أقيم في بغداد للفترة من 27 تشرين الثاني/ نوفمبر ولغاية 6 كانون الاول/ ديسمبر معرض الكتاب الدولي بدورته الثانية، وسط لغط كبير، بدأ في تسميته ولم ينتهِ في مقاطعة الكثير من المثقفين العراقيين له وانتقادهم تنظيمه والتعتيم على إقامته واللبس حول الجهة التي تقف خلف ادارته.
بين أن تكون معارض الكتب السنوية مناسبات ثقافية تحتفي بالمنجز والمبدعين، وتعرِّف بثقافة البلد الذي يقام على أرضهِ المعرض، وتخلق مناخات لتلاقح الثقافات، وبين أن تكون أكشاك متجمِّعة في مساحة واحدة لبيع الكتب، بين هذين الأمرين بون شاسع لا يلتقي إلا في نقطة التسمية والشعارات التي تبدو مترهلة أمام مضمون بائس.
فمعرض فرانكفورت للكتاب على سبيل المثال، الذي يقام في المدينة الألمانية خريف كل عام، يعدُّ واحداً من أفضل معارض الكتب الدولية، ليس لمساحة المعرض الكلية، أو لمساحات عرض الكتب وقاعاتها الأنيقة، بل للأنشطة الثقافية المتنوِّعة التي تقدم على هامش المعرض والتي تعدُّ سنوياً ظاهرة ثقافية عالمية.
معرض من وماذا؟
ويبدأ اللغط بخصوص المعرض العراقي من ازدواجية التسمية، فقد حملت بعض اللافتات تسمية «معرض بغداد للكتاب»، فيما حملت أخرى تسمية «معرض الكتاب الدولي». وساهم انحسار أخبار المعرض في وسائل الإعلام العراقية في هذا اللغط، الذي أعطى انطباعاً للبعض أن المعرض هو الدورة الثانية من معرض بغداد الدولي للكتاب الذي أُقيمت دورته الأولى على أرض شركة المعارض في نيسان/ أبريل عام 2011 ، وكان مقرراً أن تقام دورته الثانية في نيسان/أبريل من العام 2012، لكن أسباباً غامضة أدَّت إلى تأجيلها.
معرض للكتاب يفتتحه وزير التجارة!
وعزز اللبس افتتاح المعرض من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي، يصحبه وزير التجارة العراقي، مما حدا بدار الشؤون الثقافية العامَّة إلى إصدار بيان توضح فيه أن المعرض المقام على أرض شركة المعارض التابعة لوزارة التجارة هو معرض دار العارف («تسمية ثالثة»!) ولا علاقة له بمعرض بغداد الدولي للكتاب الذي ستقام دورته الثانية في نيسان/أبريل من العام 2013، ضمن فعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربيَّة.
المثقفون ودور النشر العراقية أبدوا اعتراضات عدَّة بشأن المعرض، منها أنَّهم لم يتلقوا دعوات من الجهة المنظمة، وأن أخبار إقامة المعرض بدأت على هامش افتتاحه من قبل رئيس الوزراء، فضلاً عن افتقاده لأيِّ نشاط مواز، مما حوَّله بالفعل إلى مجموعة أكشاك تجمِّعت على أرض شركة المعارض لبيع الكتب العراقية والعربية، وبأسعار افتقدت إلى المنافسة الحقيقية التي تباع بها في شارع المتنبي، وهو الشارع الرئيس لبيع الكتب في العراق. وعزت دور النشر المشاركة ـ وهي أيضاً قليلة واقتصرت على بضعة أسماء فيما طغت الدور الإسلامية ـ السبب إلى ارتفاع أسعار إيجار الأرض (90 دولاراً للمتر الواحد) وغياب أي دعم لوزارة الثقافة في الشحن أو الإيجار أو أي جانب آخر. وكانت الدورة الأولى لمعرض بغداد الدولي للكتاب العام 2011 قد شهدت نشاطاً ثقافياً قاده «المقهى الثقافي» الذي قدَّم ندوات فكرية وقراءات شعرية واحتفاءات ببعض المبدعين العراقيين كالتجربة المسرحية للمخرج العراقي صلاح القصب. وأما غياب الفعاليات الثقافية عن معرض الكتاب هذا العام فتعطي انطباعاً واضحاً عن غياب التقاليد الثقافية وإغفال محاولات ترسيخها لمصاحبة مناسبات كهذه.
