مرتبات الحكّام في العراق: هدر للمال العام؟

دون مقدمات، أثار ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، موضوع المرتبات التقاعدية للبرلمانيين وأعضاء مجالس المحافظات، وما تقضمه من ميزانية العراق كل عام. قام الائتلاف في 18 حزيران/يونيو بعقد مؤتمر صحافي تحت قبة البرلمان داعياً إلى إلغاء هذه المرتبات التي تقدّر بحوالي 80 مليون دولار سنوياً من ميزانية الدولة العراقية، قابلة لزيادات كبيرة بعد انقضاء كل دورة برلمانية أو
2013-08-07

عمر الجفال

كاتب صحافي من العراق


شارك
خضير الحميري ــ العراق (خاص السفير العربي)

دون مقدمات، أثار ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي، موضوع المرتبات التقاعدية للبرلمانيين وأعضاء مجالس المحافظات، وما تقضمه من ميزانية العراق كل عام. قام الائتلاف في 18 حزيران/يونيو بعقد مؤتمر صحافي تحت قبة البرلمان داعياً إلى إلغاء هذه المرتبات التي تقدّر بحوالي 80 مليون دولار سنوياً من ميزانية الدولة العراقية، قابلة لزيادات كبيرة بعد انقضاء كل دورة برلمانية أو دورة مجالس محافظات، حيث يتقاعد المئات من هؤلاء أو أولئك.

تدارك لتناقص الشعبية؟

البعض يرى في هذه الدعوة محاولة لاستدرار الأصوات مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية العام المقبل، لاسيما وأن الأطراف السياسية الأخرى أخذت تحقق مكاسب جماهيرية على الأرض عبر تحالفات استبعدت قدر الامكان ائتلاف دولة القانون، وانتخابات مجالس المحافظات الأخيرة كانت خير دليل على ذلك. المحافظون الصدريون الذين فازوا في الانتخابات الأخيرة تلقوا من زعيمهم مقتدى الصدر بدلات عمل زرقاء براقة، مشفوعة بأمر أن يتركوا مكاتبهم وينزلوا إلى الشارع من أجل أن يخدموا محافظاتهم (سمّي محافظ بغداد بخادم بغداد)، فضلاً عن أمره لهم بإزالة صوره التي تعج بها جدران وساحات العاصمة بغداد.
أما المجلس الأعلى الإسلامي فهو يراهن على إشاعة المظاهر المدنية في المناطق التي يسكنها قياديوه. ففي منطقة الجادرية وسط بغداد، بدأت ظاهرة ركوب الدراجات النارية من قبل فتيان وفتيات مراهقين يحميهم المجلس الأعلى، واعتبرت هذه الظاهرة تطوراً مدنياً يضاف إلى النظافة التي تتميز بها تلك المناطق، ناهيك عن انتشار البارات والنوادي الليلية في المنطقة المحاذية لها وهي الكرادة، والتي تعتبر محمية من المجلس الأعلى نفسه، ما جعل الشباب «يوقنون» بأن هذا الحزب الإسلامي يحاول أن «يتعلمن» ويقدم نموذجاً للأحزاب الدينية الأخرى، ولاسيما التيار الصدري الذي يبدو أكثر تشدّداً من سواه. كل هذا جعل ائتلاف دولة القانون، الذي يمسك مفاصل الدولة، خاسراً ومندحراً من الخارطة السياسية، الأمر الذي يدفعه إلى أمرين، الأول، فضح المتخاصمين معه من خلال وثائق تظهر هنا وهناك، مثل وثائق اختلاس أموال أو شبهات فساد، والثاني، استفزاز الطوائف بهدف إعادتها إلى المربع الأول، وهو الانزواء ضمن منطقة دينية ضيقة، ما يجعله حاميا وحيدا «للمذهب الشيعي» من المخاطر التي تحيطه، خاصة من تركيا والسعودية، حيث يخصص عدداً من نوابه لتوجيه الاتهامات والشتائم لهما. ومؤخراً باتت تحركات دولة القانون أكثر التصاقاً بالشارع، لاسيما الدعوة الأخيرة إلى إلغاء المرتبات التقاعدية، وإقناع مجلس الوزراء بتخصيص مليوني قطعة أرض في أطراف بغداد لتوزيعها على الفقراء وفق آلية ستطرح فيما بعد.

