عاشوراء في العراق: قليل من الاحتجاج.. كثير من الدم

السياسة كانت تسير جنباً إلى جنب مع الشعائر الحسينية التي يقوم بها الشيعة العراقيون خلال الأيام العشر الأولى في شهر محرّم، وهي أيام خروج الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته وأصحابه إلى كربلاء سنة 61 هجرية. الانتقادات للحكومة كانت تدخل ضمن نسيج القصائد التي تعيد واقعة الطف، ولاسيما في محافظات الفرات الاوسط ("الشيعية")، وبعض مناطق بغداد. تجّار سوق "الشورجة" الرئيسي في بغداد والذين
2013-11-23

عمر الجفال

كاتب صحافي من العراق


شارك
(أ ف ب)

السياسة كانت تسير جنباً إلى جنب مع الشعائر الحسينية التي يقوم بها الشيعة العراقيون خلال الأيام العشر الأولى في شهر محرّم، وهي أيام خروج الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته وأصحابه إلى كربلاء سنة 61 هجرية. الانتقادات للحكومة كانت تدخل ضمن نسيج القصائد التي تعيد واقعة الطف، ولاسيما في محافظات الفرات الاوسط ("الشيعية")، وبعض مناطق بغداد. تجّار سوق "الشورجة" الرئيسي في بغداد والذين يتصيدون الفرص لبيع السلع الرائجة، سارعوا إلى الصين من أجل استيراد الرايات الحسينية السوداء وصور ائمة الشيعة بأحجام وألوان متفاوتة، تنتج وتطبع هناك بناء على رغبة التاجر.احتلت هذه الرايات جبهات المنازل. بعض اصحابها لم يكتفِ براية واحدة، فحوّل منزله إلى "حسينية" لكثرة ما علّق من صور وأعلام. وبعضهم الآخر بالغ في تأدية الطقوس الحسينية، فأخرج مكبرات صوت عملاقه، وشغّل "اللطميات" من الصباح حتّى المساء. يخرج بعض الشيعة "الزناجيل" وهي سلاسل ثقيلة صنعت في الصين، ويضربون بها على ظهورهم مع اشتداد تصاعد نغم اللطميات، وبعضهم الآخر سارع إلى محاربة هذه الظاهرة، فيما تراوح موقف المثقفين بين ساخر وموجّه رسائل إلى المرجعيات اعتراضا على هذه الممارسات المؤذية.
بصرة الغضب في البصرة جو مشحون. قام عراقيون غاضبون بضرب مواطن بريطاني لأنه أنزل راية تشير إلى مقتل الحسين من سيارة لشركة النفط التي يعمل فيها. لم يقصد العامل البريطاني الإساءة إلى الشيعة، كان يحاول ألا يميز بين سيارة وأخرى في موكب الشركة، خشية تعرّض ركابها لمحاولة اغتيال.طبيعة عمله الامنية أملت عليه ذلك. لكن النفوس الغاضبة لم تنتظر تبريراً، ضربته ضرباً مبرحاً. وتظهر الصور المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي وجود رجال من القوات الأمنية العراقية ضمن الحشد الغاضب.لأكثر من مرّة تكشف القوات الأمنية عدم حياديتها وعدم قدرتها على وقف أعمال العنف التي يقوم بها المواطنون. ولكنها ليست المرّة الأولى التي تتصرّف بها شركات غربية بهذه الطريقة.في العام الفائت، احتجّ مواطنون على قيام عمال شركة صينية باحتساء الخمور أثناء شهر محرّم، فقام رئيسها بكسر قناني المشروبات أمام العراقيين الغاضبين، وانتهى الأمر عند هذا الحد. إلا أن اقتراب موعد الانتخابات النيابية دفع رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي إلى إصدار قرار يطرد بموجبه العامل البريطاني، على الرغم من إدانة بعثة الأمم المتحدة (يونامي) فعل الجماهير الغاضبة. وظف المالكي الحادث انتخابياً، وأصدر قراره ضد رجلٍ أجنبي لم يُحل الى القضاء، ولم يتم التحقيق معه. ولعل المالكي حصد بضعة أصوات انتخابية، من دون أن يكترث للأزمة التي قد تحدث. وبالفعل، غادر معظم عمال النفط الاجانب مواقع عملهم عائدين الى بلدانهم، وخسر العراق رؤوس أموال وشركات كبيرة سوف لن تجازف في الاستثمار في العراق في ظلِّ ممارسات عشوائية كهذه.