وزير الثقافة والدفاع في آن
غياب التقاليد الثقافية أصبح سمة بارزة في نشاطات وزارة الثقافة العراقية التي يقودها وزير يشغل في الوقت ذاته منصب وزير الدفاع بالوكالة، نتيجة عدم تسمية وزير للدفاع في حكومة المالكي الثانية منذ تشكيلها قبل قرابة العامين ونصف العام، بسبب الخلافات حول اسماء المرشحين. وكذلك هناك غياب مشابه لحقيبة الداخلية وللأسباب نفسها. المقربون من الوزارة يقولون إن جل وقت الوزير مكرَّس لوزارة الدفاع وأن «باشكتبة» وزارة الثقافة مشغولون بأمور كثيرة، لكن لا أمر منها متعلِّق بالثقافة العراقية، بدليل أن أيّاً منهم لم يقم بزيارة المعرض، كما أن الاهتمام الحقيقي بالمعرض جاء من وزارة التجارة ومنتسبيها، مما أعطى انطباعاً في الوسط الثقافي أن الدولة تعامل الكتاب معاملة أي سلعة استهلاكية.
خريف الباشكتبة وربيع المثقفين
العواصف التي ضربت مناخ الثقافة العراقية خلال الأسابيع الماضية تشي بحلول خريف الباشكتبة وربيع المثقف العراقي في فصل واحد، فالمثقفون العراقيون الذين يسجلون الكثير من الملاحظات على اتحاد الأدباء العراقيين، هالهم التهميش والإقصاء الذي تمارسه وزارة الثقافة بحقهم. فقد قاطع أكثر من ثمانين أديباً ومثقفاً قبل أيام «مهرجان بغداد الشعري» الذي وجه دعوات إلى أكثر من خمسين شاعراً عربياً، بينما اكتفى بتوجيه دعوات إلى شعراء منتمين إلى شكلٍ شعري واحد، فضلاً عن انتماء بعض هؤلاء إلى منظومة حزب البعث المحظور في العراق. ولم يكتفِ المثقفون بالمقاطعة بل أصدروا بياناً لتوضيح موقفهم من وزارة الثقافة وباشكتبتها.
معرض فاشل ثقافيا وتجارياً
أيام معرض الكتاب الكئيبة في بغداد انتهت من دون أن يحقَّق أياً من غاياته الثقافية أو التجارية، ولم يتبق سوى بضعة أشهر لإقامة معرض بغداد للكتاب، فهل سيتعلَّم القائمون على المعرض المقبل من أخطاء المعرض الفائت، وهل ثمة من يزيح الغبار عن عقول باشكتبة الثقافة ويخبرهم أن المعارض الجديرة بهذا الاسم لا تكتفِ بنشر ثقافة البلد الذي ينظمها، بل تحتفي كل عام بإحدى ثقافات الشعوب الآخرى كما أنها تنتخب كل عام شخصية إبداعية للتعريف بها وبإنجازاتها معظم نشاطاته، وأن بلدية فرانكفورت مثلاً، وتشجيعاً لزوار المعرض، تمنح حامل بطاقة الدخول إلى المعرض حق التنقل في وسائط النقل العامة في المدينة مجاناً.
المعرض أقيم في خريف هذا العام وفق بلادة الباشكتبة وكآبتهم وتواضع امكاناتهم وعدم اكتراثهم. والمعرض المقبل سيقام في الربيع، فهل سيلتقي مع تجدد حيوية المثقف العراقي الذي بدا غاضباً في الآونة الأخيرة، ووصلت مطالباته إلى تغيير طاقم وزارة الثقافة وزيراًووكلاء؟