مخيم اليرموك المحاذي لدمشق لم يعد يخص اللاجئين الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون فيه. هؤلاء، وكان يقدر عددهم بأكثر من مئتي ألف، هجروه على مراحل منذ 2011، ولم يتبق فيه إلا عشر هذا العدد أو اقل، ممن هم بلا مأوى محتمل في مكان آخر، سواء في سوريا أو خارجها. قضى فيه ما يُقدَّر بأكثر من ألف شخص نتيجة الاشتباكات والقصف والقنص أو التصفية أو الجوع، كما قضى المئات من سكانه خلال السنوات الأربع الماضية وهم يسعون إلى أوروبا عبر الطرق البحرية أو البرية للتهريب. ويسمي اللاجئون الفلسطينيون خسارتهم لليرموك بالنكبة الثانية.
ولكن المخيم، الذي لم يعد مأوى للاجئين الفلسطينيين، مهم من الناحية الإستراتيجية في الصراع الدائر في سوريا، لملاصقته لدمشق أولا، وبسبب ما يدور في الطرف الجنوبي من البلاد، الممتد حتى درعا والحدود الأردنية. الصراع بات خاضعاً بشكل شبه كامل لمعادلات إقليمية ودولية، وهو على أية حال مستعصٍ على استشراف الحلول بما فيها تلك المؤقتة، ومرشح للاستمرار في استنزاف البلاد والعباد.
بات من غير المجدي الدخول في سجال حول المسؤوليات في ما آل إليه وضع المخيم.. وعما إذا كانت مجموعة "أكناف بيت المقدس" مثلا، المقربة من بعض حماس، قد أساءت التصرف فـ "تسببت" بالكارثة، وعن الصفقات بين الفصائل، وعما إذا كانت السلطة السورية تحترم المعاهدات الدولية التي تَنْظم أماكن إقامة اللاجئين الفلسطينيين، وعما إذا كانت اليوم تقصف أم هي تتفرج، أو ستقصف في الغد القريب.. هذا ربما يكتبه في المستقبل المؤرِّخون، بروايات متعددة ومتناقضة، يختار كل واحد ما يريد تبنيه منها.. لا يهم.
من المعيب، بالنظر إلى المأساة الإنسانية المكثفة التي وقعت على رؤوس أبناء المخيم، أن يطغى مثل هذا السجال.. ثمة لحظات يجدر فيها غض النظر عن "السياسة" التي تغدو مستحِقة ما يلصقه بها عادة عامة الناس من نعت، أي "الوسخة". كان ينبغي بالتأكيد تحييد المخيم، ولكن ذلك بدا مستحيلاً في حسابات الواقع. والآن، فلا بد من الدعوة فحسب للاهتمام بلاجئيه المشردين، بنكبتهم الثانية، من دون حزازات، ومن دون تطلّب إخضاعٍ لهذه أو تلك من الجهات أو الروايات. هذا أضعف الإيمان.