الفساد والقمع كأسس

ما لدينا ليس دولاً بل سلطات. ينطبق ذلك حتى على المثال الذي يُعتد به عادة، مصر و"دولتها العميقة". وقد حاول مبارك والجماعة التي أحاطت بحكمه أن "يدوبل" على تلك البيروقراطية، فيهملها ويتركها تستنقِع. وسعى الى سلطة موازية مستقلة عن البلد و "قرفه" (حتى بالمعنى المكاني لوجود أعضائها)، تستحلِب الثروة من السمسرة مع الخارج بكل أشكالها، وتغلّب منطق الـ "أوف شور"
2015-08-06

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

ما لدينا ليس دولاً بل سلطات. ينطبق ذلك حتى على المثال الذي يُعتد به عادة، مصر و"دولتها العميقة". وقد حاول مبارك والجماعة التي أحاطت بحكمه أن "يدوبل" على تلك البيروقراطية، فيهملها ويتركها تستنقِع. وسعى الى سلطة موازية مستقلة عن البلد و "قرفه" (حتى بالمعنى المكاني لوجود أعضائها)، تستحلِب الثروة من السمسرة مع الخارج بكل أشكالها، وتغلّب منطق الـ "أوف شور" البرّاني في النشاط الصناعي نفسه، حين يقوم، وفي تطوير قطاع تكنولوجيا وسيطة تابعة. وهي فيالداخل تسوِّق سمسرياً أيضا، وتضارِب بكل شيء.. بينما الحكم الحالي يغطي عجزه بالمشاريع الاستعراضية وباستدعاء المساعدات الخارجية، هباتٍ وقروضاً.
الإمساك بالسلطة هو مصدر الثروة في منطقتنا. قيل عن ذلك أنه قديم، واستُحضر مفهوم "نمط الإنتاج الآسيوي" لتأطيره وتسجيل مفارقته للتطور الاقتصادي والاجتماعي الأوروبي/المقياس! يبقى ذلك شديد القصور. وأما اليوم، ومع التغير في الاقتصاد العالمي نفسه، فلم تعد حالتنا "شاذة" بل وجدت مساربها للتمفصل مع العولمة.
يُنتج الإمساك بالسلطة، وتنظيم النهب بواسطتها، شرائح اجتماعية "غنية"، وينظّم كذلك مجمل البنية الاجتماعية حوله/حولها. ليس الفساد والحال هذه سمة مضافة إلى النظام القائم، عارضة، بل هو من شروطه وأساساته، تكوينا أصيلا فيه. لا يمكن إذاً محاربة الفساد ولا تجفيفه في هذه السلطات. يمكن "عقلنته" حتى لا يكون نهباً عشوائياً ـ كما تصف الوضع هذه المقالة عن العراق كمثال لسواه. تمارس العقلنة سلطات راسخة، كالممالك في المنطقة مثلاً، وتنجح في تطبيق عقد اجتماعي مع ناسها على أساس شرعيات متنوعة، دينية/ سُلالية، عقد يحترم أيضاً توزيع حصة معقولة من الفتات عليهم. النماذج متنوعة والفوارق كثيرة، يمكنها احتواء تلك التقدمية والإصلاحية التي قامت يوماً، بينما نشهد الآن الصيغ المتداعية والمبتذلة من السلطات.
ليس القمع كذلك سمة مضافة عارضة، بل هو أصيل وبنيوي. لا يمكن ضبط اشتغال هذا النظام بدون الخضوع التام له، فلا آليات "موضوعية" للممارسة الاجتماعية/الاقتصادية/السياسية. ومن لا يخضع راضياً يُخضع. ويُحوِّل "الضيق الإنتاجي" لهذا النظام الناس إلى كتل هلامية صماء وهامشية، مهملة تماماً لأنها فائضة عن الحاجة، تدب سعياً لحاجاتها العضوية الأساسية فحسب، تُضبَط بالقمع العاري عند اللزوم، وباختراقها بالمخابرات، وبربط الحصول على أي "خدمة" مهما كانت بالواسطة والتمنين والاستزلام، وبالخوف بمختلف أشكاله بسبب الوشاية والاعتباط والحرمان..
لا ينطبق ذلك على بلدان الريع النفطي فحسب الذي تحتكره السلطة، بل هو شامل، يخص مثلا التحكم في رخص الاستيراد والتصدير المقنَّنة في البلدان التي ادعت يوماً أنها "اشتراكية"، وحتى تقاسم المنافع في التعامل مع النفايات، ولو لزم إغراق البلد بها بانتظار "التفاهم" عليها.

 

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...