على الرغم من قرار منظمة أوبك والدول الاخرى المنتجة للنفط في العام الماضي تمديد اتفاق تقليص الامدادات بـ1.8 مليون برميل يومياً حتى نهاية هذا العام، الا ان تطورات السوق وتحديداً الحظر الامريكي المنتظر على الصادرات النفطية الايرانية، الى جانب المتاعب التي تعاني منها بعض الدول المنتجة مثل فنزويلا، أضافة الى ضغوط الرئيس الامريكي دونالد ترمب الهادفة الى خفض الاسعار، فرضت مراجعة الوضع، خاصة عندما تجاوز سعر البرميل 80 دولاراً. وكان أن دفعت الرياض وموسكو باتجاه زيادة الانتاج وفي حدود مليون برميل يومياً. لكن لم تمضِ بضعة شهور حتى بدأت الامور في التغير وإتجهت الاسعار الى الانحدار. وفي فترة تقل عن الشهرين، تراجعت أسعار النفط بمقدار الثلث. وساهم في هذا التراجع عاملين رئيسيين: ان الدول الثلاث المنتجة الرئيسية، وهي السعودية وروسيا والولايات المتحدة، صارت تنتج بأقصى طاقة متوفرة لديها، علماً ان الولايات المتحدة تجاوزت روسيا وإحتلت مرتبة أكبر منتج للنفط في العالم في آب/ أغسطس الماضي. أما السبب الثاني فيعود الى علامات الاستفهام التي بدأت تلوح في الافق بالنسبة لمعدلات النمو في الاقتصاد العالمي، خاصة مع تزايد نذر الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.
الرياض، التي تعتبر "بيضة قبان" السوق النفطية، تحركت مبكراً بهدف العمل على منع بناء تخمة نفطية تؤثر على الاسعار العام المقبل، خاصة مع الاعفاءات التي وفرتها واشنطن لثمانية من الدول التي تستورد النفط الايراني. فمع ان متوسط الانتاج السعودي بلغ مطلع تشرين الثاني الجاري / نوفمبر 11.2 مليون برميل يومياً، الا انه تقرر خفض نصف مليون برميل يوميا فوراً، كما بدأت التصريحات تتحدث عن ضرورة ازالة ما يزيد قليلاً عن المليون برميل من حجم الامدادات الحالي للسوق، وهو ما يتوقع أن يصبح مثار نقاش وجدل بين تحالف الدول الثمانية والعشرين في أوبك وخارجها عند تلتقي المجموعة في السادس من كانون الأول/ ديسمبر في فيينا.
العين على الرياض
عبء اتخاذ قرار فيما يخص خفض الانتاج سيقع بصورة رئيسية على السعودية، ليس فقط بسبب ثقلها في السوق النفطية، وانما لأنها الأكثر تعرضاً الى الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة من جانبين: التغريدات والدعوات العلنية التي يرسلها الرئيس دونالد ترمب بضرورة خفض الاسعار، وأهم من ذلك الزيادة المستمرة في الانتاج النفطي الامريكي، خاصة من تكساس التي تكاد تتجه الى أن تصبح الكابوس الذي يقض مضاجع أوبك، وذلك بسبب النمو في انتاج النفط الصخري والخطوات المتخذة لفك حالة الاختناق، خاصة في ميدان خطوط الانابيب، حيث يُخطَّط لإفتتاح ثلاثة خطوط العام المقبل، وأهم من ذلك أن حوالي 114 ألف بئر تمّ حفرها في حقل بيرميان الضخم، وهي في طريقها الى ان تصبح منتجة بل وقادرة على الانتاج حتى لو تراجعت الاسعار الى 30 دولاراً للبرميل، وذلك بسبب تحسن التقنية وخفض التكلفة بصورة كبيرة. ويبدو انه على أوبك التعامل مع النفط الصخري كحقيقة مؤثرة في السوق والتعايش مع ذلك لفترة قد تطول.
مستقبل النفط الصخري
أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الشهر الماضي تقريراً عن توقعاتها بالنسبة لسوق الطاقة حتى 2040، ومع انه يشير بوضوح الى مستقبل قاتم بالنسبة لصناعة النفط الصخري، إلا أنها ستظل لاعباً مهماً على الاقل خلال العقدين المقبلين. ويقول التقرير ان الآبار التي سيتم حفرها في العام 2025 ستكون انتاجيتها أقل من مثيلاتها العاملة اليوم، الامر الذي يشير الى ان الانتاج الامريكي سيبلغ قمته وقتها ويتجه الى الهبوط بعدها في أعوام الثلاثينيات من القرن الحالي. بل يحدد التقرير ان معدل تراجع الانتاج سيبلغ مليون ونصف المليون برميل يومياً وقتها، علماً ان الانتاج النفطي الامريكي يمثل نحو ثلاثة أرباع الزيادة في الامدادات من خارج أوبك ولسبع سنين مقبلة، وهذه هي الفترة الحرجة التي ستضطر أوبك الى التعايش معها.
