مؤخراً، قرر تحالف "عاصفة الحزم" الذي تقوده السعودية، قصف بيوت 500 شخص في صنعاء يُشك بانتمائهم إلى جماعة الحوثيين أو إلى الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وهكذا، بدأ يزداد عدد الضحايا المدنيين بنسب كبيرة ومتسارعة، فالصاروخ الملقى على عنوان كذا يقتل في طريقه عشرات سوى المستهدف.. الذي قد لا يصاب لو كان معنياً فعلا لاتخاذه تدابير مسبقة. "الاغتيال الاستهدافي" أسلوب إسرائيلي، طُبِّق في غزة وفي لبنان، ونفذ في اليمن من قبل الأميركان على قياديين من القاعدة موجودين في أماكن مقفرة. وأما في صنعاء (التي ما زالت مكتظة على الرغم من النزوحات المتنوعة)، وكذلك أعداد المستهدَفين.. فتعبير عن جنون خالص، نتيجته الوحيدة تدمير العاصمة على رؤوس أهلها، والقضاء على ما تبقى من عمارتها المذهلة.
وبمقابل ذلك، هناك جنون آخر لا يقل فظاعة: زعيم الحوثيين يعلن منذ يومين، بمناسبة مرور عام على سيطرة جماعته على العاصمة، أنه مستمر في حربه "التحريرية" حتى لو استدعى الأمر سنوات عدة.. وإذا قسنا بنتائج عام، فـ "سنوات عدة " تلك تعني قتل وتهجير من تبقى، وسيادة المجاعة والأمراض والخراب العميم: منذ أسابيع، أعلنت الأمم المتحدة أن "الكارثة الإنسانية" التي حذّرت منها في اليمن قد وقعت فعلاً، وأن 80 في المئة (21 مليونا من 26 مليون يمني) يعانون من الجوع، وهم كانوا 50 في المئة قبل أشهر.
وهو المنطق نفسه الذي يطبقه النظام السوري، ويبرره مُنظّروه بالكلام عن "سوريا نافعة" وأخرى يمكنها أن تذهب إلى الجحيم، فيما تَستكمل مجموعات المسلحين الذين يَعْتدّون بأن حربهم تستهدف إسقاطه، تخريب البلد وتفكيكه وقتل أهله وقهرهم. وهو أيضا منطق الحالة السوريالية في ليبيا.. والمشهد يوفر كل الأدوات اللازمة لسائر الأنظمة في المنطقة لتقمع وتلجم كل حراك وأي مطلب، بالتخويف من الانزلاق إلى مصير مشابه للأمثلة السالفة. وهو تخويف أثبت نجاعته، فالناس إنما ينتفضون طلباً لتحسين شروط حياتهم وصوناً لكرامتهم.
اسم هذا المنطق هو الغلبة: نأخذ السلطة و "بعد ما ننطيها"، كما قال يوماً المالكي حين كان رئيساً لوزراء العراق. وهو في الأصل ما يحرك الأنظمة القائمة ويشكّلها، وما أدى بها إلى الإفلاس والفشل. بالضرورة! ومن يتبع المنطق نفسه، أياً كان، مفلس و.. سيفشل.