إسرائيل غاضبة لأن المحكمة الجنائية الدولية، التي قبلت في وقت سابق من الشهر الجاري عضوية فلسطين، قررت الشروع في فحص أوّلي لشبهة ارتكاب جرائم حرب في فلسطين. وأما نعوت "أولي" و"شبهة"، وهي تحفظية، فلا تُرضيها. كانت تريد من المحكمة أن ترفض عضوية فلسطين أساساً (باعتبارها ليست "دولة" وفق تصريح نتنياهو، أي لعيبٍ في الشكل كما تقول لغة القانون). وهي اليوم تهدد من جهة وتُطمْئِن نفسها من جهة ثانية: تفكر بكيفية "تجفيف مصادر تمويل".. المحكمة! (كما تجفَّف مصادر تمويل المنظمات الإرهابية)، وتفكر أيضاً بتشكيل جبهة سياسية ضدها (ستكون عضويتها من المتضررين من أحكامها، أي من المجرمين). وهي من جهة ثانية تعتبر أن التحقيقات ستشمل أيضاً أفعال الفلسطينيين، فهم أرسلوا صواريخ عليها! وأن أعمال المحكمة على كل حال بطيئة وتدوم لسنوات قبل خروجها باستنتاجات. بل وينصح مسؤولون إسرائيليون الفلسطينيين أن خطوتهم تلك، ومن بعدها تحقيقات المحكمة، تمثل "مخاطرة" عليهم. وأما الدرة فيفصح عنها ليبرمان من دون خشية من المسخرة، قائلا إنهم لن يتعاونوا مع المحكمة في إجراءاتها وطلباتها، لأن التحقيقات تلك تهدف إلى "تقويض حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها بوجه الإرهاب". بلغة أخرى: دعونا نقتل وندمر كما يحلو لنا وبشكل متكرر كل يوم، بل قولوا معنا إننا محقّون في ذلك، واعتبروا أي مقدار من المساءلة اعتداء.
إسرائيل لم توقّع طبعاً على "نظام روما" الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية ولا هي عضو فيها. والتحقيقات التي بوشر بها بشكل تمهيدي وأولي، تخص فحسب ما جرى في الصيف الفائت، أي منذ حزيران 2014، وليس مجمل ملف العدوانات. وفي نهاية هذه المرحلة ستقرر المحكمة ما إذا كانت ذات صلاحية وكيفية استكمال تحقيقاتها.. وبكل الأحوال، فقرارتها تطال أفراداً مُحددَّين (أي ضباطاً وجنوداً) وليس كيانات. وبكل الأحوال أيضاً، فلتلك القرارات مؤدى معنوي ورمزي، وهي لن تتسبب مثلا بإعلان الحصار الدولي على إسرائيل، مثلما استُسهِل ويُستسهل إعلانه حيال أي بلد عربي، حتى لو كان بحجم العراق ومكانته.
... وبعد ذلك يتساءل البعض ببراءة عن أسباب ولادة "التطرف"، وعما إذا كان داءً نفسياً مثلا أو جينياً تختص به بعض الشعوب.