كلام الليل يمحوه النهار

دعوة دولة القانون سرعان ما لاقت رواجاً من قبل الناشطين ومنظمات المجتمع المدني. فقد انطلقت حملة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لتجمع أصواتا تنادي بتفعيل الحملة ووقف نزيف أموال العراق. وذهب آخرون الى حد تصميم أغلفة تطالب البرلمانيين بالتصويت على هذا القرار. لكن عقبات كبيرة ستقف أمامه، إذ يقرّ بعض النواب بأن هذه الخطوة هي لعبة من دولة القانون للاستهلاك (الانتخابي)، ولكسب التعاطف الشعبي، مؤكدين أنه في حال طرح موضوع إلغاء الرواتب التقاعدية للتصويت في البرلمان، فإن نواب دولة القانون سيكونون أول من سيتنصل من التصويت عليه.
وقد شهد البرلمان العراقي حالات مشابهة، حيث صوت البرلمان في 23 شباط/ فبراير 2012، ضمن إقرار الموازنة المالية، على شراء 350 سيارة مصفحة للنواب بقيمة 60 مليار دينار عراقي أي ما يعادل 50 مليون دولار، الأمر الذي فتح باب الانتقاد واسعاً من قبل الشعب والزعامات السياسية على إهدار المال العام، ودفع زعيم التيار الصدري إلى توبيخ الكتل السياسية الأخرى على هذه «الفعلة». وبدأ نوابه بالصراخ على الفضائيات حول استهتار الكتل السياسية الأخرى بهدر المال العام، لكن سرعان ما اظهر فيديو جلسة البرلمان تصويت أعضاء التيار الصدري جميعهم على شراء السيارات المصفحة! وبعدها عاد البرلمان ليصوت في 6 آذار/ مارس من العام نفسه على مناقلة المبالغ المخصصة لشراء السيارات المصفحة إلى بعض الأجهزة الأمنية وضحايا «الإرهاب».
كما أن المحكمة الاتحاديّة العراقيّة العليا ألغت في 2 آذار/ مارس الماضي، قانوناً شرّع في البرلمان يقضي «بتخفيض مرتبات الرئاسات الثلاث، الجمهوريّة والحكومة والبرلمان، ومرتبات الوزراء والنوّاب، بنسب تتراوح ما بين 25 و30 في المئة». وقالت السلطة القضائيّة إن المحكمة الاتحادية العليا قررت عدم دستورية قانون رواتب ومخصّصات مجلس الوزراء رقم (27) لسنة 2011، موضحة أن المحكمة رأت أن القانون تمّ تشريعه من قبل مجلس النواب خلافاً للمادة (60 / 1) من الدستور التي منحت هذا الحقّ إلى رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء.
وتبلغ المرتبات التقاعدية للنائب في العراق حوالي 6 آلاف دولار شهرياً، بينما يتقاضى الوزير المتقاعد حوالي 8 آلاف دولار، وهذه المبالغ تمثل نسبة 80 في المئة من المرتبات الأصلية، كما يسمح للنائب أو الوزير الاحتفاظ بجوازه الدبلوماسي.

«القاضي راضي...»

وحتى الآن، بلغ عدد أعضاء صفحة «الحملة الوطنية لإلغاء تقاعد البرلمان» التي تحمل شعار: «لن نعيد انتخابكم إلا إذا ألغيتم قانون تقاعدكم.. هذه رسالتنا للنواب واعضاء المجالس المحلية»، 9150 شخصاً، وهو رقم في غاية الضآلة. كما أن القائمين على الحملة ينظمون اسبوعياً تظاهرة خجولة في شارع المتنبي من أجل إسماع صوتهم للإعلام، وأغلب هؤلاء من المثقفين والصحافيين والناشطين. أما في الشارع العراقي، فلا يحظى هذا الأمر باهتمام كبير، ولعل السبب أن السياسيين دجنوا الناس إلى درجة كبيرة، فباتوا يرضون بالفتات التي ترميها الحكومة لهم، أو أن اليأس ما زال مستبداً بقلوبهم.

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

العراق الشاب.. أعزلٌ في وجه "اللادولة"

عمر الجفال 2019-10-22

تندّر السياسيون على دعوات الشباب للتظاهر قبل انطلاقها بساعات. عاملوهم على أنّهم قاصرون. أطلقوا عليهم لفظ "العوام": لا يستطيعون تنظيم أنفسهم، غارقين في الجهل، يصعب فهم لغتهم التي يروّجون فيها...