حركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات" (BDS) على إسرائيل تثير جنون هذه الأخيرة. وقد اضطرت شركات عملاقة مثل أورانج وفيوليا للانسحاب من استثماراتها في إسرائيل في الأشهر الأخيرة (وقبلهما فعل سواها)، لأنها وجدت أن كلفة "الصمود" هناك تتعدى المكاسب، وبالأخص حين يتحقق تهديد بمقاطعتها استهلاكياً في العالم أو حين تُفتضح طبيعة مشاركاتها الاستثمارية تلك ويتبين أنها تختلط بالجانب العسكري.. ولكن الجنون الإسرائيلي ليس لهذا فحسب، بل وبالأساس للمعنى الذي تكتسبه الحملة، كوسيلة متاحة لإدانة العدوان المستمر على الوجود الفلسطيني نفسه، وكممارسة متاحة أمام المواطنين، ليتخذوا موقفاً ويقوموا بفعل.. بعضهم ينطلق من أرضية حقوق الإنسان فيرى في سياسات إسرائيل تمييزاً عنصرياً أو عنفاً منفلتاً، وآخرون يرون أبعادها الاستعمارية الراسخة.
تبنت الحملة (التي انطلقت في 2005 بنداء من 170 جمعية أهلية فلسطينية) روابط أساتذة وطلاب من جامعات في الولايات المتحدة، ومجالس كنسية عالمية، وكذلك بلديات ومجالس محلية في بريطانيا، وهيئات واسعة في إيرلندا، ونقابات نافذة هنا وهناك.. ولا يمر يوم من دون تبني هيئات متنوعة لها، كأساتذة من 50 جامعة في إيطاليا مؤخراً. وصار مألوفاً أن تنشر كبريات الصحف بيانات الحملة، كما فعلت الغارديان البريطانية مراراً، ومنذ أيام لوفيغارو الفرنسية، وكذلك وكالات أنباء.. وبالمقابل لم تتوقف محاولات توقيف الحملة، ما تميزت به حكومات فرنسية متعاقبة بإصدارها تعميمات مجرِّمة لها، ومحاكم، ومسؤولين كبار تناولوا الشأن بتعابير مزوِّرة عمداً عن "معاداة للسّامية خفية ومقزِّزة"، بل وعن إساءة الحملة للسلام!
سُعار الحملة المضادة اليوم يتم بناء على طلب مباشر من الحكومة الإسرائيلية. وهكذا تعتزم الحكومات البريطانية والأميركية إصدار قوانين منع وإدانة، والتدخل لدى المجالس والهيئات، كما يشار إلى لوائح سوداء في نيويورك للمقاطعين وإنزال عقوبات مضادة بهم، في استحضار لأساليب ماكارثية.. وفي مجلس بلدية باريس صوتت كتلتا نواب اليمين و"الاشتراكي" على "تمني" يدين الحملة ونالت الأغلبية.
..يعني ذلك خصوصاً ان الحملة نجحت في التحول إلى أداة إدانة لإسرائيل على مستوى عالمي واسع. قد لا تمثل حتى اليوم تهديداً اقتصادياً جدياً، ولكنها تحمل قوة القناعة الضميرية. ومعلوم، وفق أمثلة من التاريخ، أن التغييرات تُبنى كذلك على تغيّر القناعات..
وفي إسرائيل سيعقد في 28 الشهر المقبل مؤتمر عالميّ ضد BDS ولمواجهتها.. بالتوفيق!