الفشل المستفحِل

يعكس ذبح الأقباط الـ21 في ليبيا مجمل واقعنا كما في مرآة. فليس القصف الجوي للمجموعات المسلحة، سواء على مدينة درنة الليبية، أو حيثما يُمارس، إلا رد فعل لإنقاذ ماء الوجه، وتعبير عن العجز حيال ظاهرة داعش وأشباهه. وهو لن يحسم الموقف، بل لن يضعف هذه المجموعات. الحقيقة المرّة أنه كان لا بد من "القيام بشيء". وهناك حقيقة مرّة أخرى تتعلق بأعداد البشر المغلوبين على أمرهم الذين يسقطون في مثل هذه
2015-02-18

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
| en

يعكس ذبح الأقباط الـ21 في ليبيا مجمل واقعنا كما في مرآة. فليس القصف الجوي للمجموعات المسلحة، سواء على مدينة درنة الليبية، أو حيثما يُمارس، إلا رد فعل لإنقاذ ماء الوجه، وتعبير عن العجز حيال ظاهرة داعش وأشباهه. وهو لن يحسم الموقف، بل لن يضعف هذه المجموعات. الحقيقة المرّة أنه كان لا بد من "القيام بشيء". وهناك حقيقة مرّة أخرى تتعلق بأعداد البشر المغلوبين على أمرهم الذين يسقطون في مثل هذه العمليات، وهم ضحايا مزدوجون: لداعش المنفلت في مناطقهم، ولمن يرى فيهم "أضراراً جانبية" فحسب. ولن يكون بمقدور أي قرار قد يأخذه مجلس الأمن أن يغيّر شيئاً.
والأدهى هو حين يقدَّم ذلك على أنه انتقام وثأر، فهو نشر لمنطق داعش وصحبه يثير القلق علاوة على الاشمئزاز. بعد ذلك تأتي الأسئلة الشائكة والتي لا إجابات ولا حلول فورية أو تقنية لها. وصلْنا الى حال داعش في سياق مفهوم، وليس صدفة وليس عَرَضاً. ولا يمكن الخروج من هذه الحال بالترقيع، ولا بالحلول العسكرية والأمنية، لأن الأسباب التي أوجدت داعش، وقبله القاعدة، وعلى جوانبه سواه، وغداً غيرهم.. لم تُعالج، وهي أسباب بنيوية، سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية شاملة، تقول باختصار إن الفشل استفحل: من قمع واستبداد وفقر وتخلف وتفكك، ومن انهيار الأمل وغياب الرؤى المستقبلية. مثال بسيط: تمنع الحكومة المصرية مواطنيها من التوجه الى ليبيا فتثور الخشية من ارتفاع منسوب البطالة الضارية، ولا سيما لو عاد مثلا المليون عامل مصري في ليبيا (أو أكثر) إذا ما ازدادت المخاطر عليهم جراء "الحرب" المصرية هناك، فتقع خسارة في التحويلات بالعملة الصعبة تقدر بـ5 مليارات دولار سنوياً، بل يشار الى احتمال انهيار جديد في قيمة الجنيه.
وأما عناصر الفشل المباشر فتتحدث عن نفسها: التباطؤ المسجل في السعي لإنقاذ الضحايا (ظلوا مختطَفين لأربعين يوماً)، معبَّرا عنه بما يشبه "نسيان" أمرهم إلى أن حان موعد ذبحهم، واضطراب التواصل بشكل مقيت مع أهلهم من "الغلابى"، الفقراء فقراً مدقعاً.
يبقى أفظع ما في الموقف: وجود إن لم يكن تبريرات لقتل مسيحيين (متوفرة!)، فاستخفاف به، أو اعتراض على التفجع المصاحب للواقعة واعتباره مبالغاً به "مقارنة" بضحايا آخرين سقطوا في رابعة وسواها، أو الشماتة بمأزق السيسي، أو التلهي بتفاصيل المشهد المروع. مات العيب!

 

للكاتب نفسه

كنيساً يهودياً في باحة "الأقصى"

تتجسد معاني "خروج الحسين"، لمواجهة الطغيان، هو وأهله وكل من يخصه - مع معرفتهم المؤكدة بما يقال له اليوم في اللغة السياسية الحديثة "اختلال موازين القوى" لغير صالحه - في...