حوادث الطرق.. أحزان موريتانية

حوادث الطرق في موريتانيا ترتفع بشكل مأساوي بينما يصر رأس السلطة على أن أهم انجازاته هي شق الطرق الكبرى.. التي تُركت بعد ذلك بلا صيانة ولا رقابة!
2018-11-21

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
طريق رئيسي في موريتانيا وقد غطته رمال الصحراء

استيقظ الموريتانيون في 7 تشرين الثاني/ نوفمبر على وقع فاجعة مقتل 11 شخصاً وجرح آخرين، نتيجة لحادث اصطدام حافلة نقل كبيرة بأخرى، قرب مدينة "أغشوركيت" والتي يمر بها طريق الأمل وهو أطول طريق في موريتانيا (يصل طوله إلى 1107 كلومترات) وأعلاه نشاطاً، إذ يربط بين العاصمة والكثير من المدن الموريتانية.

بعد هذا الحادث، بدأت موجة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، منددة بحال الطرق الداخلية، وهو موقف يتكرر كل فترة فالحوادث في اطراد متزايد وطرق النقل الحضرية تسوء حالتها كل يوم، والحزن على الفقد يترسخ، فيكاد لا يخلو منزل في البلاد من مشاعر اللوعة على فقيد سحقته الطريق وقضى في حادث أليم. وقد عبر الناشط الموريتاني، مصطفى جوجه، عن هذا الواقع فكتب:" أصبحت روح المسافر مجرد قطعة نرد في لعبة حرب بين سائق متهور وفاسد مستهتر. أصبحت قلوب ذويه براكين لا تخمد إلا بإعلان الوصول. أصبحت ساعات السفر مجرد برزخ بين الحياة والموت، بين الألم والألم. لم يعد السفر سوى مغامرة عبور لجبهة حرب مشتعلة. كأنهم قطاع الطرق يعودون من جديد. كأننا لم نبرح زمانهم. كأنه عند كل محطة وصول بعث جديد وحياة جديدة".

أرقام مفزعة وحكاية أمل خائب

في سبعينات القرن الماضي، كان مشروع "طريق الأمل" الرابط بين العاصمة نواكشوط والمدن الشرقية البعيدة، مشروعاً نهضوياً وحلماً عظيما عند الموريتانيين، حيث كان من يقفون خلفه يرنون لفك العزلة عن المدن الداخلية. وقد شق وسط تضاريس صعبة ورمال متحركة، وكان انجازه مفخرة عند المواطنين، حيث سهل حركة التنقل بين المدن وربط بينها وسهل عملية التبادل التجاري، وأصبح طريقاً دوليا يصل شمال القارة الإفريقية وغربها. لكنه مع الأيام تحول لأحد أهم أسباب الوفاة في البلاد، وخاب الأمل فيه، بسبب غياب الصيانة والتجديد وعاديات الزمن التي لم تجد من يكافحها، والفساد، فتحول الطريق لمسار طويل من الحفر والمطبات والرمال المتحركة، ووسيلة فعالة لمغادرة الدنيا.

وفي السنوات الأخيرة، بدأت معدلات الحوادث في موريتانيا ترتفع، وخاصة على "طريق الأمل". ففي سنة 2017، ارتفعت بنسبة 246 في المئة بالمقارنة مع سنة 2016، وقد حدثت في سنة 2017، 443 حالة وفاة نتيجة لحوادث السير، ووصل عدد الجرحى إلى 2031 جريح. وفي سنة2017، سجل 660 حادث سير.. ويعتبر محيط مدينة بوتلميت (تقع المدينة على بعد 150 كلمتر شرق نواكشوط) من "طريق الأمل" هو الأخطر، حيث سجلت خلال الأشهر العشرة الأخيرة، 41 حالة وفاة في 103 حادث سير.

ولا يختلف حال هذه الطريق عن واقع طريق دولي آخر هو ذاك الرابط بين العاصمة الموريتانية ومدينة "رصو" الحدودية، وهو كذلك من أهم الطرق في موريتانيا. لكنه تحول بدوره لمكان للقتل بسبب سوء الحال وكثرة الحفر القاتلة، وغمر الرمال له.

كان "طريق الأمل" الرابط بين العاصمة نواكشوط والمدن الشرقية البعيدة، مشروعاً نهضوياً وحلماً عظيماً عند الموريتانيين، لكونه يفك العزلة عن المدن الداخلية. وقد شق وسط تضاريس صعبة ورمال متحركة، وكان انجازه مفخرة للمواطنين، فسهّل حركة التنقل بين المدن وعملية التبادل التجاري، وأصبح طريقاً دولياً يصل شمال القارة الإفريقية وغربها.

هذا الواقع لم يجعل الحكومة الموريتانية تدق ناقوس الخطر، بل فضّلت تحميل السائقين المسؤولية والقول إن السرعة هي السبب، وهو أمر لا ينكره أحد، لكنه لا يستقيم من دون اضافة سوء الطرق وتهالكها بسبب غياب الصيانة والتطوير، وكذلك غياب الرقابة وتحول نقاط التفتيش لأماكن للرشوة بدل حماية المسافرين.

قال بعض المحسوبين على السلطة هنا أن سبب الحوادث هو "وجود الطرق" نفسها، فلولا ذلك لما وقعت حوادث سير! بينما يصر رأس السلطة، محمد ولد عبد العزيز، على أن أهم انجازاته هي الطرق.

"معاً للحد من حوادث السير"

واقع الطرق ومعدلات الحوادث والوفيات الناجمة عنها، حركت بعض النشطاء على شبكة التواصل الاجتماعي، وأطلقوا حملة تحمل عنوان "معاً للحد من حوادث السير"، تهدف للتوعية بخطورة هذا الموضوع. وتقوم هذه الحملة بترميم رمزي للطرق المتهالكة والنشر حول هذا الواقع، وهي تطالب السلطات بتوفير سيارات اسعاف على كل الطرق الحيوية، وكذلك طائرة مروحية لنقل المصابين، حيث أن الكثير من المصابين يقضون نحبهم على الطريق دون أن يجدوا من يسعفهم، لضعف مجال الرعاية والتغطية الصحية في البلاد. وطالبوا كذلك بمراقبة السرعة والحمولة التي تحملها الشاحنات الكبيرة التي تنقل البضائع بين المدن، وبين موريتانيا ودول الجوار. وطالب البعض بالعمل على انجاز طرق سيارة ومؤمنة، وهو ما تفتقر له موريتانيا.

فهل سيفضي هذا الغضب من أجل فرض النظام الى تحسين حال الطرق، أم أنه مجرد تنفيس لحظي سيطويه النسيان مع دوران الأيام بانتظار حادث سير كبير آخر؟

مقالات من موريتانيا

للكاتب نفسه