابات بعد شهرين ويريد العودة بكأس ما يتباهى بها. وستكون تلك "الصورة" هي المنجز الممكن، وهو يضخّمها وينفخ فيها قدر المستطاع، وبكثير من الكذب بالطبع.

أما دول الاتحاد الاوروبي الأساسية، وعلى رأسها فرنسا والمانيا، بل وحتى بريطانيا حليفة أمريكا الدائمة، فلا توافق على "صفقة القرن" ولا على تخريب الاتفاق النووي مع إيران - حتى بولندا المضيفة اعلنت التزامها به - ولا على انتشار عسكري أمريكي في أوروبا يؤجج السعار مع روسيا.. أي على كل مرتكزات السياسة الامريكية كما يلخّصها بفجاجة عصر ترامب. أرسلوا موظفين الى اجتماع وارسو بل حضر وزير الخارجية البريطاني قائلاً ان ما يهمه هو النقاش الذي يخص اليمن و"الكارثة الانسانية التي سببتها حرب السعودية على اليمن"، ولن يحضر سوى الجلسة المخصصة للموضوع. وغابت كذلك وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغريني. وأما تركيا العضو في حلف الناتو فقالت إن موظفاً من سفارتها في وارسو سيتابع الاجتماع، بينما يلتقي رئيسها أروغان بروحاني وبوتين في قمة تعقد في الوقت نفسه في "سوتشي" بروسيا لاستكمال تفاهمات ما يبدو أنه صار محوراً قوياً!

مقالات ذات صلة

أوروبا لا تعرف مصلحتها كما يبدو، على الرغم من تنبيه بومبيو لها. يقول الرجل من غير دبلوماسية: "هناك مصالح مشتركة بين السعوديين والإماراتيين والبحرينيين والأردنيين والإسرائيليين، والجميع يدرك أن بلاده في خطر من إيران، وقد سمع الأوروبيون الليلة أن بلادهم في خطر أيضاً". ولكنهم لا يتعظون. كما انتقد "التفكير التقليدي الذي يعزل إسرائيل"، باعتبار أن أحد أهداف اجتمع وارسو هو التقريب بين دول الشرق الاوسط.. ما أجاز للبعض الكلام عن "ناتو" آخر جديد قوامه أمريكا والسعودية والامارات وإسرائيل.. مبروك!

المهم.. اجتماع وارسو غير مهم إلا بما ظهّره مجدداً: تهافت السياسة الامريكية.

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...