الدَمُ.. الدم 
الدم لم يكن غائباً هذا العام. دم في الشارع وآخر في عربات الإسعاف، دم يسحب بإبر رفيعة ويسيل رقراقا عبر قناني بلاستيكية، لينقل بعدها إلى أجساد عليلة، ودم يسيل على الأرصفة والشوارع. لم تنفع كل المطالبات بالكفِّ عن ضرب الرؤوس بالسكاكين والسيوف، فما يزال هناك رجال دين يشجّعون هذه الظاهرة ويعتبرونها ركناً أسياسياً من شعائر عاشوراء. يخافون أن يتركهم أتباعهم في حال حرّموا هذه الظاهرة، لن يطبِّر أولاد هؤلاء. تطرّف مبالغ فيه، الصور المستلة من حفلات الدم هذه تكشف عن حالات استلاب عقول. في الناصرية، سقط العشرات مغشياً عليهم جرّاء الضرب القوي لرؤوسهم بالسكاكين الكبيرة. وفي النجف، ضرب باكستانيون ظهورهم بموسى، وصار الدم يخرج من ظهورهم كالنافورات، ولم يحتمل بعض العراقيين الموجودين في المكان، ففقد الوعي. سقط دم كثير في الشوارع، فيما تعاني المستشفيات العراقية من نقص في بنوك الدم.

المثنى.. ثورة داخل ثورة
بموازاة ذلك، كانت المواكب الحسينية في محافظة المثنى، التي تعدُّ أفقر محافظات العراق (نسبة الفقر فيها 46 في المئة حسب وزارة التخطيط)، تماهي بين مقتل الحسين وواقعها المتردي. استغلت الفرصة والموقف لتعبِّر عن احتجاجها على السياسات التي تفقرها وتجعلها خارج منظومة العصر الحديث. المحافظة ما تزال صحراء. الخدمات فيها لا تسير قيد أنملة إلى الأمام، ويكاد لا يذكر عنها شيئاً في الإعلام. إنها محافظة خارج الزمن في جدول الحكومة العراقية، وعليها القيام بفعالية لتحظى باهتمام، ولا مناسبة أفضل من أيام محرّم العشر الأولى، والتي تشتهر فيها المثنى بتنظيم المواكب الأقوى في العراق.
حوّلت المحافظة "الدستات" - وهي مقاطع شعرية تكتب باللغة الفصحى او باللهجة العامية وتتنتهي بنهاية واحدة، وهي من الأنواع الشعرية التي تذكّر الشيعة بالثبات على مبدأ الحسين- إلى مطالبات سياسية، بدأت بخفض أسعار العلاج وأجور الأطباء، وبمحاسبة المقصرين في الحكومة المحليّة (مثل "الاحزاب كلٌّ كذابة.. حرَاميّة وسلابّة").
شبّان أسسوا صفحة على موقع التواصل الاجتماعي لرفع الصور والفديوهات أولاً بأول، من أجل أن يلتفت لهم الإعلام: السماوة تعود إلى واجهة الحدث. أصبحت المحافظة التي كانت مغيبة حديث الساعة. صمم هؤلاء الشبّان ملصق للسيد موسى الصدر ووضعوا فيه كلماته "البكاء لا يكفي.. الاحتفال لا يكفي..
الحسين لا يحتاج إلى ذلك، الحسين شهيد الإصلاح فاذا ساعدنا في إصلاح أمة جده نصرناه وإذا سكتنا أو منعنا الإصلاح خذلناه ونصرْنا يزيد"، وتراكضت الأصابع على ألواح الكومبيوترات لتكتب أن "معظم السياسيين أولاد يزيد".شجّع هؤلاء الشبان علماء اجتماع نشروا أن الحسين خرج من أجل الحرية وحدها، وقالوا: عليكم المطالبة بها في الأيام التي عانى فيها العطش هو وعائلته طلبا للحرية والكرامة. بقيت مواكب المثنى تطالب وتطالب، وتحقّق لها تخفيض أجور الأطباء. استثمرت المثنّى ثورة الحسين، لتطالب هي الأخرى بعدالة اجتماعية، وحقوق مسلوبة. الحسين يعاد بعثه في السماوة من جديد.

مقالات من البصرة

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

العراق الشاب.. أعزلٌ في وجه "اللادولة"

عمر الجفال 2019-10-22

تندّر السياسيون على دعوات الشباب للتظاهر قبل انطلاقها بساعات. عاملوهم على أنّهم قاصرون. أطلقوا عليهم لفظ "العوام": لا يستطيعون تنظيم أنفسهم، غارقين في الجهل، يصعب فهم لغتهم التي يروّجون فيها...