هو عنوان مكرر لافتتاحية صدرت هنا. ربما علينا أن نُرقِّم المسخرات، والخشية أن نصل إلى أرقام فلكية. والأمر الثاني المقلق هو أن توحي النصوص بالمحاكاة: تفطين الحكام إلى إبداعات بعضهم البعض، وتعميم تطبيقها. وهذه الملاحظة ناشئة عن تماثلات فعلية ملحوظة في سمات سلوكياتهم وتدابيرهم..
آخر المسخرات هي اعتقال حسام بهجت، الصحافي والحقوقي المصري، المؤسس لـ "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" منذ زمن مبارك، والكاتب الاستقصائي في "مدى مصر"، الشجاع والقدير والمعروف. التحقيق في المخابرات العسكرية والحبس في النيابة العسكرية! والتهمة نشره معلومات عن محاولة انقلاب ومحاكمة ضباط استقاها كلها من مصادر.. رسمية وعلنية. ترهيب؟ الأرجح أن المستهدف من التخويف سواه، فبهجت أثبت مراراً أنّه يعرف ما يُقْدم عليه ولا تنفع معه هذه الأساليب. وقبله بأيام اعتقل الباحث هشام جعفر، وبعده أوقفت عن العمل عزة الحناوي، وهي مقدمة أخبار تلفزيونية، وحقق معها لأنها أشارت إلى خطورة غرق الإسكندرية.. وبالمناسبة فقد وصل عدد القتلى للعشرات وغرقت أكثر من 50 قرية في محافظة البحيرة وانهار أكثر من 18 مبنى في الإسكندرية، وعادت هذه الأخيرة للغرق في النوة الثانية، وطفت على السطح فضائح من نوع سد المصافي بسبب إنشاءات كبرى قررها المحافظ، أو ردم ترع ومصارف مائية قررها رجال أعمال لحسن سير مشاريعهم. وهناك مسخرة اعتقال وتمديد اعتقال إسراء الطويل، والتشكيك في إصابتها بالشلل رداً على التعاطف مع ظهورها باكية متوجعة في المحكمة، ومع ذلك رفْض عرضها على طبيب، والحيرة بين اتهامها بمحاولة اغتيال ضابط بواسطة نبلة، أو مسؤول بواسطة قنبلة مخبأة في كاميرا (هذه مستوحاة من اغتيال مسعود في أفغانستان!) ونشر صور صحافية أخذها عنها الأجانب، ما يسيء لسمعة مصر الخ.. وهناك أيضا محاكمة مجلة "أخبار الأدب" على نشر فصل من رواية، وكأنه وقائع.. وكان المحقق يريد معرفة الاسم الحقيقي للبطل لإصدار استنابة "آداب"!
في مصر، وفي سواها من عموم المنطقة، تتخبط السلطات. تلفق روايات متلاحقة ومتناقضة، وتكذب، أو تصمت تماماً وتترك الناس "يبلّطون البحر". المشكلة أنّه لا يوجد قمع "فعّال" بلا خطاب يحفز الناس على السير وراء السلطة. بينما الجوع والفشل في كل شيء هما سيّدا الموقف هنا. لا يمكن أن تنجح ثلاثية القمع والنهب وإهانة الناس. جُرِّبت. وهي تنتج سلطات رثة. والعنوان هنا أيضا مكرر.