لن تبلغ حياة الثانية والعشرين بعد أيام، كما كان يفترض بها، ولن تصبح شرطية بعد انتهاء دراستها الجامعية.. وهي لن تتمكن من مساعدة أهلها، وإخراج أمها من العمل في مصنع السمك الذي أتلف أصابع يديها بمقدار ما يفعل الجذام: أطلقت البحرية المغربية النار على مركب مهاجرين سريّين كان لم يزل في المياه الاقليمية المغربية، فقتلت حياة وجرحت آخرين. كانوا يتسللون الى اسبانيا وكلّ في رأسه قصة يريد تحقيقها. قصة حياة بسيطة: لديها هناك خالة ستستقبلها، وستبحث عن عمل وترسل نقوداً الى أمها، فتنقذها من العمل المضني مقابل دراهم قليلة، وتنقذ كل عائلتها. حياة بهذا المعنى بطلة تستحق التحية.
27.5 في المئة من الشباب المغربي البالغين من العمر ما بين 15 و24 سنة هم بلا عمل وخارج النظام التعليمي. حياة لا تنتمي لهذه الفئة: كانت في سنتها الجامعية الثانية، وهي إذاً في وضع "أفضل" من هؤلاء. وهذا معطى يكفي لقياس مقدار بؤس الناس.
لِما استُخدِم الرصاص الحيّ تجاه مركب مهاجرين؟ وفي هذا مخالفة صريحة لما قررته محكمة العدل الأوروبية من الامتناع عن "استهداف الحق في الحياة أثناء مراقبة الحدود إذا لم يقم المهاجرون بما من شأنه استهداف سلامة الأشخاص". ولكن يا للتناقض، فالمفوضية الاوروبية تطالب دول المهاجرين باتخاذ كلّ الإجراءات الممكنة لمنع وصولهم الى أراضيها.. تضغط وتهدد وترشو الحكومات في افريقيا السوداء وفي بلدان شمال القارة. فتتفاخر الرباط بانها منعت 54 ألف شخص من العبور الى بلدان الاتحاد الاوروبي خلال الاشهر التسعة المنصرمة من السنة. وبالمقابل وصل الى اسبانيا 40 ألف شخص في الفترة نفسها مقارنة بـ27 الفاً في العام الفائت وبـ14 الفاً في 2016.. واسبانيا وجهة المغاربة او من يمرّون بالمغرب قادمين من قلب القارة. وقد فشلت خطط المنع، وستفشل وسائل الردع حتى لو صارت قتلاً وليس اعتقالاً وحبسا وترحيلاً فحسب. وليس الفقر وحده السبب، بل كذلك الشعور بانعدام الأفق، علاوة على تعاظم القمع. وفي المغرب يشاع أن أبناء الريف الذين سعوا خلال السنتين الماضيتين الى إسماع أصواتهم والوصول الى مطاليبهم، قد يئسوا بعد حملة القمع والتشهير والتشويه التي طالتهم، وانهم هم أيضا يهجّون من البلد، ومن كان معتقلا منهم وافرج عنه يطلب اللجوء السياسي في اسبانيا..
على امتداد الاشهر الاربعة الماضية، نشر السفير العربي مجموعة نصوص عن مسألة الهجرة "غير الشرعية".. فبدت لنا مشروعة تماماً! ونحن مستمرون بنشر نصوص تفطر القلوب وتثير الغضب.. على السلطات الحاكمة في بلداننا وعلى السلطات في أوروبا – المستعمر القديم الذي سبق له أن نهب هذه البلدان وخرّبها ويدعم "نخباً" محلية فاسدة تَسهل رشوتها وأن تصبح تابعة له.. وهكذا يستمر في اقتناص ما يلائمه من خيراتها.. ولكنه لا يريد أن يسمع بناسها.
وأما نحن فننحاز الى حياة وأترابها!