كيفية التعامل مع هذا الوضع سيكون مطروحاً في أجتماع كانون الاول/ ديسمبر مع عدم أغفال البعد السياسي. فالتقديرات السعودية قد تحتاج الى أن تضع في حساباتها موقف ترمب وتداعيات اغتيال الصحافي جمال خاشقجي والحماية التي أسبغها ترمب على ولي العهد السعودي ومدى استمرارية هذه المساندة.
اصدرت الوكالة الدولية للطاقة تقريراً عن توقعاتها لسوق الطاقة حتى 2040، يشير الى مستقبل قاتم لصناعة النفط الصخري التي ستظل لاعباً مهماً خلال العقدين المقبلين فحسب. ويقول التقرير أن الآبار التي ستحفر في 2025 ستكون انتاجيتها أقل من مثيلاتها العاملة اليوم، ما يعني أن الانتاج الامريكي سيبلغ قمته وقتها، ويتجه الى الهبوط بعدها في الثلاثينيات من القرن الحالي.
وهناك أيضا موقف الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، حيث تختلط حسابات السوق بالخيارات السياسية. فالعملية المنسقة لخفض الانتاج وأعطاء السوق دفعة بعد التراجع الكبير خلال عامي 2015 و2016 إنما تعود بصورة رئيسية الى تحالف الرياض وموسكو، حيث وجد الطرفان من مصلحتهما بذل الجهد اللازم في شكل تحالف مع المنتجين داخل وخارج أوبك لخفض الانتاج، بل ان العاصمتين إتجهتا الى تطوير تحالفهما هذا ليكون عاملاً رئيسياً في أدارة السوق النفطية.
لكن مع بروز اشارات على وجود ضعف في الأسعار وبوادر تخمة نفطية، بدأت الصفوف تتمايز في كيفية التعامل مع الوضع الجديد. ففي الوقت الذي تحبذ فيه الرياض خفض الانتاج، بل والقيام بخطوة عملية في هذا الصدد، تبدو موسكو مستعدة لقبول تراجع سعري حتى 65 دولارا للبرميل كما صرح بوتين بذلك. ويرى بعض المراقبين ان النظام الضريبي الذي تعمل على أساسه الشركات النفطية الروسية يجعلها تستفيد من حالة الانتاج العالي والاسعار المنخفضة.
لكن يبقى للجانب السياسي ثقله. فبوتين تمكن من أقامة علاقات وثيقة مع ولي العهد السعودي ومع التمدد الروسي في منطقة الشرق الاوسط فأن تمتين علاقات موسكو مع الرياض ومع دولة تعتبر حليفا تقليديا لواشنطون يبدو خيارا مغريا حتى ولو تطلب الامر التضحية ببضعة الاف من البراميل النفطية.
على الرغم من نجاح اوبك في إدارة عملها بعيداً عن السياسة، إلا انه مع بروز منتجين جدد، وعدم قدرة أوبك لوحدها على التعامل مع الموقف، برز تحالف الرياض وموسكو على رأس 28 دولة، الامر الذي يشير الى صعوبة المهمة وتعقيدها.
واجهت أوبك على امتداد عمرها المستمر لأكثر من 60 عاماً اليوم، العديد من التحديات السياسية والاقتصادية وفي أحيان كثيرة صدر نعي لها من كثيرين... إتضح انه سابق لأوانه. لكن التحديات تبدو مركّبة هذه المرة. فمن ناحية هناك العامل التقني المتمثل في إمكانية التكسير الهيدرولوجي والحفر الافقي في مناطق المياه العميقة، وهو ما ساعد دولة مثل الولايات المتحدة لتتقدم في مضمار زيادة انتاجها المحلي. وتشير بعض التقديرات الى أن الولايات المتحدة ستتمكن العام المقبل من إنتاج نفط وسوائل في حدود 17.4 مليون برميل يومياً، مما يعني أنها ستكون محتاجة الى استيراد 320 ألف برميل فقط لمقابلة كل استهلاكها، وهو أقل حجم أستيراد منذ العام 1949.
سوبر أوبك؟
30-06-2018
والى جانب زيادة الامدادات بصورة عامة، فإن هذه الزيادة تأتي من دولتين كبيرتين هما الولايات المتحدة وروسيا، الأمر الذي لا بد أن يلقي بظلاله على كيفية تعامل أوبك مع هذا المعطى، علماً أنها عمدت وعبر تجارب مريرة الى إبعاد النفط عن السياسة. لكن حتى لو نجحت في التعامل مع هذين المتغيرين، تبقى الصعوبة المتوقعة في إدارة السوق عبر هذا العدد الكبير من المنتجين الذين لا بد من استصحابهم في حالتي خفض الانتاج أو زيادته. فالسوق ظلت عبر تاريخها تحت اشراف جهة ما. البداية كانت من خلال "سكك حديد تكساس" التي أفسحت المجال ل"الشقيقات السبع"، وهذه بدورها أفسحت المجال الى أوبك لادارة السوق في جانبي الانتاج والأسعار خلال عهدها الذهبي في عقد السبعينات من القرن الفائت. لكن مع بروز منتجين جدد وعدم قدرة أوبك لوحدها على القيام بالمهمة، برز تحالف الرياض وموسكو على رأس 28 دولة، الامر الذي يشير الى صعوبة المهمة وتعقيدها.