لماذا يهمنا ما يجري في البرازيل؟

في البرازيل (كما في مصر وسواها) مصالح "رنانة" يعمل اصحابها على تسييدها: مجموعات محلية من رجال الاعمال والمقاولات والسمسرة جاهزة لخدمة مصالح الاستثمارات العالمية.. لكن السؤال الكبير يبقى متعلقاً بالاخطاء التي ارتكبها "حزب العمال" وأدت الى خسارته المعركة في سياق الصراع العنيف الذي يحيط بكل محاولة للتغيير.
2018-11-10

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
زينة عاصي - لبنان

سيكون من ضِيق الافق التام أن نعتبر أننا معنيّون بما جرى في البرازيل بسبب إعلان الرئيس الجديد، جاير بولسونارو، أنه سينقل - في أعقاب ما فعل الرئيس الأميركي - سفارة بلاده من تل أبيب الى القدس، أو أنه في سياق كرهه للمهاجرين (وهو ابن مهاجرين من ايطاليا والمانيا.. لكن هذا مختلف!) سيضطهد الجالية الفلسطينية الكبيرة التي تعيش في البرازيل أو الجاليات العربية، وهي واسعة وراسخة في البلاد، بدليل أن الرئيس السابق ميشيل تامر أتى منها، وكذلك المرشح الحالي خائب الحظ، فرناندو حداد، وهو نائب الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا، الذي حصل، على الرغم من هزيمته، على أكثرمن 42.3 في المئة من أصوات الناخبين، أو ما يعادل تأييد 47 مليون ناخب له، في بلد عملاق (8.5 مليون كلمتر مربع وعدد سكان يتجاوز 213.6 مليون انسان)، والتصويت فيه إلزامي لمن هم بين 18 و70 من العمر: 115 مليون ناخب.

بل هي غمامة سوداء تخيّم فوق البرازيل وفوق العالم، وتعمِّق من دلالات انتخاب ترامب منذ عامين، ومن نجاح حزبه منذ أيام بالاحتفاظ بمجلس الشيوخ في انتخابات تجديد الكونغرس..

قيل أن وصول ترامب - بكل صفاته الشخصية المبتذلة ومواقفه الصادمة - قد كان ردّ فعل متعدّد الدوائر على فترة حكم الرئيس أوباما، نصف الأسود نصف المسلم، المثقف بشدّة وصاحب الشهادات العليا والخطيب اللامع، والديمقراطي الذي أراد اقرار قوانين تقدميّة في بلاده (كالحق في التعليم وخصوصاً في الصحة للجميع)، ولو أنه كان من جهة أخرى شديد التحفظ بخصوص شؤون العالم - بغض النظر عن جاذبية خطاباته – بل ويتفوق "حربجياً" على الكثيرين ممن سبقوه الى المنصب، ما يعني أنه راعى الاحتكارات الصناعية / الحربية العملاقة وبالغة النفوذ في البلاد.

مقالات ذات صلة

فهل يكفي القول إن وصول بولسونارو هو رد فعل على انتشار الجريمة والعصابات على أنواعها في البرازيل (حيث يُقتل كل عام بفعل الجريمة المنظمة والفوضى ما يربو عن 60 الف شخص منهم 5 آلاف على يد الشرطة نفسها)، وعلى الرهاب من الإنزلاق الى حالة شبيهة بالبلد الجار، فنزويلا، حيث بؤس وتخبّط لا يبررهما مجرد الحصار الذي تفرضه الولايات المتحدة عليها، أو أنه انتقام من الفساد المستشري في البرازيل والذي لم ينجح "حزب العمال" في القضاء عليه بل وفي تجنب الانخراط به، وهو الذي حكم البلاد منذ 2002 وحتى 2016، كما لم ينجح عامل التعدين السابق، سيلفا دا لولا، بالحفاظ على علّوه عن الشبهات (التي طالت حزبه وعدد من مساعديه) على الرغم من شخصيته المدهشة واجراءاته الكثيرة لصالح الأكثر فقراً في البلاد والنقلة النوعية التي أدت إليها باعتراف خصومه أنفسهم، الذين أرعبتهم تلك الفعالية.

