تلا صدور العدد الأول منذ ثلاث سنوات بالتمام، 150 ملحقاً محتضَنا من الجريدة الأم العريقة بالرعاية والمُحبَّة .
تغيرت في الأثناء أوضاع منطقتنا وحياة أبناء مجتمعاتها بسرعة وعنف لا مثيل لهما في تاريخها الحديث. انتقلنا من نشوة الانتفاضات في بداياتها، التي بشرت بمنعطف تاريخي يتحقق بعد عشرات المحاولات المجهضَة بالمهد وبالدم، الى القلق من خطط الثورات المضادة وجحافل المتآمرين، الى تلمس مبلغ الخراب اللاحق بنا بفعل مزيج النهب والقمع الشرسين اللذين سادا كمنهج لإدارة مجتمعاتنا من قبل سلطات عاجزة مستبدة، مهما تنوع شكلها وخطابها.. وهو خراب كان قد نخر كل شيء على امتداد العقود الماضية، ففاحت بشاعته بعدما أزاحت عنه الانتفاضات غطاءه. وعاينا لمس اليد قصورنا بل عجزنا الذاتي الشامل، الفكري والسياسي، الذي من فرط تمكّنه يكاد يبدو بنيويّاً. وأفلتت ثعابين المذهبية والجهوية والقبلية تجتاح كل شيء بحجج ومبررات، مهما تنوعت، تؤدي جميعها وبلا قعر، الى الدمار والقتل والتهجير والتفكك المشهود اليوم. فوقع الانتقال من الفرح والأمل وتلمس المشاريع الكثيرة إلى الخيبة واليأس اللذين يسهل استدعاءهما في الوجدان العام لتأسسهما أصلا على الهزائم المتلاحقة.
واكب كتّاب السفير العربي الموزعين بين المحيط والخليج ذلك كله، يعاضد واحدهم الآخر، ويتبادلون على صفحات الملحق المعرفة الثمينة والخبرات، وقد حكم إنتاجهم جميعهم الاهتمام العميق بالمنطقة وبمجتمعاتهم، وحمْل همها وهمومها، والتحرر من أي دافع سوى السعي لتلمس حلول ومخارج من الوضع "الشاذ" المفارِق الذي نعيش وسطه. نصوصهم الوصفية بأمانة، والنقدية التحليلية الصارمة، تستند الى معايير تتمسك بقيم وأفكار التقدم والعدل والمساواة والتحرر والحرية، بوصفها حقوقاً للجميع، أفراداً وجماعات ومجتمعات.. بوصفها بوصلة لا تغشيها الأفكار والقيم المضادة لها مهما سادت. لسنا سذجاً ولا نلقي وروداً على أنفسنا، ولكننا نزعم أننا حاولنا، بكل اندفاع وحماس وطيبة وجدّ وأمانة وتمسك بالإتقان، وفي الوقت نفسه بتواضع عميق لا يليق سواه وسط فظاعة الواقع. وهذه الصفات الأخيرة ليست هي الأخرى تقنيات ولا أخلاقيات، بل منظومة قيم تناقض الرداءة المنتشرة، وأدوات في مقارعة الخراب. قد نقصّر أحياناً أو نخطئ، ولكن عذرنا أن محركنا كان دوماً السعي الى المطابقة بين ما نقول ونفعل.. لتلمِّس نقاط الضوء المنبعثة برغم هذه الظلمة، نقدمها ونتمسك بها، ونتفاءل.