الأمر لا يتعلق بمناهضة مبدأ الإعدام نفسه بالاستناد لأسسٍ دينية أو فلسفية.. فهذا جدل مطروح كل يوم وفي كل مكان، وهو مشروعٌ وفيه اجتهادات كثيرة. ولا باستهجان محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية (بينما أقرّ ذلك الدستور المصري الجديد)، ولا بتفحص مدى استيفاء أحكام الإعدام الأخيرة للدقة، بينما تشوبها أخطاء وتناقضات صارخة، بعضها مدهش أو هزلي. ولا حتى بسؤال إمكانية تنفيذ الإعدام فعلا بالرئيس السابق محمد مرسي وبمجموعة القياديين من الإخوان. أو باعتبار الأحكام تهويلية، يتوفر "مخرج" للتراجع عنها عبر رفض المفتي المصادقة عليها (ولو أن رأيه استشاري)، أو "مخرج" الطعن بها في مراحل قانونية لاحقة.. كل ذلك قائم ومهم.
إنما الأمر المحير فعلا يتعلق بوظيفة هذا المسلك الذي اختارته السلطة المصرية الحاكمة (والرجاء ألا يمط أحد شفتيه ويجيب بتأنق أن "القضاء مستقل"): أين موقع هذه الوجهة في الإستراتيجية العامة للحكم الحالي في البلاد؟ سؤال ملحٌ لا تجيب عنه فرضية أن مهمة الحكم ذاك الأساسية تتمثل اليوم في الانقضاض الكامل على "25 يناير 2011" بوصفها "لحظة" ــ مفصلاً تأسيسياً ــ وتصفيتها. أي وبشكل عملي ملموس إنهاء "الفوضى"، وهو التعبير الرسمي المرادف لانفجار الصراع المجتمعي والفكري حول الخيارات، ولوجود حرية عامة واسعة، وروح مبادرة الخ.. واستعادة "هيبة الدولة" كما يقال. ولا يمكن مثلا فهم الأحكام الجنونية المشددة على شبان وشابات من غير الإسلاميين بجرم خرق قانون التظاهر إلا بوصفها تعبيراً عن الرغبة بالردع والترهيب وبجعل هؤلاء "عبرة"، ولا سيما في ظل الإنهاك العام المتعدد الأوجه الذي يعاني منه المجتمع، وهول ما يجري في عموم المنطقة، ما يعزز عزلة هؤلاء الشباب وهامشية ثقلهم الحالي.
... لكن تنفيذ الشنق فعلا بستة شبان دفعة واحدة منذ أيام، ومعها أحكام بالإعدام على الإخوان المصريين وعلى 70 فلسطينياً (بعضهم متوفّى من زمن!) تؤشر إلى عالم آخر يتخطى الضبط واستعادة الزمام. أهي النسخة المصرية من الاستثمار في "الحرب على الإرهاب"، والسعي لاستيلاد شرعية قاطعة ومزيد من اللحمة العصبية العسكريتارية؟ ولكن أيكفي تصور كهذا ليُحكَم به؟ أم الأمر أقل بكثير، مجرد إرضاء لدول الخليج، الممول الأكبر لمصر، وتسجيل بالدم للعداوة مع حماس وغزة إرضاءً لإسرائيل؟ وعلى هذا المنوال، تتجهم مصر..