في ساحة الأندلس وسط العاصمة بغداد، لا تبدو شيماء الوتار، صاحبة محلّ "زهور المايا"، متحمِّسة لقدوم يوم المرأة العالمي، لاسيما وأن هذه المناسبات أصبحت لدى العراقيين "ترَفيَّة".
شيماء من العائلات المعروفة التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى. وهذه انمحت من خريطة المجتمع العراقي بعد أن عانت ما عانته في ظلِّ عقدين كانا سبباً في خلخلة الطبقات الاجتماعية في العراق. وبعد احتلال العراق، أدى صعود رجال الدين والحركات الإسلامية إلى تهجيرها.
تقولُ شيماء، التي يبعث لها الحزب الشيوعي جريدته كل يوم، أنها فتحت محلّ الورد "كمغامرة" حيث ما تزال تعاني الخسارة. "العراقيون تعودوا على الورد الاصطناعي"، هكذا تؤكد.
بدت شيماء خائفة من لقاء صحافي، حيث أحضرت والدها إلى محلّها لإجراء الحوار، بدا فؤاد الوتار الذي يعرف القوانين بحذافيرها، والذي يضع كتابين بجانب بعض "قصص عباس ابن فرناس والقرآن"، أكثر حنكة وخبرة بالحياة، إلا أنه ما يزال ينظر إلى بغداد الستينيات والسبعينيات كحلم. والد شيماء، التاجر الذي عايش كل الحروب والانقلابات لم يترك العراق إلا بغاية العمل، وهو الذي ساعدها في فتح المحل. يقول انهم عائلة تزرع الورد وتحبه، ولذلك وافق ابنته فوراً على افتتاح محل ورد.
أجاب الوتار بالنفي عن سؤال إن كان لديه ميول لليسار، مؤكداً أنه يقرأ القرآن، وكأنه اتهم بجريمة مخلة بالشرف، أراد أن يثبت براءته منها سريعاً. يبدو كثير الخوف من التحدث بسياسة البلاد، ويبدو أيضاً أن شيماء جاءت بهِ ليخلَّصها -هو البارع بجرِّ الحديث إلى المناطق الدبلوماسية- من أي سؤال محرج يتعلَّق بالسياسة.
مرت سنة على افتتاح محل "زهور المايا"، إلا أنه لم يجنِ حتَّى مبلغ إيجاره البالغ 12 مليون دينار في السنة (10 آلاف دولار). لكن شيماء متفائلة بتحقيق أرباح جيدة في المستقبل القريب آخذة بنظر الاعتبار تطوَّر إقبال الزبائن على الورود الطبيعية.
لكن طيلة فترة جلوسنا في المحل (ساعة تقريباً) لم يدخل سوى زبون واحد اشترى وردة واحدة، وتؤكد شيماء أن معظم زبائنها هم مؤسسات الدولة أو المؤسسات المدنية. وبالنسبة للأفراد فأغلبهم من زائري المرضى في المستشفيات، وربما من حسن حظ المحل وجود العديد من المستشفيات في المنطقة التي يقع فيها (مستشفى كمال السامرائي، مستشفى بغداد، مستشفى الجراح، مستشفى ابن النفيس، مستشفى الشيخ زايد، مستشفى الواسطي)، ما يجعله باحة خلفيَّة لتلك المستشفيات. إلا أن لدى شيماء زبائن شباب، لكن هؤلاء تزدهر حركتهم في الأعياد والمناسبات، وأبرزها في عيد "الفالانتاين"، ما يجعلها ترفع الأسعار أكثر من الأيام العادية.
تقول شيماء إن بغداد لم تعد تزرع الورد، حيث تُستَورد الورود من هولندا وكينيا ودول أُخرى، وتستدرك "الورد لا يصل إلى بغداد مباشرة بل يأتي إلى إقليم كردستان ومن ثم إلى بغداد"، وتشير إلى أنه في كلِّ بغداد "هناك نحو 25 محلاً لبيع الزهور"، بعد أن كانت منطقة الكرادة وحدها تحتوي على أكثر من 18 محلاً.
ولا يدخل الورد إلى بغداد بسبب قرار أصدرته حكومة الرئيس السابق صدام حسين في تسعينيات القرن المنصرم بسبب الحصار الذي فرض على العراق، حيث أصبح الورد حينها مسألة "كمالية" كما تقول شيماء، واستمر هذا القرار إلى "هذه اللحظة". وتبدو متعجبة من شراء وزارة الزراعة الورود منها بشكل دائم على الرغم من أنها هي التي ما تزال مستمرة بفرض القرار إلى الآن.
ولا يرتبط اسم محل "المايا" بأبناء تلك الحضارة الذين انتظروا نهاية العالم، فشيماء التي دخلت عقدها الرابع تنظر إلى الحياة بأمل كبير، موضحة انها سمَّت المحل على اسم ابنة أخيها الصغيرة.
وتحتفظ بنات عائلة الوتار بأكثر مكانين مدنيين في بغداد، أوَّلهما مدرسة بناها والدها عام 1982 في منطقة "الشواكة" مساعدة على تشجيع التعليم في وقت كان العراق يخوض أعتى الحروب التي مرَّ بها في تاريخه. واشترط أن تكون باسم ابنته شيماء، بالإضافة إلى محل الورد الذي تُفتح أبوابه كل صباح وحتى الـسادسة مساء، والذي يحمل اسم حفيدته مايا.
تفكِّر شيماء، التي تخرَّجت من جامعة بغداد باختصاص إدارة أعمال ولم تمارسه، مع والدها، بإنشاء مزرعة للزهور، لكنهما يدركان أن استيراده أقل كلفة من زراعته، بسبب ظروف الزراعة السيئة التي يمر بها العراق (شح المياه، المناخ، البيئة، التلوث الإشعاعي... الخ). بمقابل هذا ستبدأ في آذار/مارس، في أغلب الكرة الأرضية، الورود بالتفتِّح. وفي هولندا وحدها هناك أكثر من سبعة ملايين زهرة تتحضر لتزهر بداية هذا الشهر، فيما تقول شيماء إنها لن تبيع زهوراً في يوم المرأة إلا لمكانين هما الحزب الشيوعي الذي يبعد عن محلَّها ما يقارب 300 متر والاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الذي يحاذيه، ما يجعلها غير متفائلة بالاحتفال بالمرأة في يومها.