لكانت التوترات حول قمة كامب دافيد هذا الأسبوع بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي مسلِّية لولا أنها تمرين يكشف واقعاً قاتماً. مسلِّية هي دعوة الرئيس الفرنسي لحضور قمة دول ذلك المجلس ـ بشكل "استثنائي وغير مسبوق" بالنسبة لزعيم أجنبي ـ قبل أسبوع من اجتماع كامب دافيد، وشراء قطر 24 طائرة رافال فرنسية (ثمنها 6.3 مليارات يورو، وقد وقع العقد الرئيس شخصياً)، وكشف وزير الخارجية الفرنسي، فرِحاً، عن مفاوضات حول 20 مشروعاً مع السعودية بـ "عشرات مليارات اليورو" (قال إن بعضها سيكون فوري التنفيذ). وكل ذلك تحوَّل في الصحافة الفرنسية وفي كلام المسؤولين هناك إلى حسابات للأرباح والآمال بإعادة تشغيل المصانع.. قد لا يتناسب هذا مع الأناقة الفرنسية المعهودة، ولكن للأزمة الاقتصادية الطاحنة أحكامها. كما أن الانكشاف الفظ لمبلغ تَعيّش الدول الكبرى على الحروب (التي تتطلبها الصناعة الحربية) يُعفي الباحثين من تعب تقديم الأدلة.
أما أن يعني ذلك أن دول الخليج تبتز واشنطن بباريس فشأن خطير، لأنه قد يتسبب بأخطاء فادحة في الحسابات، ويقود الى مغامرات وإلى التورط في مزيد من الحروب، بما يتجاوز قدرات فرنسا الفعلية، ولو هو أفرح بنوكها وصناعييها.
وحين يزعل الملك سلمان ويلغي حضوره الشخصي في قمة كامب دافيد، هو وثلاثة زعماء خليجيين سواه، ويرسلون الى أوباما أولياء العهد، لأن واشنطن ليست بصدد عقد معاهدة دفاع مشترك مع دول المجلس كما تطلب هذه الأخيرة، بل تنحو إلى الالتزام بتطمينات عديدة، وأسلحة، ومناورات مشتركة وتدريبات، وحتى بمنظومة الدّرع المضادة للصواريخ، بينما يريد الخليجيون معاهدة ("مكتوبة") يعتبرونها وحدها مكافئ الاتفاق المتوقع مع إيران حول برنامجها النووي. حين يحدث ذلك، فثمة خطب. أولاً في فهم الواقع الدولي (وهو على أية حال متغير ومتشقق)، وثانياً في النتائج..
مُرعب ألا يوضع أمام الأبصار هدفٌ مرضٍ سوى هزيمة الطرف الآخر في هذا الاستقطاب المجنون. سحقه وإخضاعه، سواء في المحصلة العامة أو في الميادين المختلفة للمواجهة. فذلك يعني حرباً/حروباً بلا حدود، من مستلزماتها أن يَعم التشنج على الناس أجمعين عبر الآلة المذهبية التي تتغذى من الأقوال والأفعال المتبادلة. فهل ننتظر حتى يقع ملايين الضحايا ويلحق الخراب والدمار بالجميع... وعلى ذلك لن يتحقق "الهدف". أفلا تعْقلون؟