منطق القوى المهيمنة: التجزيء والجهل والبراءة المصطنعة!

ليست العلة في "الهوية الوطنية" للاسلحة المباعة والمشتراة، وفي ادعاء ارتكاب "مخالفات" في استخداماتها للاتفاقات والمبادئ.. بل في الاستخفاف بعقول الناس!
2019-02-07

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
جمال عبد الرحيم - البحرين

ما الذي يعنيه "اكتشاف" نشرته مؤخراً صحف وتلفزات امريكية (على رأسها سي أن أن، وهي صاحبة التحقيق) عن وصول أسلحة زودت بها واشنطن التحالف السعودي الاماراتي الذي يشن حرباً على اليمن الى أيدي القاعدة (عمداً)، والى أيدي الحوثيين بالاستيلاء عليها خلال المعارك؟ مجرد حرتقة على ترامب؟ الأمر يتجاوز ذلك، ولاسيما أن الرجل وصل الى الرئاسة بعد أكثر من عام ونصف من بدء تلك الحرب. والأهم، أنها ليست المرة الاولى التي يُطبّل فيها ويُزمّر لوقائع مشابهة. ولذا فإن الدهشة البريئة هنا مصطنعة، وكذلك الاستهوال.

بل يضاف اليهما ما يبدو انه جهل (كاذب هو الآخر، إلا إذا كان القوم ساذجين) بمسارات الأشياء مع أنها تتكرر هي الأخرى بلا انقطاع. كقول التحقيق الاستقصائي أن السعودية وحلفاؤها نقلوا "أسلحة أميركية الصنع" إلى القاعدة وميليشيات مشابهة لها في اليمن (يا للعيب، ويا لسوء الامانة! بل إن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأميركية - البنتاغون - طالب بفتح تحقيق في تسريب السعودية والإمارات لتلك الأسلحة الأميركية).. بينما نعرف من تقارير وتحقيقات نُشرت في أوقات اخرى أن السلطات الامريكية سلّحت طالبان والقاعدة بشكل مباشر (*)، بوجه السوفييت حينها، ثم لأغراض تتعلق بادارة تناقضات وصراعات الأماكن التي يسعون لتفكيكها أو للهيمنة عليها. وهو كذلك ما تسربت معلومات بشأنه، أحدث بكثير من الحرب في افغانستان مع السوفييت، تخص سوريا اليوم، وتسعى للتأكد من تحولها الى ركام إن لم يُمْكن السيطرة عليها. وكذا الأمر في ليبيا، إن لم نذكر العبث بالعراق..

ثم اكتشف التحقيق (أيضاً وأيضاً) أن "السعودية والإمارات استخدمتا الأسلحة الأميركية لشراء ولاءات المليشيات والقبائل اليمنية"، وهو ما يحدث دائما في الحروب، وبخاصة الأهلية منها حيث التداخل عظيم ولا "خط ماجينو".. الذي كان هو الآخر أقرب أصلاً الى الهشاشة!

وكانت نشرت صحف بريطانية (على رأسها الغارديان) أن السعودية والإمارات "انتهكتا الاتفاقيات" التي تم بموجبها بيعهما أسلحة متطورة، مثل العربات المدرعة ومنصات الصواريخ والعبوات الناسفة والبنادق المتطورة، وسربتاها إلى مليشيات محلية. يا سلام!

وكان الرئيس الفرنسي أكد أثناء زيارته الاخيرة للقاهرة أن "مدرعة فرنسية واحدة" اشتركت في اطلاق النار على المتظاهرين عام 2013، (ما يناقض بحثاً مفصلاً عن الاستخدام القمعي لكل أنواع الاسلحة الفرنسية في مصر، قامت به منظمة العفو الدولية)، وقال الرئيس الفرنسي (بأناقة كما يجيدها الفرنسيون إجمالاً) أن ذلك أدى الى تحقيق قامت به بلاده والى اعتراض رسمي من باريس.. ما نفاه الرئيس السيسي الجالس بالقرب منه. فهو لم يتلق مثل هذا الاستفهام أو الاعتراض، وهو يشتري من فرنسا بمليارات الدولارات أسلحة (6 مليار يورو قيمة الصفقة الاخيرة، وهي لم تكتمل بعد!) ويستخدمها كما يحلو له.

العلة بالطبع ليست في "الهوية الوطنية" للاسلحة المباعة والمشتراة، بل في الأسلحة نفسها، وفي وجود حروب مدمرة، وفي تغذية صراعات قائمة وحرْفها نحو العنف المسلح خدمة لغايات التلاعب باوضاع تلك البلدان والتحكم بها. وهذه بديهية يبدو أنها تُغيّب في سردية تلك الأخبار والتحقيقات، ربما لإلهاء الناس أو لتسليتهم بما يبدو مثيراً، أو لاصطناع العفة. بينما تتكرر المسرحية فيقدّم في كل مرة الحدث أو الاكتشاف كما لو كان استثنائياً، بعدما يجري فصله عن أساسه، ويُتكل على النسيان لفصله عن سابقاته ولاحقاته..

فعلاً مضجر!

(*) هيلاري كلينتون تتناول الأمر في مداخلة مصوّرة

مقالات من اليمن

للكاتب نفسه

يا عراق!

يباشر "السفير العربي"، بالاتفاق مع "جُمّار"، الموقع العراقي الشاب والمميَز، انتاج نصوصٍ تخص "مرور" عشرين عاماً على الهجوم الاستعماري المدمِّر على بلاد الرافدين، واحتلاله وسحق أوصاله، كما خلخلة مرتكزات مجمل...

لهنَّ ولكل الناس

بمناسبة 8 آذار/ مارس، اليوم العالمي الذي يحتفل بنضال المرأة من أجل حقوقها التامة في المساواة والحرية والكرامة، يستعيد "السفير العربي" مقالاً افتتاحياً كان قد نشره منذ عشر سنوات بالتمام،...

"بوغروم" فلسطين

إسرائيل المتفلتة برعونة كاملة تعيش هي الأخرى مأزقاً، وإن كان في ممارساتها تلك انتهازاً لـ "اللحظة" الإقليمية والعالمية، ولكنها في الوقت عينه تعبير عن "الاستحالة" التي تقف هي نفسها أمامها:...