العنف، مفردٌ وجماعيّ

ليس الأمر الغريب هو طعن شاب حتى الموت لخلاف على المرور، كما حدث في بيروت الأسبوع الفائت. هذا وقع في كثير من الأمكنة، ويتكرر. في الحادثة نفسها، كان "المثير" أن الجاني والضحية "ترافقا" كراً وفراً في شوارع العاصمة لمسافة طويلة، وأيضا أن هناك فيديو سجّل تفاصيل القتل. أما الأفظع فردة الفعل العامة الأولى: التحري بسرعة عن مذاهب الطاعن والمطعون، للانتقال إلى التعليقات التي تحيط بكل
2015-07-23

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
بشار الحروب - فلسطين

ليس الأمر الغريب هو طعن شاب حتى الموت لخلاف على المرور، كما حدث في بيروت الأسبوع الفائت. هذا وقع في كثير من الأمكنة، ويتكرر. في الحادثة نفسها، كان "المثير" أن الجاني والضحية "ترافقا" كراً وفراً في شوارع العاصمة لمسافة طويلة، وأيضا أن هناك فيديو سجّل تفاصيل القتل. أما الأفظع فردة الفعل العامة الأولى: التحري بسرعة عن مذاهب الطاعن والمطعون، للانتقال إلى التعليقات التي تحيط بكل حادثة في المنطقة (وليس في لبنان وحده): المجرم من مذهب يشعر بالغلَبة، الضحية من جماعة مغلوبة، والعكس ما كان ليحدث.. ثم الاستدلال "السياسي" المبتذل على خطورة سطوة تنظيم بعينه لأن طائفة القاتل تتطابق معه..
قد يكون ذلك هو التأويل البديهي بسبب الشحن القائم، أو كاستطلاع لمؤديات مشاعر "التمكّن". ولكن هناك حوادث طعن مميت أخرى لأسباب تافهة تماما (اشتهرت في السنوات الأخيرة حوادث وقعت في الكويت أو في جدة...)، بينما تقول صفحة متفرقات في الصحف أن حوادث الطعن مع الإصرار تقع بشكل يومي في مجمل المنطقة من دون تخصيص أو أفضلية لمكان على آخر، ومن دون أن تثير ضجيجا كبيرا.
العنف المفرد ليس "عفويا" تماماً، بمعنى أن هناك أولاً استضعاف للضحية، كأن يكون من غير أهل المكان، أو امرأة، أو واحداً بمواجهة شلة.. وسوى ذلك من المعايير التي تُحْسب بلمح البصر من قبل المعتدي.. وهو علامة على تخلع متزايد في الضوابط الاجتماعية والقانونية والدولتية، وعلى تهتك الروادع الأخلاقية والدينية.. وكل ما شئتم. وهو أيضا ابن شرعي لمناظر الذبح والحرق والتفجير الحقيقية التي تستفيد من إخراج سينمائي يمحو الفارق مع التمثيل. وهو فرع للعنف الجماعي المتصل، المزدهر كما لم يسبق له مثيل حتى في أحلك الاوقات. في قلب عيد الفطر منذ أيام، وقعت تفجيرات أودت بحياة المئات في سوريا والعراق واليمن ومصر والجزائر.. ناهيك بالقصف متعدد المصادر.
والعنف المفرد جزء من منظومة تستفيد من تنظيرات تبريرية، مذهبية وجنسانية وعنصرية وطبقية. وهو كذلك مرتبط بعنف آخر هائل ومتعدد الميادين، قد لا يريق الدماء ولكنه يستبيح في كل لحظة تفاصيل حياة وكرامة الناس وأمانهم واحترامهم لأنفسهم.
.. فلو لم يؤد كل ذلك إلى إلحاح الشعور بالحاجة للخروج من هذه الحالة المرعبة، والتوافق على عقد اجتماعي جديد، فعلى الدنيا السلام.

 

للكاتب نفسه

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...