الأقصى كتعويض؟

إسرائيل مُهندَسة فكرياً وبنيوياً بحيث لا تقبل أي خسارة بل وحتى أي مضايقة لجبروتها، وتهتز، حتى لو كان الأمر لا يعنيها مباشرة، أو كان بديهياً. تحتاج ساعتها لاستنهاض الثقة بنفسها التي تتزعزع بعمق. هي المسلحة بالنووي وبجيش عرمرم مجهز بكل ما هو حديث، لا تطيق أن يقع في الدنيا ما يخالف رغباتها ومطلق راحتها. وهكذا، فالاتفاق النووي مع إيران يدفعها إلى الجنون. وقد قال نتنياهو عند التوقيع عليه كلاما يليق
2015-07-29

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك

إسرائيل مُهندَسة فكرياً وبنيوياً بحيث لا تقبل أي خسارة بل وحتى أي مضايقة لجبروتها، وتهتز، حتى لو كان الأمر لا يعنيها مباشرة، أو كان بديهياً. تحتاج ساعتها لاستنهاض الثقة بنفسها التي تتزعزع بعمق. هي المسلحة بالنووي وبجيش عرمرم مجهز بكل ما هو حديث، لا تطيق أن يقع في الدنيا ما يخالف رغباتها ومطلق راحتها. وهكذا، فالاتفاق النووي مع إيران يدفعها إلى الجنون. وقد قال نتنياهو عند التوقيع عليه كلاما يليق فعلا بالمجانين، من قبيل أن إسرائيل غير ملزمة به (؟) بينما الطلب الإسرائيلي الأصلي كان ببساطة أن تشترك تل أبيب في مفاوضات فيينا! وهو استهول استعادة طهران لقدراتها المالية، وكأن الطبيعي أن تبقى بلاد بحجم ايران محجورا عليها بالقصاص.. وحرّض أفاعي اليمين المحافظ الأميركي التي خرجت تتكلم عن "هولوكوست" جديد يكاد يرتكبه أوباما، فاستحقت توبيخ إسرائيل نفسها، لأن التشبيه الأخرق مس بأسطورة ينبغي إبقاؤها في مرتبة قدس الأقداس.
اليوم تُجري إسرائيل مناورة عسكرية شاملة، تستدعي الاحتياط وتستنفر كل الوحدات: الثالثة خلال أربعة أشهر. وقبل أسبوع، وبحجة احتفال ديني يسهل الاعتداد به في ميثولوجيا زاخرة، نُظِّم اقتحام للأقصى، طلائعه مستوطنون وقوته الفعليّة الجنود الإسرائيليون الذي حطموا أبواب الحرم القدسي ودخلوا ــ باعترافهم وبتوثيق مصور ــ إلى قاعات الصلاة نفسها.
القدس أصلا مستباحة، يحتلها 210 آلاف مستوطِن، بالغي العنف ومحميين من الجنود. وقد تعاظم الاستيطان فيها بنسبة 40 في المئة بين عامي 2013 و2014. ولم يبق فيها إلا ما نسبته 38 في المئة من سكانها من الفلسطينيين، يتعرضون لمضايقات مرعبة بقصد تهجيرهم أو يُهجَّرون بالقوة عندما لا ينفع الترهيب. ثلاثة أرباعهم دون خط الفقر بينما نسبة البطالة بين الذكور تصل إلى 40 في المئة.
تحتاج إسرائيل لموازنة ما اعتبرته نكسة كبيرة لها (أي إقرار الاتفاق الدولي مع إيران). وبما أن الإغارة على غزة صارت أمراً مألوفا لم يعد يفي بالغرض، فهي تتجه إلى القدس لقطف ثمار عقود من الاحتلال والقهر ومخالفة القرارات الدولية في الشأن. فهل يكون الحدث الرمزي الكبير القادر على موازنة هوسها ذاك هو الأقصى نفسه، المنتهَك مراراً ومضعضَع الأساسات بسبب الحفريات تحته، والذي أغلقت دروب وبوابات عدة مفضية إليه.. هل يكون الأقصى هو "التعويض"؟

 


وسوم: العدد 154

للكاتب نفسه

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...