.. فيقال إن تصويت البرازيليين ذاك لصالح اليميني المتطرف، العسكري في سلاح المظلات، الذي يَعتبر أن خطأ حكم الجنرالات الديكتاتوري السابق (1964-1985) كان أنهم "مارسوا التعذيب على معارضيهم عوض قتلهم"، هو من قبيل اللجوء الى أب قاسي وبشع ولكنه يوفر الحماية! تماماً كما كان اللجوء الى الجنرال السيسي في مصر – الذي يبدو ملاكاً مقارنة بالرجل – طلباً للحماية من الفوضى ومن البؤس ومن التشبه بما كان يجري في سوريا أو ليبيا، وكذلك من اعتباط وارتجال سلطة الاخوان المسلمين التي سبقته في الحكم إثر ثورة 25 يناير 2011؟

طبعاً، ليست السيكولوجيا - وحدها أو بالأساس - هي ما يقرّر اتجاهات الامور. في البرازيل (كما في مصر وسواهما) مصالح "رنانة" يعمل أصحابها على تسييدها: شركات محلية لها ارتباطات عالمية أو العكس على الأرجح، أي مجموعات محليّة من رجال الأعمال والمقاولات والسمسرة جاهزة لخدمة تلك المصالح. نية بولسونارو الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ (على خطى ترامب كذلك) لا تمت بصلة الى القناعات العلمية او الايديولوجية بل هي مرتبطة بمصالح الملوِّثين، أي شركات التعدين واستغلال الموارد الطبيعية بسرعة وبلا حساب. إنهاء الحماية البيئية التي تحيط بغابة الامازون العملاقة – رئة الكرة الارضية – والسماح بالتنقيب فيها ونية بناء السدود المائية على مجاريها سيؤدي الى تقطيع أوصالها بالمشاريع الضخمة والطرق السريعة وهو ما يندرج في المنطق نفسه. كما هو منح الشركات الزراعية الكبيرة كل الامتيازات، وهي المعولمة والتي لا تخص توفير حاجات البلاد الغذائية، وفي هذا السياق يأتي تجريم حركة "الفلاحين بلا أرض" هائلة القوة واعتبارها ارهابية (!) ويستحق ابناؤها الإعدام.. وينوي الرئيس الجديد خصخصة المؤسسات العامة وتحرير القطاع المالي وتقليص حقوق التقاعد وقوانين العمل وخفض الضرائب على الشركات والمداخيل العالية.. وهي الاجراءات المعتادة في المقاربة النيوليبرالية التي انتهجها السيسي وسواه..

.. هذا إن تجاهلنا مقارنة سلطاتنا بذكورية الرجل الفجة واحتقاره الشديد للنساء (يقول انه "رزق بمولدة انثى في لحظة ضعف عاناها" بينما سبقها 4 اطفال ذكور، ويهدد نائبة في البرلمان مناهِضة له أنه "لن يغتصبها، فهي لا تستحق ذلك"، ويعتبر المثلية جريمة، ويعادي حق المرأة في التحكم بجسدها، ومنه حقها بالاجهاض، الذي منحه تأييد الانجيليين المتزمتين في بلد اغلبيته الساحقة كاثوليكية).

يهمنا إذاً ما يجري في البرازيل بسبب الموقف من فلسطين بالطبع، ولكن وأيضاً لأنه يضيف درجة الى التهديدات المحيطة بالأرض والتي حذر مؤخراً بيان لكبار العلماء من أنها لو استمرت على وتيرتها هذه فقد تؤدي الى فناء الكوكب والبشر خلال عقود قليلة. ويهمنا لأنه يدعم إطلاق يد شركات النهب والافتراس، مع ما يعنيه ذلك من إفقار متعاظم لأغلب البشر ورجوع عن كل ما انجز في كل الميادين..

ولكن، وعلى كل ذلك، فالسؤال الكبير يبقى متعلقاً بقصور "حزب العمال"، الأخطاء والسقطات التي أدت الى خسارته المعركة في سياق الصراع العنيف الذي لا بد أن يحيط بكل محاولة للتغيير، وعجزه عن تجديد نفسه بينما هو فعلاً يمتلك قاعدة شعبية هائلة.. من يريدون الافضل لمجتمعاتهم سيحتاجون كثيراً للتحليلات والاستنتاجات الفعلية – التي لا تتبع لغة خشبية تكتفي بالتظلم من المؤامرات – حتى يتسلحون بها ضد الانتكاس الى ما هو أبشع مما كانت عليه دكتاتورية الجنرالات في البرازيل.. ومن حكم مبارك وقبله السادات في مصر، ومما يمكن الاستطراد بشأنه في سوريا والعراق وسواهما..

مقالات من العالم

جوليان أسانج حرّ

2024-06-27

فعل أسانج المحظور الأكبر في هذا العالم. كشف اللثام عن أكبر أكاذيب العالم وأكثر أساليب الدول وحشية، وفضح تلك البرودة الفظيعة التي يتمتع بها الجميع خلف الكواليس، وتلك السهولة الرهيبة...

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...