ترى إسرائيل أن أعداءها منقسمون متحاربون، فتطمئن إلى ابتعاد "الخطر الوجودي" عنها. يتكلم ريفلن، رئيسها، بمناسبة عيد "استقلالها" الـ67*، عن "دولة يهودية ديموقراطية يتساوى فيها كل مواطنيها وينعمون بالحرية". دعك من التناقض، الباقي في علم النفس يسمّونه "إنكاراً". ولكنه هنا إنكار إرادي، مارسه كل مسؤوليها وكتّابها وإعلامييها المحتفلين بعيدها تحت عنوان واحد هو نجاحها الباهر في تنمية قدراتها الأمنية والحربية والاقتصادية، ناظرين من علٍ إلى انهيار الدول والجيوش العربية، والى البؤس المريع للمجتمعات العربية وتقهقرها، غير قلقين كثيراً من الهجمات الفردية على دورياتها وحواجزها، بالسكاكين أو بالدهس، التي يرتكبها شبان يُقتلون فوراً ويُعاقَب أهلهم بشدة. هذا هو الواقع اليوم، يقول "الواقعيون" ممن يُقيمون بيننا. وأما في معسكر اسرائيل نفسها، فلا تُرى ـ ظاهرياً على الأقل ـ إلا "المنجزات التي تحققت بتضحيات جسام" الخ.. لا وجود للفلسطينيين في الخطاب إلا كتفصيل حدثي، مقيت.. وقابل للتجاهل.
وبمقابل ذلك يمور العالم العربي، غير راض عن أحواله ويحاول تجاوزها. فشِل حتى الآن، وانتكس في كل مرة. يئِس كثيرون وتخلّوا، ويرغب كثيرون بالمغادرة إلى أينما كان، ويسعون. واضح وبسيط، أليس كذلك؟
لكن لا! فبعد 67 عاماً، ما زال فلسطينيو الداخل، هؤلاء الذين يُمثِّلون جزءاً من "مواطني إسرائيل" لو شئنا محاسبة ريفلن (لا نشاء!) يُعبِّرون كل يوم وبكل السبل عن موقفهم: رافضون و "عائدون". صغاراً وشباباً وشيباً. نساء ورجالاً. ما زالت كل أجزاء الشعب الفلسطيني، على أرض فلسطين كما في اللجوء والشتات، تعرف "ما الأمر". وتتعزز في العالم حركة إدانة إسرائيل بوصفها أبارتيد عنصري لا مكان له في عالم اليوم. وأما في بلادنا، وهي على ما هي عليه، فمنذ قليل، منذ أربع سنوات ونيّف، قلب الناس "عاليها سافلها" كما يقولون. وظهرت ببداهة، بلا تطبيل وشعارات، المسألة الفلسطينية كأساس، ليست بذاتها (فحسب)، بل بوصفها شرطاً تفاعلياً مع سائر المسائل التي يمكن تلخيصها بأن مهمة التحرر الوطني والاجتماعي لم تُنجز بعد، ولن يُمْكن لأحوالنا في العموم، وفي كل بلد بذاته، أن تستقيم من دون إنجازها.. وفلسطين (وإسرائيل تلك) جزء منها. واضح وبسيط، أليس كذلك؟
* في 23 نيسان/ابريل هذا العام، فالتاريخ يتغيّر حسب التقويم العبري.